العدسة – معتز أشرف:

مازال حراك الريف في المغرب يأخذ أبعادًا جديدة كل يوم، بعد صدمة القضاء وأحكامه القاسية بحق قيادات الحراك.

“العدسة” يرصد 3 سيناريوهات لمستقبل الأزمة وهي: العفو الملكي، أو ترحيل الأزمة بورقة الاستئناف، أو الصدام والتصعيد.

العفو الملكي

كان خيار العفو الملكي مطروحًا بعد الأحكام، ودار دورته دون جديد، لكن رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، حرك، الاثنين، المياه الراكدة في ملف العفو، ولمَّح إلى بُعد إنساني في التعامل معه.

العثماني قال في تصريحات للصحفيين البرلمانيين: “إنه يشعر بألم ومعاناة معتقلي “حراك الريف” شمالي المملكة وعائلاتهم، جراء الأحكام القضائية بحقهم، لكن في الوقت نفسه القضاء مستقل في البلاد”. وأضاف العثماني “أنه لم يطلع على وثائق وحيثيات قرار المحكمة، وكل هذا لا يُخوِّلني حتى أن اتخذ رأيًا شخصيًا موضوعيًا في هذا الحكم”.

وتابع العثماني: “لا يمكنني بوصفي رئيس الحكومة، وبوصفي مواطنًا مغربيًا، أن أفرح بسجن أي مواطن، وكيف ذلك؟ وأنا شخصيًا عانيت ظروفًا أصعب من الاعتقال (خلال ثمانينيات القرن الماضي) في درب مولاي الشريف (سجن سري بالدار البيضاء)، حيث لم تكن المعايير الدولية مطبقة، وكنت معصب العينين مُصفَّد اليدين، ولا أتحدث مع أحد”.

نوال بن عيسى أحد البارزين في حراك الريف عقب توقيف قائد الحراك المعتقل ناصر الزفزافي طالبت الملك بوضوح قبل إصدار الأحكام بالتدخل، وبعد صدور الأحكام ألقى الحقوقيون بورقة العفو أكثر من مرة عقب الأحكام، واعتبر الحقوقي المغربي محمد شقير أنه توجد “نافذة مفتوحة على إمكانية إعادة النظر في هذه الأحكام بإصدار عفو ملكي”.

أحمد الزفزافي، والد قائد “حراك الريف”، تحرك في اتجاه المصالحة، التي بدورها تحتاج إلى عفو ملكي، وأبدى في تصريحات متلفزة استعداده للوساطة بين المعتقلين وأي جهة رسمية مخوَّلة بذلك؛ لـ”إيجاد حل لقضية المعتقلين”، داعيًا إلى “المصالحة مع منطقة الريف التي عرفت تهميشًا لفترة طويلة”.

ونهاية أكتوبر الماضي أعفى العاهل المغربي أربعة وزراء من مناصبهم؛ بسبب اختلالات (تقصير) في تنفيذ برنامج إنمائي بمنطقة الريف، وهو ما يعني أنَّ الملف ذو أولوية في القصر الملكي المغربي، ما يجعل مطالبات العفو الملكي ذات وجاهة، وإن كانت غير كبيرة.

ترحيل الأزمة!

رسميًا يتجه وزراء بحكومة العثماني إلى ترحيل الأزمة، واللعب بورقة الاستئناف لامتصاص أكبر غضب ممكن من أنصار حراك الريف، وهو ما جسَّده وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد؛ حيث كشف في تصريحات صحفية، عن تقييم للحكومة حول ما حدث انطوى على رفضٍ للأحكام وترحيل للموقف للاستئناف، قائلًا: إن الأحكام يظهر أنها لم تحظَ بالاستحسان العام، ولكن القضية سيعاد مناقشتها أمام غرفة الجنايات الاستئنافية التي تتكون من خمسة قضاة، ويفترض فيهم الكفاءة والتجربة التي تتجاوز ما لدى زملائهم في المرحلة الابتدائية، وأملي كبير في أن تصدر أحكام أكثر عدالة تكرِّس الثقة في القضاء وتؤسِّس لمصالحة جديدة مع سكان المنطقة”.

لكن في المقابل كانت رسالة “ناصر الزفزافي“، قائد “حراك الريف” بالمغرب، برفض استئناف حكم بسجنه لمدة 20 عامًا، مقلقة للبعض؛ حيث رفض الانصياع للعبة- بحسب مراقبين- خاصة أنَّ الأحكام وجهت رسالة قاسية لهم بحصوله و3 نشطاء آخرين على 20 عامًا، فيما قضت بحبس 50 ناشطًا آخرين لمدد تراوحت بين سنة و10 سنوات، ورغم رفض استئناف الحكم من جانب ناصر الزفزافي، إلا أن القانون يتيح للنيابة العامة الحق في استئناف الأحكام.

تقارير مغاربية مطلعة أفادت بأن 4 من معتقلي حراك الريف رفضوا استئناف الأحكام الثقيلة التي صدرت في حقهم، وهم كل من ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، سمير اغيد، ووسيم البوستاتي، لكن قالت: إنَّ هيئة الدفاع تحاول جاهدة إقناع المعتقلين الأربعة بضرورة استئناف الأحكام الصادرة في حقهم، قبل انتهاء الأجل القانوني للاستئناف، وذلك عبر زيارات في السجون المحلية الموقوف فيها قادة الحراك.

الصدام والتصعيد!

صقور المعسكرين الحكومي والشعبي يميلان إلى الصدام والتصعيد، وباتت بورصة التصعيد آخذة في الصعود، خاصة بعد القرار الثوري لقائد حراك الريف برفض الاستئناف.

الدولة المغربية وحكومتها من جانبها ترصد الشعارات المرفوعة في التظاهرات وتشعر بقلق، لاسيما وأن المنطقة ذات جذور عرقية أمازيغية وتراثية ضاربة في القِدم، وأن محاولة الزعيم التاريخي عبد الكريم الخطابي إقامة “جمهورية الريف” في ثلاثينيات القرن الماضي ما تزال حاضرة في عقول وقلوب الكثيرين ممن خرجوا للتظاهر ضد سياسات الدولة المهمشة لمنطقتهم، لذلك يذهب البعض في دوائر القرار إلى ضرورة تشديد القبضة حتى لا تفلت الأزمة.

محمد كروط، محامي الدولة في الملف دافع عن العقوبات الصادرة بحق النشطاء، وقال في تصريح صحفي: إن “العقوبات كانت مخففة، وإن المحكمة كانت رحيمة بالمدانين، نظرًا لتعدُّد الجرائم المرتكبة من قِبلهم”، مؤكدًا أن محاكمة ناصر الزفزافي تمت في إطار مواد قانونية تتضمن عقوبتي المؤبد والإعدام، خاصة أن احتجاجات الريف كبَّدت الدولة أضرارًا مادية ومعنوية كبيرة كما تعرَّض عدد كبير من موظفي الأمن للعنف”، فيما لخص توصيف الدولة للأزمة بأنها مواجهة “تظاهرات غير مرخصة”!.

في المقابل، يخطط عدد من الهيئات لتنظيم وقفات احتجاجية في بعض المدن المغربية تنديدًا بالأحكام الصادرة، فيما دعت تنظيمات في الريف إلى إضراب عام، وامتدَّ الغضب من الحسيمة المغربية التي تعدّ قلب الأزمة إلى العاصمة الرباط .

من جانبها دعت جماعة “العدل والإحسان“، أكبر جماعة إسلامية معارضة بالمغرب، سلطات البلاد فور صدور الأحكام إلى الإفراج “الفوري” عن موقوفي حراك الريف، مؤكدة أهمية اتخاذ الجهات المعنية في الدولة (لم تسمِّها) لقرار شجاع يقضي بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف، مع جبر الضرر وردّ الاعتبار، خاصة أن مطالب أهل الريف تمثّل مطالب المغاربة جميعًا، وهي مطالب اجتماعية واقتصادية مشروعة، وأن احتجاجاتهم كانت سلمية حضارية في أشكالها ومضمون شعاراتها ورسائلها.

عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان ورئيس دائرتها السياسية الدكتور عبدالواحد متوكل، صعَّد من لغته الحادة بالأساس، وقال: إنَّ النظام المغربي يفكر ككل الأنظمة الاستبدادية، في جانب الردع، ويعتقد أن هذا الفعل سيسكت الآخرين”. لافتًا إلى أن “هذا الأسلوب لا يمكن أن يفلح، بل بالعكس سيسفر عن نتائج عكسية، وسيدفع الناس للتمسك أكثر بحقوقهم، وكما قال كثير من الناس، هذا الفعل يعتبر من باب صبّ الزيت على النار”.