العدسة – موسى العتيبي

“سنواجه الإرهاب بالقوة الغاشمة”.. هكذا ردَّ عبد الفتاح السيسي على الحادث الإرهابي الدموي الذي استهدف مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد بشمال سيناء، وراح ضحيته أكثر من 300 مواطن من بينهم 27 طفلًا على الأقل، فضلًا عن عشرات المصابين.

السيسي وخلال خطابه المقتضب بعد الحادث، لم يتحدث كعادته عن التقصير الأمني، وأكتفى فقط بعبارات فضفاضة، يؤكِّد فيها أنَّ مصر مستهدفة من أهل الشر الذين يشير إليهم دائمًا، دون الحديث عن طبيعة ما حدث بالتفصيل، ومن المسؤول عن إراقة تلك الدماء، وأين كانت قوات الجيش المنتشرة بشمال سيناء حين وقوعت تلك الحادثة المفجعة؟!.

مراقبون ونشطاء تجاهلوا عبارات السيسي الفضفاضة، وراحوا يطرحون تساؤلات تتعلق بالنواحي الأمنية، من بينها كيف يقع حادث بهذا الحجم وتُراق فيه كل تلك الدماء، في منطقة يفترض أنها أشبه بالثكنة العسكرية دون أن تتحرك قوات لإنقاذهم.

والأهمّ من ذلك هو لماذا لم تأخذ الدولة تهديدات جماعات مسلحة لرواد مسجد “الروضة” على مَحْمَل الجدّ؟ وكيف تصل تلك السيارات المدججة بالسلاح إلى مسجد الروضة ببئر العبد، في وضح النهار في منطقة مفروض عليها الطوارئ وينتشر فيها الجيش، وتحيط بها الأكمنة من كل مكان؟

العدسة ومن خلال التقرير التالي ترصد عددًا من النقاط التي تكشف بوضوح عن خللٍ أمنيٍّ وتقصير واضح، ربما كان هو السبب الأول في إراقة كل تلك الدماء.

“تنظيم الدولة” بسيناء

تجاهل تهديدات ولاية سيناء

التقصير الأمني الأكبر على الإطلاق وفقًا لمراقبين، كان قبل الحادث؛ إذ تجاهلت قوات الجيش والشرطة، والأجهزة الاستخباراتية المختلفة في سيناء التهديدات المتكررة السابقة لأهالي مسجد الروضة، ولرواد المسجد من الصوفيين أتباع الطريقة الجريرية.

ووفقًا لبحث بسيط على موقع البحث الشهير جوجل، سيتضح للعيان كمّ التحذيرات والتهديدات التي وجهتها جماعات مسلحة للرواد “مسجد الروضة” الذي تمّ استهدافه بالأمس؛ حيث يقيم على المسجد صوفية تابعون للطريقة “الجريرية” والذين تكفرهم تنظيم الدولة داعش.

وكانت مجلة رومية التابعة لتننظيم الدولة “داعش” والناطقة باللغات الأجنبية المختلفة قد نشرت تقريرًا في يناير بداية العام الحالى، أكّد نية التنظيم استهداف رجال الطرق الصوفية، وخاصة الطريقة الجريرية في سيناء، وقد خصّت بالذكر مسجد الروضة الذى تمّ استهدافه اليوم، وقالت المجلة إنَّ التنظيم سيستهدف الصوفية والجريرية في هذه المناطق حال وصولهم اليها.

كما هدد التنظيم في أحد أعداد نشرة “النبأ” التي يصدرها التنظيم الصوفيين وأمرهم بالتخلي عن معتقداتهم، قائلًا: “نقول لجميع الزوايا الصوفية شيوخًا وأتباعًا في داخل مصر وخارجها إننا لن نسمح بوجود طرق صوفية في ولاية سيناء خاصة وفي مصر عامة”.

حادث ذبح “أبو حراز”

في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، أقدم تنظيم ولاية سيناء، فرع تنظيم الدولة داعش، على خطف الشيخ سليمان أبوحراز، (98 عامًا)، أكبر مشايخ الطرق الصوفية في سيناء.

الشيخ “أبو حراز”

الشيخ “أبو حراز” كان أحد أبرز مشايخ “مسجد الروضة” الذى يتواجد بمدينة بئر العبد وينتمى الكثير من رواده للطريقة الجريرية الصوفية، التي تحاربها وتقف ضدها ولاية سيناء.

وبعد خطف الشيخ “أبو حراز” قام التنظيم بذبحه في جريمة بشعة، وأصدر بعدها إصدارًا مرئيًا يظهر فيها فصل رقبة الشيخ عن جسده، متهمين إياه بالشرك والتكهن والسحر، وأكّدوا أنّ كل من يسير على درب “أبو حراز” سيلقى مصيره، وسيتم ذبحه وقتله بلا هوادة.

وكان الشيخ أبو حراز من أكبر الرموز الدينية بشمال سيناء، وكان له تأثير كبير في أوساط القبائل البدوية التي كانت تستمع لعِظاته الدينية وسبق تهديده عدة مرات من قبل “داعش”.

وبحسب روايات شهود عيان لموقع “القاهرة 24” فإنّ مريدي الطريقة الجريرية كان من المقرر أن يحيوا  ذكري رحيل الشيخ سليمان أبو حراز السنوية بحلقات ذكر عقب صلاة الجمعة، التي نفّذ فيه المجزرة الأليمة والتي راح ضحيتها المئات من القتلى والمصابين.

مراقبون ونشطاء أكّدوا أن من البديهيات أن تقوم قوات الجيش والشرطة بتأمين مسجدٍ قُتِل شيخه على يد تنظيم “داعش” وسبق للتنظيم أن أصدر تهديدات واسعة بشأن أنصاره ومريديه.

ذبح داعش للشيخ “أبو حراز”

وقياسًا على ما كانت تفعله قوات الشرطة على مدار عامين كاملين بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 2013، من انتشار كثيف أمام المساجد لمنع أنصار مرسي من التظاهر، كان من المفترض أن تحتشد القوات الأمنية بمحيط مسجد الروضة، لتأمين المصلين ورواد المسجد، خصوصًا وأن رواد مسجد “الروضة” تلقوا التحذيرات من الجماعات المسلحة بالكفّ عن اتباع الطرق الصوفية، وربما هذا الحادث انتقامًا لعدم انصياعهم للتحذيرات.

كتيبة للجيش على بُعْد 2 كم

المذهل والمثير للجدل أيضًا هو ما كشفه النائب السابق عن شمال سيناء يحيى عقيل، الذي أكَّد وجود كتيبة للجيش تابعة لحرس الحدود على بُعد 2 كيلو متر فقط من مسجد الروضة.

وخلال تصريحات تلفزيونية أكّد النائب السيناوي السابق، وجود كتيبة للجيش على بُعد 2 كيلو متر مربع، كما أكّد وجود كمين أمني ثابت على بُعد حوالي 10 كيلو مترات من المسجد الذي وقعت فيه المجزرة.

تواجد الكتيبية في هذا المكان القريب من مسجد الروضة، يعني أنَّ أًصوات طلقات الرصاص وصلت للمتواجدين بالكتيبة، بلا شكّ خصوصًا وأنّ المنطقة في بئر العبد صحراوية وخالية من المباني المترفعة، وأصوات الرصاص ستسمع بسهولة.

تأخر تحرك قوات الجيش لإنقاذ أهالي رواد مسجد “الروضة” يضع كثيرًا من التساؤلات حول الحادثة، وحول الدور الذي تلعبه الأجهزة والقوات الأمنية في سيناء، خصوصًا وأنها ليست الحادثة الأولى التي تقع بالقرب من مقرات وثكنات عسكرية دون أن يكون هناك تدخل أمني لإنقاذ الموقف.

لماذا لم يُقِل السيسي أحدًا؟

تساؤل آخر طرح نفسه بعد حادث “مسجد الروضة” الأليم، ألا وهو، لماذا لم يقدم السيسي على إقالات عسكرية وأمنية كالتي أقدم عليها بعد حادث الواحات، رغم أنَّ الضحايا في حادثة “مسجد الروضة” أكبر بعشرات المرات من عدد الضحايا في حادث الواحات.

تفاعل السيسي السريع مع حادث الواحات وإقالته لكبار مسؤولي الأجهزة الأمنية، بعد حادث الواحات، وتجاهله التام للإقالات بعد حادث مسجد “الروضة” فتح باب الجدل، حيث اتهم البعض عبد الفتاح السيسي بالانحياز لأجهزته الأمنية، وإسترضائه للداخلية بهذه الإقالات في حين أنه تجاهل غضبة ومشاعر المواطنين المكلومين على ذويهم الذين فقدوهم في حادثة “مسجد الروضة”.

وكان السيسي قد أقال رئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمود حجازي، و4 من الشرطة المصرية، لاتهامهم بالتقصير الأمني في بعد حادث  الواحات الذي أسفر عن مقتل 16 شرطيًا وإصابة آخرين، وفق بيانات الداخلية.

“محمود حجازي” و السيسي

والقيادات التي تمّت إقالتها من الداخلية بعد حادثة الواحات هم اللواء محمود شعراوي رئيس جهاز الأمن الوطني، واللواء هشام العراقي مدير أمن الجيزة، ومدير إدارة الأمن الوطنى بالجيزة، ومدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي.