العدسة – معتز أشرف

أسدلت محكمة مصرية بارزة الستار على مزاعم خصوم الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، بشأن انتخابات 2012، وأصدرت حكمًا نهائيًا غير قابل للطعن على تحصين نتيجة فوز مرسي بعد أيام قليلة من إعلان نتيجة فوز الديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي بولايته الثانية، وهو ما يراه البعض مفيدًا للاثنين (السيسي ومرسي) اللذين يقفان على طرفي نقيض في ظل قضاء مُسَيَّس بالفطرة، وهو ما نرصده.

ضربة قاضية!

في ضربة قاضية للجدل المتكرر حول انتخابات الرئاسة في العام 2012، قضت محكمة جنايات الجيزة بعدم جواز الطعن على حفظ التحقيقات في قضية “تزوير انتخابات الرئاسة 2012 لصالح الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، وقالت: إنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الدعوى الصادرة من قاضي التحقيق، وبهذا أطاحت المحكمة بآمال دعاوى قدمها الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي السابق، ضد لجنة انتخابات الرئاسة بعام 2012، يتهمها بتزوير نتيجة الانتخابات لصالح الرئيس مرسي؛ حيث اشتكى من تزوير بعض أوراق الانتخابات بعدة دوائر، وكشفت تحقيقات قاضي التحقيق في القضية عن وجود هذه المخالفات، ولكن المستشار أحمد شمس الدين خفاجي، النائب الأول السابق لرئيس مجلس الدولة، وعضو لجنة انتخابات الرئاسة عام 2012، أكد أنها لم تتجاوز مئات الأوراق وتم استبعادها، وأنّ المخالفات لم تكن مؤثرة، والقضاة حذفوا نتيجة الصناديق التي ضمتها كاملة، وبالتالي فإنّه من الناحية الرقمية لم يكن هناك شك بأن محمد مرسى هو المتفوق في انتخابات 2012.

فصول التشويش!

وبدأت فصول التشويش على نتيجة الانتخابات فور إعلان فوز الدكتور محمد مرسي، ضمن الإجراءات الكثيرة التي كانت تهدف للإطاحة بمرسي، الذي لم يمكث سوى عام واحد في قصر الرئاسة، ففي 20 يونيو 2013 تقدم محامي شفيق ببلاغ إلى النيابة العامة بمزاعمه، وفور الإطاحة بالدكتور مرسي، وتحديدًا فى 23 سبتمبر 2013 تم ندب المستشار عادل إدريس قاضيًا للتحقيقات فى البلاغ المقدم من الفريق شفيق، وتم استغلال القضية على أوسع نطاق للإساءة إلى مرسي وحركات دعمه، لكن فى 28 أكتوبر 2013 أصدر قاضى التحقيق قرارًا بحظر النشر في القضية، فيما ردت لجنة الانتخابات كرامتها، وتقدمت في  21 ديمسبر 2013 بشكوى ضد قاضي التحقيق أكدت فيه قيامه بفض الأختام التي تمّ وضعها على أوراق انتخابات 2012، وكسر الأقفال الخاصة بمقر الحفظ منفردًا دون اصطحاب أحد أعضاء اللجنة أو أمانتها ودون الرجوع إلى لجنة الانتخابات الرئاسية، لكن فى 13 مايو 2014 واصل قاضي التحقيق المخطط وفق ما هو متواتر واستدعى د.محمد مرسى من محبسه واصدر قرارًا بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، ومع تغير الأجواء صدر قرار قضائي في 22 مايو 2014 بإنهاء ندب المستشار عادل إدريس وسحب ملف قضية تزوير الانتخابات منه.

وفي يونيو 2014 أسندت محكمة استئناف القاهرة القضية إلى قاضى تحقيق جديد، بالتزامن مع عقد لجنة الانتخابات الرئاسية وقتها، برئاسة المستشار أنور العاصى، اجتماعا للفصل فى الطعن وانتهى الاجتماع برفض الطعن ليصبح قرار فوز مرسى نهائيًا وباتًّا، لكن في أكتوبر 2014 تقدم المستشار عادل إدريس الذي أطيح به من القضية، بدعوى أمام دائرة رجال القضاء بمحكمة الاستئناف طالب فيه بإلغاء قرار إنهاء ندبه، وتم صدور حكم لصالحه بالعودة وإلغاء قرار سحب ملف القضية منه، والذي لم يهنأ به، حيث صدر حكم في الدرجة الأعلى في 22 مارس 2016 بتأييد إنهاء ندبه، فيما أعلن قاضي التحقيق  في 2016 رفض الطعن، وهو ما وافق عليه النائب العام، لكن شهد عام 2017 تظلمًا من شفيق لتنتهي آماله في أبريل 2018 برفض التظلم وتأييد فوز مرسي.

دلالات الحكم!

في ظل تسيس القضاء في مصر وفق مراقبين وقضاة مستقلين، فإصدار القاضي بلال محمد عبد الباقي لحكمه السابق يأتي في إطار مسيس واضح في أعقاب الإعلان عن الولاية الثانية للديكتاتور عبد الفتاح السيسي الذي أراد أن يغلق كل الملفات المفتوحة للتشويش والمشاغبة، خاصة من الفريق شفيق الذي كان يفكر في الترشح في مواجهته، ثم انسحب وظلّ متعلقًا بالقضية على مدار 5 سنوات دون جدوى رغم انعدام الأمل فيها، وهو ما ذهب إليه موالون للدكتور محمد مرسي فور إصدار الحكم؛ حيث أكّد د.طارق الزمر القيادي البارز في الجماعة الإسلامية في مصر وتحالفات دعم الشرعية بالخارج، أن ” الحكم برفض الدعوى الجنائية بخصوص انتخابات الرئاسة 2012 ليس انتصارًا للدكتور مرسي بقدر ما هو إصرار على أن تظل خريطة الصراع (عسكر/ إخوان) كما هي، وهو أيضًا رفض بأن يدخل حلبة الصراع السياسي أطراف أخرى تضعف النظام الحالي وتفقده مبرراته التي أتاحت له الانتقام من الجميع باعتبارهم إخوان”.

الحكم كذلك يأتي في سياق العلاقة المتميزة بين المشير محمد حسين طنطاوي الذي قاد المرحلة الانتقالية بعد الثورة والسيسي، خاصة أن طنطاوي هو من أشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية، وهناك صراع واضح بينه وبين شفيق على الأقل في وسائل الإعلام، حيث ذكر شفيق طنطاوي وآخرين كشهود على تزوير الانتخابات، وهو الأمر الذي نفوه إعلاميًا أكثر من مرة، مؤكدين عدم تدخلهم في الانتخابات مطلقًا.

الحكم كذلك أكد بصورة قاطعة تحصين أول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ مصر بعد ثورة 25 يناير، وعدم فتح الباب للحديث عنها مجددًا، ما يعزّز شرعية أول رئيس منتخب من خلالها، خاصة أن أحد أدوات التحرك ضد مرسي كانت هذه الدعوى ومزاعم شفيق الذي قال محاميه شوقي السيد قبل صدور الحكم النهائي: “الحكم سيكون بمثابة قرار إحالة للمتهمين بالقضية لمحكمة الجنايات، في اتهامهم بارتكاب الجرائم المذكورة لتزوير الانتخابات الرئاسية، ورغم أن الحكم لن يغير من الأمر شيئًا لكنه شهادة للتاريخ”، وهو ما كان شهادة للتاريخ إذ لم يغير من الأوضاع شيئًا لكنه أكد صحة أول مسار ديمقراطي في مصر.

الحكم لا يعني بالتأكيد الدكتور محمد مرسي وأنصاره بقدر كبير، برغم أنه يعزز موقعه، فمرسي يعتبر نفسه رئيس الجمهورية ويرفض محاكمته، ويعتبرها خارجة عن إطار القانون والدستور، كما يذهب موالون له إلى التأكيد على براءته بغضّ النظر عن التهم والأحكام الصادرة ضده، مؤكدين أنَّ براءته لا تحتاج إلى إثباتٍ لأنَّ إجراءات اتهامه فى الأصل باطلةٌ لمخالفتها أحكام الدستور بحسبان أنه مازال الرئيس الشرعى للبلاد.

وضع مرسي!

وبهذا الحكم سقط عن مرسي مسار ملاحقة جديدة قد كان من الممكن أن يفتح الباب أمام وقوفه في دعوى قضائية جديدة، ليتوقف مجموع الأحكام عند 45 عامًا بصفة نهائية منهم 20 سنة لاتهامه فى قضية “أحداث الاتحادية، والمؤبد في قضية التخابر مع قطر، بعد أن حصل في أحكام الدرجة الأولى حتى 2016 على  85 سنة سجن، وحيث حكم بالإعدام فى 4 قضايا من بين 5 قضايا يحاكم فيها بالتزامن مع تواتر الكثير من الأنباء عن سوء الحالة الصحية له بصورة لم يسبق لها مثيل وسط تجاهل تام من قبل سجانيه، ولم تقتصر الأحكام، في 2017، على مرسي فقط؛ إذ امتدت إلى أسرته وعائلته، حيث نالت نجليه أسامة وعبد الله أحكام يقولون انها مُسَيَّسة وامتدت الأحكام، في 2017، إلى محمد سعيد مرسي، نجل شقيق مرسي، ففي 2 نوفمبر الماضي، أيدت محكمة النقض عقوبة السجن بحقه هو واثنان آخران خمس سنوات؛ إثر إدانتهم بأحداث عنف ينفونها في جامعة الزقازيق عام 2013.

وبحسب مراقبين فإنَّ مرسي يواجه في 2018 ثلاثة سيناريوهات محتملة، وهي: نقله إلى مستشفى حكومي أو خاص، لتدهور صحته في السجن الانفرادي المعزول فيه منذ ما يزيد عن أربع سنوات، أو استمراره في السجن محبوسًا على ذمة قضاياه وعلاجه في محبسه، أو خروجه من السجن، ضمن تفاهمات، أبرزها العفو الرئاسي، مع حصوله في 2018 على أحكام نهائية تعطي السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع حين الإطاحة به، الحق في العفو عنه، وقد نفت أسرته نقله إلى المستشفى في وقت سابق من هذا الشهر، فيما يبقى سيناريو خروجه مرتبطًا بتغير جذري في المشهد المصري قد يتطالب مفاجأة بحسب البعض.