العدسة _ بسام الظاهر

يبدو أن النظام الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي يهتم بشكل كبير بمنتدى الشباب العالمي الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ الشهر المقبل.

وأطلق السيسي فكرة إقامة هذا المنتدى العالمي خلال المؤتمر الشبابي الأخير في مدينة الإسكندرية يوليو الماضي، دون أي مقدمات، بما يُثير علاماتٍ الاستفهام حول الهدف منه.

ويكرّس النظام أجهزة الدولة تحت إشراف مؤسسة الرئاسة على تفاصيل الاستعدادات الخاصة بالمنتدى، خاصة في ظل الحديث عن توجيه الدعوة إلى عدد كبير من رؤساء وملوك الدول العربية والأجنبية.

ولكن ما الهدف الحقيقي من إقامة هذا المؤتمر وخلال هذا التوقيت تحديدًا؟

ترتيبات واسعة

السيسي أعطى الضوء الأخضر للتجهيز لهذا المنتدى منذ يوليو الماضي، من خلال تشكيل مجموعات عمل وتدشين موقع إليكتروني للمنتدى عبر الإنترنت؛ لإتاحة التسجيل للمشاركة في المنتدى وخاصة للشباب من خارج مصر.

الاستعدادات الخاصة بالمنتدى تتم في أحد الأماكن التي يشرف عليها مكتب تابع لرئاسة الجمهورية دون الكشف عنه، وهو نقطة تثير التساؤلات حول هذا المكان وما الهدف من وجوده خارج مؤسسة الرئاسة، وما يحدث فيه بخلاف التجهيز للمنتدى.

“السيسي” في مؤتمر للشباب

وربما هذا المكان يعتبر نقطة انطلاق تجميع مؤسسة الرئاسة بعض الشباب سواء من البرنامج الرئاسي للتأهيل أو طلبة الجامعات لتشكيل تكتل شبابي موالٍ للسيسي.

وبحسب مراقبين فمن غير المستبعد أن يكون هذا المقر تجمعًا للجان الإلكترونية التي تتولى الدفاع عن السيسي أمام حالة الغضب والانتقادات التي تواجهه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

محاولات حثيثة يقوم بها فريق العمل على الانتهاء من التجهيزات التي تتعلق بالاجتماعات والمناقشات والمحاور وورش العمل، فضلًا عن التفاصيل اللوجيستية المتعلقة بالاستضافة وإصدار تأشيرات دخول الضيوف وإصدار تذاكر السفر وترتيبات الإقامة في الفنادق وغيرها، وإعداد مركز صحفي ومركزٍ ضخم للترجمة الفورية بستّ لغات عالمية.

ومن المقرر حضور نحو 3 آلاف شاب من خارج مصر وعدد أقل من الشباب المصري.

كما بدأ مطار القاهرة الاستعدادات قبل نحو أسبوعين على المنتدى لاستقبال الوفود المشاركة، وتم تخصيص فرق من الخارجية والطيران وشركة الميناء لسرعة إنهاء إجراءات وصول الوفود وإعادة تسفيرهم إلى شرم الشيخ.

حملة ترويج

السيسي يعتبر المنتدى الشبابي المرتقب فرصة للترويج لنظامه مستغلًا ستار الشباب في هذا الأمر.

ويحاول تحويل الأنظار إقليميًا ودوليًا إلى هذا المنتدى لمواجهة الانتقادات الدولية لنظامه والتي تتعلق بالأساس بكبتِ الحريات وتراجع أوضاع حقوق الإنسان وعدم الاهتمام بالشباب.

وحرص الرئيس الحالي على توجيه الدعوة إلى عدد من رؤساء وملوك الدول، ولكن حتى الآن لم يتم الكشف عن أسماء هؤلاء الرؤساء أو من الذي وافق على الحضور، على الرغم من الاستعدادات التي يقوم بها النظام الحالي.

ولكن الغريب هو فكرة دعوة رؤساء الدول بمنتدى شبابي يركز في الأساس على قضايا الشباب والحوار بين الثقافات المختلفة، بما يعكس وجود رغبة لدى السيسي في تسويق نفسه دوليًا وإحداث حالة من الزَّخَم حول تحركاته تجاه الشباب.

وتلقت مصر ضربة شديدة بعد تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الذي يشير إلى أن التعذيب في مصر منهجي، بما استدعى محاولات من النظام الحالي للرد عليه وتغيير هذه الصورة.

 

وهى فرصة أن يتم الإشارة إلى السيسي ولكن من دون توجيه انتقادات، ولكن ربما ستكون صدمة كبيرة إذا تطرقت صحف عالمية لأوضاع الشباب والفجوة مع النظام الحالي والانتهاكات بحقهم.

ما الهدف؟

ويمكن تحديد الهدف من هذا المنتدى الشبابي في إطار 3 محاور أساسية:

أولا: الشباب:

منذ وصول السيسي للحكم بدأ يتخذ عددًا من الإجراءات التي تحدّ من تفاعل الشباب وعدم إتاحة الفرصة أمامهم للتعبير عن الرأي والمشاركة الفاعلية.

حملات الاعتقالات التي شنتها الأجهزة الأمنية منذ وصول السيسي والتنكيل بالشباب خير دليل على الأزمة والفجوة بين الطرفين، والتي تستمر حتى الآن، وتجاوز عدد المعتقلين في السجون 40 ألفًا أغلبهم من الشباب.

انتخابات الرئاسة كانت مؤشرًا رئيسيًا على اتساع هذه الفجوة؛ إذ شهدت مقاطعة واسعة من فئة الشباب، فلجأ السيسي إلى تأسيس البرنامج الرئاسي للشباب بتشكيل تكتل مؤيد له، دون أن يرفع المعاناة عن الشباب ويدمجهم في الحياة العامة والسياسية.

ويطمح السيسي في تغيير الصورة النمطية عن علاقاته بالشباب من خلال هذا المنتدى، ولكنه ليس معبرًا عن حقيقة تلك العلاقة بين الرئيس الحالي والشباب.

واتهمت منظمة العفو الدولية، السلطات المصرية بسجن النشطاء الشباب لإخماد الاضطرابات في واحدة من أشد عمليات القمع في تاريخ البلاد.

وتحت عنوان “سجن جيل.. شباب مصر من الاحتجاج إلى السجن” بحثت منظمة العفو الدولية حالات 14 شخصًا من بين آلاف الشباب الذين قالت إنهم سُجِنوا بشكل تعسفي في مصر.

ثانيا: إنتخابات الرئاسة:

ويحاول السيسي الترويج لنفسه وتحسين صورته دوليًا استعدادًا لانتخابات الرئاسة المقبلة في 2018، في ظلّ الانتقادات التي توجه له ونظامه بغياب الديمقراطية.

ويرغب في أن يكون نظامه أكثر قبولًا دوليًا من خلال التحرك في عدة ملفات مثل إتمام المصالحة الفلسطينية بين حركتي “حماس وفتح” قبل أيام.

السيسي تعرض لانتقادات شديدة خلال أحد جلسات الكونجرس الأمريكي والتي كانت سببًا في حجب جزء من المعونة الأمريكية لمصر خلال الفترة الماضية.

ثالثا: الوضع الإقليمي:

ربما يدفع السيسي نحو وضع إقليمي متميز له خلال الفترة المقبلة، والدخول إلى غمار المنتديات الشبابية ومنافسة بعض الدول التي تقوم بأنشطة مماثلة وتحديدًا تركيا التي تستضيف منتدى الشرق.

 

ويتضح من خلال تصفح موقع منتدى الشرق وجود اختلاف تمامًا بين المنتديين؛ فالأول تم العمل عليه بشكل منهجي ومتنوع بين ريادة الأعمال والابتكار ومشاركة الشباب في قضايا المنطقة وتطوير الأداء السياسي، في حين أن منتدى السيسي سيركز بالأساس بالهجرة غير الشرعية والإرهاب، وهو موضوعات تعتبر محور اهتمام النظام الحالي فقط.

رابعا: تنشيط السياحة:

ويهدف السيسي بشكل أساسي من خلال هذا المؤتمر هو إيصال رسالة للعالم بأن مصر آمنة تمامًا وتستقبل أعدادًا ووفودًا من الخارج دون أي مشاكل ويقيمون في مصر دون المساس بهم من الإرهاب.

وصحيح أن هذا المنتدى قد يكون فرصة للترويج للسياحة المصرية، خاصة وأنه يُعقد في سيناء التي شَهِدت سقوط طائرة الركاب الروسية عام 2015، إلا أنَّ اختيار المكان يتعلق بالأساس بسهولة التأمين وهي مهمة صعبة للغاية في قلب العاصمة المصرية القاهرة.

ولكن جهود تنشيط السياحة تتناقض تمامًا مع ترويج المسؤولين المصريين ووسائل الإعلام الموالية للنظام الحالي بوجود إرهاب شديد يعصف بمصر في إطار توجيه الشارع المصري وصرف الأنظار عن إخفاقات السيسي، إلا أن لها تأثيرات كبيرة عالميًا خاصة وأنّ السفارات تعد تقارير من وسائل الإعلام وترسله إلى بلادها.