العدسة _ جلال إدريس

أثارت موافقة البرلمان المصري على تعديل بعض أحكام قانون الزراعة، حالة من الجدل الكبرى في مصر، خصوصًا وأن مشروع التعديل الجديد يعطي للدولة الحق في إصدار قرار بحظر زراعة محاصيل معينة من الحاصلات الزراعية كالأرز وغيره، بهدف ترشيد استخدام المياه، بعدما بدأت حصة مصر في مياه النيل في التراجع جراء الشروع في ملء خزان سد النهضة الإثيوبي.

وفي تصريحات صحفية، كشف هشام الحصري – وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب” عن كارثة كبرى ستقدم عليها  حكومة عبدالفتاح السيسي، تتمثل في تقليص مساحة الأرز المنزرعة من مليون و76 ألف فدان إلى 730 ألف فدان فقط، مشيرًا إلى أن الفلاح المصري يرفض تلك الخطوة لاعتياده على زراعة الأرز.

وبينما زعم برلمانيون وسياسيون مؤيدون للسلطة في مصر، أن التقليل من زراعة الأرز سيوفر المياه العذبة للمصريين، وأنه يمكن سد العجز في الأرز عن طريق الاستيراد، أكد خبراء ومراقبون آخرون أن مصر مقبلة على كارثة حقيقة إن أقدمت الحكومة على تلك الخطوات.

وشددوا على أن خفض كل هذه النسبة من زراعة الأرز، سيهدد خصوبة التربة الزراعية في مصر، وسيحول آلاف الأفدنة إلى أرض بور لا تصلح للزراعة بسبب ارتفاع نسبة الملوحة، بالإضافة إلى أبعاد اقتصادية أخرى.

(العدسة) ومن خلال التقرير، يستعرض بعض الكوارث والمخاطر التي قد تتعرض لها مصر نتيجة تقليل زراعة محصول الأرز.

الأملاح ستلتهم الأراضي

الدكتور “عمر الحداد”، الباحث المتخصص في معالجة المياه، كشف في منشور له عبر حسابه الخاص بـ”فيسبوك”، عن أولى الكوارث الحقيقة التي ستواجه مصر إن أقدمت على تقليل حصة مصر من زراعة الأرز، ووصف هذا الإجراء بأنه  أكبر مصيبة تلحق بمصر منذ تأسيسها على يد الملك مينا عام ٣٢٧٣ قبل الميلاد.

وقال “الحداد” هناك في الإعلام حديث مفاده أن مجلس النواب يستعد لإصدار قانون يمنع الفلاحين من زراعة الأرز وقصب السكر لعدة سنوات فقط لحين الانتهاء من ملء خزان سد النهضة، وأضاف قائلا: “هذا القرار لو صدر فهو يعني باختصار أن أراضي مصر ستبور, أراضي شمال مصر ستمتلئ بالملح من البحر (سبب حماية أراضي الدلتا من ملح البحر المتوسط من قبل الفراعنة هو ري الأرز فيها بالغمر, كما يعرف أي طالب في أولى زراعة), وبدون ري بالغمر لن يمكن حماية الدلتا من ماء البحر, وسيدمر ماء البحر القدرات الزراعية لأراضي الدلتا, وستحتاج مصر حوالي ٢٠٠ سنة للتخلص من هذا الملح، نظرًا لضخامة مساحة الدلتا.

وتابع قائلا: “بالإضافة لهذا, جفاف الأراضي المنتظر في الوادي والدلتا سيؤدي بالضرورة إلى قتل البكتريا المغذية rhizobacteria في تلك الأراضي, كيف تعيش البكتريا بدون ماء؟! مستحيل طبعا، هذه البكتريا التي اكتسبت خصائص وراثية معينة على مدار أكثر من ١٠ آلاف سنة ستفقد للأبد, ولن يمكن استعادتها مرة أخرى… أبدًا”.

واعتبر “الحداد” أن “موافقة مجلس النواب على منع زراعة هذه المحاصيل هي خيانة, خيانة لهذا الوطن, وخيانة للأجيال القادمة, وخيانة لكل من عمل لخدمة هذا البلد عبر تاريخها”.

وقال: “هذا القانون هو قانون هلاك مصر, ليس هلاكًا سياسيًّا, بل هلاك بالمعنى الحرفي, شعب كامل لا يجد ماء للزراعة, من أين يأتي بطعامه وشرابه؟ يستورد منتجات بالأسعار العالمية؟ لا نستطيع هذا”.

واختتم “الحداد” تحذيراته قائلا: (يا أعضاء الحكومة, يا أعضاء مجلس الشعب, سيذكر التاريخ لقرون قادمة أنكم أنتم, برئيسكم، بحكومتكم, من وافقتم على اتفاق تدمير مصر وهلاكها, وأنكم أنتم من قضى على مصر التي حارب شعبها لآلاف السنين كي يحافظ عليها، سيموت الشعب جوعًا وعطشًا بخيانتكم وتخاذلكم, وحتى بعد هذه السنوات لم بقي من المجاعة لن يستطيع الزراعة في أرض بارت, وامتلأت بالملح, ولم يعد بالإمكان أن تعطي إنتاجًا زراعيًّا).

التصريحات ذاتها، اتفق معه فيها الدكتور عبدالسلام عيد دراز، الأستاذ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، الذي أكد أن تقليل زراعة محصول الأرضي قد يحول أراضي الدلتا إلى أراضي ملحية غير صالحة للزراعة، وهو ما سيضر بالمحاصيل الزراعية في مصر بشكل عام، حيث كانت زراعة الأرز تقوم بغسلها سنويًّا.

 

ارتفاع سعر الكيلو لـ 30 جنيه

بحسب خبراء ومختصين، فإن تقليل حصة زراعة الأرز ستتسبب أيضًا في رفع أسعار الأرز في مصر بشكل جنوني، خصوصًا وأن “الأرز” من السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن المصري، وبالتالي، ستلجأ الدولة للاستيراد في العام القادم، لكميات كبيرة من الأرز لن تقل عن 2 مليون طن، حيث يستهلك المواطن المصري 40 كيلو أرزًّا في السنة”، وفقًا لإحصائيات حكومية.

وتوقع خبراء أن يصل سعر كيلو الأرز المستورد لـ20 جنيهًا والبلدي لـ30 جنيهًا العام القادم، ما يحدث مشكلة كبيرة، وتفاقم أزمة في السلع الستة الكبرى، من الفول والعدس والذرة الصفراء والسكر والقمح وزيت الطعام، والتي جميعها ستتأثر حال تقليل زراعة الأرز في مصر.

ومع وجود أزمة مصرية في العملة الأجنبية، وتعويم الجنيه، وارتفاع سعره لقرابة الـ 18 دولارًا، فإن ذلك يعني أن سعر الأرز سيصبح خياليًّا في مصر.

بوار أرض الدلتا

أستاذ الموارد المائية والري، الدكتور نادر نور الدين، تحدث عن الكارثة المحتملة، وقال: “بعد 3 سنوات من توقف زراعة الأرز، تخرج كل أراضي شمال الدلتا (1.5 مليون فدان) عن الإنتاجية، وتصبح أراضي بور عالية الملوحة، ولن يمكن إعادة استصلاحها”.

وانتقد عبر “فيسبوك”، قرار الحكومة، وقال: “للأسف! مبالغات وزارة الري باستهلاك الأرز للمياه، استغلته إثيوبيا، ولم توضح أنه بدون زراعة الأرز تبور ثلث أراضي الدلتا، وهو الذي يحد من أن تأكل ملوحة مياه البحر المتوسط أراضيها، وتزيد هشاشتها لتغيرات المناخ وغمر مياه البحر لها”.

“نور الدين”، أشار إلى أن دول أوغندا وتنزانيا وكينيا يزرعون الأرز دون تحفظات، وإثيوبيا تزرع قطنًا يستهلك مياها أكثر من الأرز، موضحًا أن الحفاظ على أراضي الدلتا بزراعة الأرز أولى من تربية مليون رأس من الأبقار في بلد الجفاف وندرة المياه والشح المائي.

خراب لبيوت الفلاحين

أزمة أخرى ستواجه الفلاح المصري، الذي يعاني بالأساس من أزمات اقتصادية ضخمة، تتمثل في عدم وجود المحصول البديل الذي سيعوضه مكسبه من محصول الأرز، وبالتالي، فستزداد أعباء المزارعين الاقتصادية.

ووفقًا لتصريحات بعض المزارعين، فإن البديل لزراعة الأرز سيئ، وهو زراعة الذرة التي تتزامن صيفًا مع زراعة الأرز،  مضيفًا أن معنى عدم زراعة الأرز أن يزرعوا أضعاف احتياجاتهم من الذرة، وهذا يعني أن سعر الذرة عند بيعه سينخفض لثلث سعره على الأقل لكثرة المعروض.

وأشاروا إلى أزمة ثانية؛ وهي زيادة سعر التقاوي والأسمدة التي يستخدمها الفلاح  لزراعة الذرة، موضحين أن سعر التقاوي كان العام الماضي 65 جنيهًا للكيلو، وسعر الكيماوي اليوريا 250 جنيهًا للشيكارة، متوقعين تضاعف سعرهما نظرًا لكثرة الإقبال على زراعة الذرة، ما يعني أن مكسب المزارع سينخفض مع الذرة وما سيربحه لن يكفي لشراء حاجته من الأرز طوال العام.

وأكدوا أن معظم المساحات المنزرعة مفتتة، وكل مُزارع يمتلك قراريط كان يعتمد على زراعتها أرز في الصيف كي يغطي حاجة أسرته، متوقعين عدم قبول الأصناف المستوردة من الأرز لتكون بديلًا عن المصري وخاصة النوع البلدي.