العدسة – ياسين وجدي:
من “عوفرا” شمال مدينة رام الله إلى “جفعات أساف” شمال القدس المحتلة عادت المقاومة في الضفة لتعلن عن نفسها بقوة بعد حصار وتضييق شديدين تعاونا فيهما الاحتلال مع رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس أبو مازن.
إعلان مهم ولد من رحم 5 أسباب بحسب مراقبين ومحللين وهي :”التصعيد المدروس، وكسر الإجراءات الأمنية الصهيونية ، وفشل التنسيق الأمني بعد تراجع دور السلطة ، والتنوع في الأساليب، والتخبط الصهيوني الداخلي”، ليتأكد للجميع أن الانتفاضة مستمرة في الضفة وأن المقاومة هنالك لن تموت، يدا بيد مع قطاع غزة ، وهو ما نستعرض ملامحه في سياق هذا التقرير.
الضفة تشتعل
تغيرات نوعية ، قلبت الطاولة رأسا على عقب في الضفة الغربية المحتلة ، حيث اغتال الاحتلال الأربعاء 4 مقاومين بدعوى تنفيذهم عمليات فدائية، لترد المقاومة ظهر الخميس، بقتل جنديين من قوات الاحتلال وإصابة آخرين بجروح خطيرة، في إطلاق نار شرق مدينة رام الله، مع الاستيلاء على سلاح أحد جنود الاحتلال دون الوقوع في قبضة الاحتلال.
وعلى التوازي ، اندلعت مواجهات بين عشرات الفلسطينيين وجيش الاحتلال بمواقع متفرقة من الضفة، عقب اعتداء مستوطنين على منازل ومركبات مواطنين، ما أسفر عن إصابة 69 فلسطينيًا، فيما استمر التصعيد فجر الجمعة ، باعتقال قوات الاحتلال الصهيوني 35 مواطناً من مناطق متفرقة في الضفة المحتلة، بينهم نوابٌ في المجلس التشريعي ونشطاء بارزين من حماس وأكاديميين وأسرى محررين.
“الضفة ستشتعل” وفق المؤشرات الفلسطينية والصهيونية ، فعسكريا ، تعهدت كتائب الشهيد عز الدين القسام فور العملية الجهادية الأخيرة في الضفة بأن “مقاومتها ستظل حاضرةً على امتداد خارطة الوطن، تمتلك في جعبتها الكثير مما يسوء العدو ويربك كل حساباته” مؤكدة أن “على العدو ألا يحلم بالأمن والأمان والاستقرار”.
وفي البعد السياسي الاستراتيجي ، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أن الأحداث التي جرت بالضفة المحتلة بمثابة تغير حقيقي في التعامل مع الاحتلال، مؤكدا أن “الضفة المحتلة فتحت صفحة جديدة مع الاحتلال عنوانها الدم والشهادة”.
وفي المعسكر المعادي ، كانت التوقعات تذهب إلى استمرار المواجهة والمقاومة في الضفة ، وكشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن أن جيش الاحتلال يتوقع وقوع المزيد من العمليات بالضفة الغربية، بعد صلاة الجمعة ، ونقلت عن قائد منطقة الوسط بجيش الاحتلال اللواء “نداف فدان”، أن خلية واحدة لحركة حماس، نجحت بالمس بنا وتدفيعنا الثمن باهظًا جدًا، وسنواصل ملاحقتهم وسندفعهم الثمن”.
تصاعد مدروس !
تصاعد المقاومة في الضفة لا يبدو بعيدا عن منهج مدروس ، وبحسب مركز القدس لدراسات الشأن الصهيوني فقد شهدت عمليات المقاومة في الضفة الغربية تصاعد مدروس خلال الأشهر العشر الأولى من سنة 2018، حيث رصد التقرير نحو 3.400 عمل مقاومة شعبية بأشكالها المختلفة ، بجانب 40 عملية إطلاق نار، و33 عملية طعن ومحاولة طعن، و15 عملية دهس ومحاولة دهس، و53 عملية إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، و262 عملية إلقاء زجاجات حارقة، وهي عمليات أدت لمقتل 11صهيونيا ، وجرح 159 آخرين، كما أدي إلى استنزاف الاحتلال في الضفة وتحميل خزينته نحو 28 مليار شيكل (نحو سبع مليارات و600 مليون دولار).
ووفق مدير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الدكتور محسن صالح فإن العمل المقاوم لهذا العام هو استمرار، وإن بدرجة أقل، لحالة المقاومة الملتهبة في الضفة الغربية، التي تصاعدت منذ انتفاضة القدس التي انطلقت في مطلع أكتوبر 2015 ، فقد سجل العامان الأوليان لانتفاضة القدس 3.719 عملية، ومقتل 57 صهيونيا وجرح 416 آخرين ، واعترف الشاباك بـ 1.360 عملية في الضفة سنة 2016 وبـ 1.464 عملية سنة 2017، وبمقتل 29 صهيونيا سنة 2015، و17 صهيونيا سنة 2016، و18 صهيونيا في السنة التالية.
ومن أبرز أسباب عودة المقاومة للظهور بقوة بحسب مراقبين ، التجاوزات الصهيونية الخطيرة في الضفة المحتلة ، خاصة بعد اقرار قوات الاحتلال الصهيوني، إجراءات جديدة لشرعنة بناء منازل المحتلين واخرها 2000 منزل استيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يهدد البعد الوجودي للفلسطينين ويستنفر طاقاتهم للمواجهة.
ويأتي كسر العقبات الأمنية والاقتصادية التي سادت في الفترات الماضية في مقدمة المتغيرات الميدانية الايجابية ، التي أدت إلى مرحلة جديدة للمقاومة في الضفة المحتلة ، وبحسب المحللين فإن الشهيدين “أشرف نعالوة وصالح البرغوثي” حطما كل المتاريس التي وضعت أمام المقاومة في الفترات الماضية بالضفة المحتلة ، ومنها الكاميرات المنصوبة على طول الطرق الالتفافية تتبع المقاوم خاصة كاميرات الفلسطينيين أنفسهم على بوابات دورهم ومتاجرهم ومؤسساتهم بجانب النجاح في تكوين مجموعات مقاومة في الضفة ، تخطت كل العقبات ، وصنعت التمدد للمقاومة، بعد أن استطاع المقاوم الفلسطيني الذي يعيش في بيئة أمنية معادية (احتلال، وتنسيق أمني) أن ينفذ عمليته الفدائية دون الإيقاع به أو تصفيته، إلا بعد فترة طويلة ، وهذا أكثر ما يخشاه الاحتلال.
التنوع في الأساليب ، وقف كذلك وراء الموجة الجديدة ، فوفقا للمراقبين تميزت الضفة بانتهاجها طرقا جديدة في كل مرحلة من المراحل؛ فمن حرب السكاكين مرورا بالعمليات الاستشهادية، ثم عمليات الطعن والدهس، وحاليا عمليات إطلاق النار من نقطة الصفر، كما أن يميزها أكثر أن عمليات مقاوميها النوعية تنشط في أشد لحظات الملاحقة والحصار.
تراجع صهيوني !
وفي الجانب الآخر يرى محللون صهاينة أن تراجع السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن في الضفة مع المنهجية المدروسة للمقاومين ساهما في سقوط نظريات الاحتلال الأمنية.
النظرية الصهيونية الأمنية سقطت بوضوح في العمليات الأخيرة في الضفة التي يرى محللون صهاينة أنها تعد من أصعب العمليات التي وقعت في المدّة الأخيرة؛ ولكنها تميزت باحترافية عالية لذلك فهي بالغة الأهمية، وتحمل تحديا واضحا لجنود الكيان؛ إذ إن موقع هذه العملية الأخيرة لا يبعد سوى كيلومتريْن من العملية التي نفذت قبل خمسة أيام قرب مستوطنة عوفرا، وجاءت بعد ترجل لتعلن أيضا أن المبادرة بيد المقاومة الفلسطينية ليس فقط في غزة؛ إنما أيضا في الضفة الغربية”.
أمير بوحبوط، المعلق العسكري لموقع “وللا” الصهيوني يرى أن تراجع مكانة السلطة الفلسطينية الرسمية يعدّ من أهم الأسباب التي دفعت نحو تصاعد العمليات العسكرية، التي ينفذها مقاومون فلسطينيون ضد أهداف صهيونية في الضفة الغربية، محذرا أن هذه “العمليات تؤشر إلى إمكانية انفجار الأوضاع الأمنية بشكل مطلق في كل لحظة”.
المخابرات وجيش الاحتلال الصهيوني سقطا في الاختبار ، هكذا يذهب طال فرام، مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة “معاريف”، في تحليلاته الأخيرة مؤكدا أن فشل المخابرات والجيش في إحباط العمليات الأخيرة قبل حدوثها يدلل على “خطورة الأوضاع الأمنية، ويؤشر إلى إمكانية تفجر موجة من العمليات”، موضحا أن “الفجوة في العمل الاستخباري الذي يقوم به “الشاباك” وشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” تقلص من فرص إحباط العمليات قبل وقوعها”.
وهكذا ، فقد بات الفشل الصهيوني في الضفة المحتلة سيد الموقف ، وهو ما اعترف به الـ”شاباك” في أحدث تقرير له مؤكدا أن العمليات الفدائية ازدادت بشكل ملحوظ في الشهور الأربعة الماضية، وأنها تزداد من شهر إلى آخر وتنوعت ما بين إلقاء حجارة خطيرة وزجاجات حارقة وقنابل أنبوبية وإطلاق النار ودهس وطعن وهجوم مسلح.
كما أكدت صحيفة هاآرتس الصهيونية في تعقيبها على الأحداث الأخيرة أن “الأجهزة الأمنية الصهيونية لا تستطيع مواجهة عمليات الشباب الفلسطيني وهذه العمليات قد صعّبت مهمة القوات الصهيونية المحتلة في الحفاظ على إستقرار الضفة رغم التنسيق الأمني ” موضحة أن”
سلطات تل أبيت فوجئت بالعمليات التي يقوم بها الشباب الفلسطيني بالضفة الغربية والقدس منذ فترة”.
اضف تعليقا