نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مجموعة من الوثائق المسربة التي كشفت عن محفظة عقارية سرية في لندن يمتلكها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان- رئيس دولة الإمارات وحاكم إمارة أبو ظبي، وتقدر قيمتها بنحو 5.5 مليار جنيه إسترليني.
الإمبراطورية العقارية التي سعى حاكم الإمارات إلى بنائها وتوسيعها على مدار العقود الماضية بسرية تامة “عن طريق صفقات من الباطن” كما قال أحد المصادر المطلعة للغارديان، تم فضحها بالتفاصيل عن طريق وثائق مسربة وملفات قضائية وتحليلات السجلات العامة البريطانية التي حصلت عليها الغارديان، والتي أظهرت كيف استطاع الرئيس الاماراتي البالغ من العمر 72 عاماً الاستحواذ على إمبراطورية ممتلكات تضمنت مباني في بعض أكثر المواقع شهرة في لندن، من بينها ميدان بيركلي في مايفير وملكية 95 مبنى محاطاً بها.
وبحسب المستندات التي اطلعت عليها الغارديان، فإن محفظة العقارات الشخصية لخليفة، والتي تمتد على بعض أغلى أحياء لندن، تتكون من العقارات التجارية والسكنية “فائقة الجودة”، حيث يبلغ سعر الشقة الواحدة من مجموعة الشقق التي يمتلكها خليفة بن زايد حوالي 20 مليون جنيه إسترليني.
تسلط الوثائق الضوء على الطريقة التي يسمح بها النظام البريطاني للمستثمرين أمثال خليفة بناء محفظة عقارية مترامية الأطراف، بسرية تامة، وذلك بفضل هيكل معقد من الشركات الوهمية في الملاذات الخارجية التي يديرها بعض أكبر شركات المحاماة في لندن.
الحديث عن الممتلكات العقارية لخليفة في المملكة المتحدة بدأ لأول مرة عام 2016 عندما قدمت الغارديان تقاريراً عن أوراق بنما، والتي أعطت لمحة عن كيفية قيام رئيس الإمارات العربية المتحدة سراً بالاستحواذ على عشرات العقارات في وسط لندن بقيمة تزيد عن 1.2 مليار جنيه إسترليني.
ومع الوثائق الجديدة، يتبين أن ممتلكات خليفة تساوي ما يقرب من خمسة أضعاف ذلك، بل إن إمبراطوريته في لندن تفوقت حتى على إمبراطورية دوق وستمنستر، الملياردير الأرستقراطي البالغ من العمر 29 عامًا والذي يمتلك مساحات شاسعة من المدينة.
أظهرت سجلات المحكمة التي حصلت عليها الغارديان، فإن خليفة بن زايد في عام 2005 فقط أنفق مليار جنيه إسترليني على خمس عقارات، وبحلول عام 2015، تضخمت قيمة المحفظة إلى 5.5 مليار جنيه إسترليني مع دخل إيجار سنوي قدره 160 مليون جنيه إسترليني.
فيما يشير تحليل بيانات السجل العقاري إلى أن محفظة العقارات التجارية والخاصة بخليفة تضم حوالي 170 عقارًا، عبارة عن قصر منعزل بالقرب من ريتشموند بارك والعديد من المباني المكتبية الراقية في لندن التي تشغلها الصناديق والبنوك الاستثمارية.
ونوهت الصحيفة إلى أن نزاعاً -تنظر فيه المحكمة العليا في لندن- نشب بين أفراد عائلة خليفة للاستحواذ على الثروة بدعوى تدهور حالته صحية حسب ما قاله محامو شركة لانسر، التي كانت تدير المحفظة العقارية لخليفة، إذ استشهدوا بوثيقة يزعمون أنها تظهر أن السيطرة على أصوله تم تسليمها سرا إلى لجنة خاصة عام 2015.
الوثيقة المشار إليها تظهر أنها موقعة من قبل خليفة، لكن وبحسب التقرير، يبدو أن التوقيع يخص شقيقه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة وأحد أقوى الشخصيات في الشرق الأوسط.
وتنص الوثيقة التي نشرها الموقع الاستقصائي ساراواك لأول مرة واطلعت عليها صحيفة الغارديان، على أن، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، الأخ غير الشقيق لخليفة، تم تعيينه رئيسا للجنة، مما يشير إلى أن بعض العقارات الرئيسية في لندن أصبحت الآن في أيدي الحكومة، في الوقت الذي ينفى محامون يمثلون خليفة أنه “تنازل عن السيطرة على أصوله”.
يُذكر أنه في وقت سابق من هذا العام على سبيل المثال، استمعت المحكمة إلى مزاعم بأن رئيس الإمارات قام بتركيب خزانات مملوءة بمياه الشرب من إيفيان في قصره الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن عشر بالقرب من ويندسور.
“العميل”
حرص المستشارون والمحامون الموكلون لإتمام صفقات شراء العقارات التي رغب بها خليفة على عدم الإشارة إليه بصورة مباشرة في العقود مطلقًا، وكانوا يشيرون إليه ببساطة باسم “العميل”.
تم البدء في بناء إمبراطورية خليفة بن زايد العقارية منذ أواخر التسعينات تقريباً، حيث كان يتم إدارة تلك الصفقات من منزل مستقل من سبعة طوابق يطل على فندق Dorchester Hotel في منطقة Mayfair في لندن.
ووفقًا لما ذكره شخص مطلع على عمليات الشيخ في لندن، فإن ذلك المبنى “يبدو رثًا جداً”، مضيفاً أن اختيار هذا المبنى القديم كن “عن عمد” للتغطية على ما يتم بداخله، حيث كان “الحرم الداخلي”، الذي يضم شركة ليختنشتاين السرية، وشركة Holbein Anstalt ، التي تدير الشؤون الخاصة للعائلة المالكة، التي بدأت في الاستحواذ على عقارات في المملكة المتحدة لصالح خليفة ووالده منذ السبعينات.
ومع بداية التسعينيات، بدأ خليفة، ولي عهد الإمارات العربية المتحدة آنذاك، ببناء محفظة عقارات تجارية منفصلة، بدءًا من المباني المكتبية في شرق لندن وريدينغ، وبنصيحة من لانسر، قام خليفة بسلسلة من عمليات الاستحواذ الكبيرة، حيث تم إنفاق حوالي 450 مليون جنيه إسترليني على الممتلكات من صندوق التقاعد لشركة النفط BP بين عامي 1997 و 2001.
الصفقة الأهم كانت عملية الاستحواذ على ساحة بيركلي في مايفير، و 95 مبنى يحيط بها، ما جعل خليفة مالكًا لشارع كامل، Bruton Place ، وأضاف إلى محفظته سلسلة من الأماكن الجذابة وذات القيمة عبر مايفير، مثل أقدم وكالة بنتلي في العالم وملهى أنابيل الليلي.
تضمنت الصفقات اللاحقة مواقع رئيسية أخرى، مثل مكاتب شركة السلع العالمية جلينكور ومبنى تايم لايف في شارع نيو بوند، والذي أصبح الآن موطنًا لمتجر هيرميس للسلع الفاخرة، كما اشترى خليفة مواقع سكنية راقية في نايتسبريدج وويستمنستر وكينسينغتون.
على الرغم من حجم المحفظة، ظلت هوية المالك على مدى عقود سراً يخضع لحراسة مشددة، تم تنفيذ الأعمال بشكل سري عبر كوكبة من شركات “جزر فيرجن البريطانية”، والتي كان يديرها جيش صغير من الوسطاء السريين بما في ذلك محامون من شركات النخبة في المملكة المتحدة مثل Eversheds و Fox Williams.
استمرت أموال أبو ظبي في التدفق على العقارات “الفاخرة” في لندن في السنوات الأخيرة بفضل تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، لكن مع تفشي جائحة كوفيد-١٩، انقلبت الموازين تماماً، حيث ساهم فيروس كورونا بنسبة كبيرة في الكشف عن هوية خليفة بن زايد كمالك لتلك الإمبراطورية العقارية التي تديرها الآن شركة مملوكة لصندوق الاستثمار ADFG ومقره أبو ظبي.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا