استفاق قطاع غزة، على مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث استشهد 66 فلسطينيًا، بينهم 12 مدنيًا على الأقل ممن كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات غذائية، بينما أُصيب أكثر من 50 آخرين في سلسلة من الهجمات الجوية والبرية التي طالت مناطق متفرقة في الشمال والوسط.
وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون المحاصرون، الذين أنهكتهم المجاعة، يتجمعون على أمل الحصول على ما يسد رمقهم، أطلقت آليات الاحتلال وطائراته المسيّرة النار والقذائف صوبهم، في مشهد يعكس حجم الوحشية التي يعتمدها الاحتلال كسياسة ممنهجة لتجويع السكان ثم تصفيتهم، حتى في لحظات انتظار المساعدة.
ووفق مصادر طبية وشهود عيان، استهدفت المدفعية الإسرائيلية مدنيين أثناء انتظارهم قافلة مساعدات في بيت لاهيا شمالي القطاع، وأوقعت مجزرة جديدة في منطقة السودانية شمال غرب غزة بعد أن أطلقت طائرات الاحتلال النار على جموع انتشرت عقب إشاعة عن وصول مساعدات عبر مؤسسات دولية. وقبل ذلك بساعات، قصفت طائرة مسيّرة إسرائيلية منطقة الشعف في حي التفاح شرق غزة، مما أدى إلى استشهاد أربعة مدنيين كانوا بالقرب من أحد التجمعات السكنية.
الجوع كسلاح حرب
منذ أسابيع، يتصاعد القلق الدولي من المجاعة التي تضرب القطاع، خصوصًا في ظل سياسة التجويع المتعمد التي تمارسها إسرائيل عبر الحصار المشدد ومنع دخول المواد الأساسية، وتحديدا الغذاء والدواء والوقود، حيث لم تسمح تل أبيب منذ 2 مارس/آذار بدخول سوى أعداد محدودة من شاحنات المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، في وقت يحتاج فيه القطاع لأكثر من 500 شاحنة يوميًا.
وبدلاً من فتح المعابر أو تسهيل دخول الإغاثة تحت إشراف أممي، لجأت إسرائيل إلى إنشاء كيان بديل باسم “مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية”، وهو جسم ترفضه الأمم المتحدة وتدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل، ويبدو أنه يُستخدم كغطاء لعمليات التصفية أو ضبط توزيع الغذاء بما يخدم الأجندة العسكرية.
حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نددت بالمجزرة، واعتبرت أن الاحتلال الإسرائيلي “يحول مواقع توزيع الإغاثة إلى مصائد موت جماعي”، مشيرة إلى أن هذه السياسة تكشف الوجه الإجرامي للاحتلال، الذي “يُسخّر الجوع كسلاح إبادة”، في تجاوز خطير لكل القوانين والأعراف الإنسانية.
الاحتلال يقطع أصوات الضحايا
ولم تتوقف جرائم الاحتلال عند استهداف المدنيين الجائعين، بل امتدت إلى البنية التحتية للاتصالات، حيث انقطعت خدمة الإنترنت والاتصالات بشكل كامل لليوم الرابع على التوالي، ما دفع الصحفيين الفلسطينيين إلى تعريض أنفسهم للخطر في المناطق المكشوفة أو قرب البحر، في محاولة لالتقاط إشارات إلكترونية خافتة لإرسال صور وشهادات إلى العالم، الذي بات لا يرى إلا القليل من هول الكارثة.
هذا الانقطاع الممنهج لا يخدم فقط إخفاء معالم الجريمة، بل يعزل أكثر من مليوني إنسان عن العالم الخارجي، ويحرمهم من أبسط وسائل النجاة أو مناشدة الإغاثة، ويقطع تواصلهم مع ذويهم في ظل ظروف إنسانية هي الأسوأ منذ بدء العدوان.
إبادة ممنهجة وصمت دولي
ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية مكتملة الأركان. أكثر من 183 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح منذ بدء العدوان، معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 11 ألف مفقود تحت الأنقاض، ومجاعة تفتك بالأطفال، ودمار هائل شرد أكثر من 1.5 مليون إنسان من أصل 2.4 مليون هم سكان القطاع.
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عامًا، لكن ما يجري اليوم يتجاوز أي تصور عن الحصار، إذ تم توظيف الجوع كسلاح، وتم تحويل مشاهد الإغاثة التي من المفترض أن تكون محطات نجاة، إلى كمائن دامية. ومن المفارقة أن بعض هذه المجازر تتم أمام ما يُعرف بـ”مراكز توزيع أميركية إسرائيلية”، وكأنها رسائل واضحة بأن حتى المساعدات ستكون مشروطة بولاء سياسي أو موت محتم.
غزة… الجبهة المنسية بعد المواجهة مع طهران
بعد المواجهة المباشرة مع إيران، بدأت وسائل إعلام إسرائيلية تروج لفكرة أن جبهة غزة أصبحت “ثانوية”، وأن المعركة الحقيقية باتت مع طهران. لكن هذا التوصيف لا يُغير من الحقيقة شيئًا: فغزة ما زالت تتعرض لمذبحة مستمرة، وما يجري من استهداف المدنيين بشكل يومي، وتجويع منظم، وقصف للبنية التحتية، يكشف أن الاحتلال يستخدم اللحظة الإقليمية لتصعيد عدوانه وفرض سياسة الأمر الواقع.
خاتمة
أمام هذا الواقع الدموي، يقف العالم في صمت، وتبقى صرخات غزة محجوبة خلف جدران الحصار، ومقطوعة بسبب تدمير شبكات الاتصال. لكن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وما ارتكبته إسرائيل اليوم هو صفحة جديدة في سجل أسود سيلاحقها، كما سيلاحق كل من دعمها أو سكت عن مجازرها.
اقرأ أيضًا : صواريخ إيران ترعب الاحتلال: سفير أميركا يهرع للملاجئ 5 مرات ويعترف بـ”ليلة قاسية”
اضف تعليقا