كشفت تقارير صحفية،  عن قرار النظامي المصري ودولة الإمارات، بالتخلي عن الجنرال الليبي الانقلابي “خليفة حفتر”، ودفعه إلى الخروج من المشهد، بعد تقديم دعم مادي وعسكري كبير له خلال الفترة الماضية، دون إحراز أي تقدم، بل على العكس مني بأكبر هزيمة لمليشياته خلال الأيام الماضية.

وحسب التقارير التي ظهرت خلال الساعات الأخيرة، فإن القرار المصري الإماراتي، جاء بعد أكثر من عام على حملة “حفتر” العسكرية على طرابلس، والتي باءت بنكسات متتالية، لاسيما خلال الفترة الأخيرة، ووصلت إلى ذروتها بنجاح قوات حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، في السيطرة على قاعدة الوطية الجوية، جنوب العاصمة طرابلس.

وحسب موقع “مدى مصر” الذي نقل عن مسؤولين مصريين وليبيين، فإن توافقا حدث بين القاهرة وأبوظبي، خلال الساعات الماضية، مفاده أن “حفتر يجب أن يخرج من المشهد”.

الأمر الذي قاله مصدر سياسي ليبي مقرب من “حفتر”، لـ “مدى مصر”  الذي نقل أيضا عن مسؤول مصري (لم يذكر اسمه) قوله إن التساؤل الآن داخل التحالف المصري الإماراتي الفرنسي الذي دعم “حفتر” هو عن ماهية الخطوات المقبلة في ضوء هزيمة الجنرال.

وأشار المسؤول المصري في معرض كلامه إلى: أنه “لا يمكن لأحد أن يراهن على حفتر مرة أخرى”.

وحسب تقرير الموقع، فإن النكسة الكبيرة التي مني بها “حفتر” جاءت بعد سقوط قاعدة الوطية الجوية، جنوب طرابلس، في أيدي قوات حكومة الوفاق، بعد سلسلة ضربات جوية مركزة نفذتها طائرات مسيرة تركية.

وأكد التقرير أن القاعدة، التي استولى عليها “حفتر” في 2014، كانت شديدة الأهمية وكانت الرئيسية له في غرب ليبيا، وبعد سقوطها، باتت أقرب قاعدة تابعة لـ”حفتر” في الجفرة، على بعد حوالي 490 كم من طرابلس، في وسط ليبيا.

وباتت مدينة ترهونة، الواقعة على بعد 180 كم، جنوب شرق طرابلس هي المعقل الوحيد المتبقي لقوات “حفتر” للهجوم على العاصمة، وهي المدينة التي تعرضت لهجمات متتالية من قوات الوفاق.

ثمة خطوة أخرى سرعت من القرار الإماراتي – المصري – الفرنسي بالتخلي عن “حفتر”، بحسب الموقع، وهي أن أبوظبي، بعد التشاور مع القاهرة، طلبت تدخلا بريطانيا في الأزمة الليبية، لدعم خريطة الطريق التي أعلن عنها رئيس برلمان طبرق “عقيلة صالح”، قبل ساعات من إعلان “حفتر” حل اتفاق الصخيرات السياسي وعدم اعترافه الكامل بحكومة الوفاق وتنصيب نفسه حاكما أوحد على كامل ليبيا، بموجب تفويض شعبي زعم أنه حصل عليه.

ونقل “مدى مصر” عن الباحث والمحلل “جليل حرشاوي” قوله إن بريطانيا ليست قريبة جدًا من حكومة الوفاق الوطني، لكنها واحدة من أكثر الدول معرفة في ليبيا، وتعلم أن خطة “عقيلة صالح” لديها إمكانية للتحقق على الأرض أكثر من نهج “حفتر” الحربي.

وقد سبق للإمارات تجاهل هذه الخطة، قبل أسابيع قليلة من تحرك “حفتر” لإعلان حل اتفاق الصخيرات الذي توسطت الأمم المتحدة للتوصل إليه في 2015، والذي أفرز حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

وقال المصدر السياسي الليبي إن تلك الخطط المتنافسة كانت علامة على الخلاف بين “صالح” و”حفتر”، وكذلك على نطاق أوسع في المعسكر الشرقي للجنرال.

وقد تركزت خارطة طريق “صالح” على إعادة هيكلة وانتخاب مجلس رئاسي جديد من شأنه أن يشكل حكومة جديدة.

لكن المصدر السياسي الليبي يقول إنه من غير الواضح ما إذا كان رئيس حكومة الوفاق الوطني “فائز السراج” سيوافق على التحدث إلى “حفتر” الآن.

وقال الموقع إن التحرك لدعم خطة “صالح” والابتعاد عن “حفتر” أمرًا مهمًا بالنسبة لأبوظبي، لأنه، على عكس داعمي “حفتر” الآخرين، كان يُنظر إليها على أنها غير راغبة في التراجع في دعمها للجنرال المتقاعد، بغض النظر عن التكلفة.

لكن، وبحسب “حرشاوي”، شهدت الأشهر الأخيرة واقعًا جديدًا على المشهد السياسي والعسكري في ليبيا، دفع الإمارات إلى إعادة تقييم جدوى دعمها لـ”حفتر”.

وأضاف: “ما كشف عنه ربيع عام 2020 هو أن الإمارات العربية المتحدة لا تمتلك الإمكانيات العسكرية أو الدبلوماسية لمواصلة حماية وتعزيز هجوم حفتر المستمر على طرابلس”.

وتابع: “عسكريا، وفيما يتعلق بالذكاء الاستراتيجي، لا تضاهي الإمارات العربية المتحدة، تركيا عضو حلف شمال الأطلسي والقوة العسكرية المخضرمة، خاصة مع العلم أن الأخيرة تتمتع برضا واشنطن الضمني هذه الأيام، بعد مرور أكثر من عام على الضوء الأخضر الأولي الذي منحه البيت الأبيض لأنقرة أمام حفتر”.

وأردف: “في الوقت نفسه، لم تقدم روسيا الدعم الاستراتيجي المأمول منها”.

ويستدرك الباحث بأن ذلك لا يعني أن الإمارات ستدمر بالضرورة طموحاتها للسيطرة على طرابلس، قائلا: “لن تلين الإمارات أبدًا أو تتخلى عن هذا الهوس القديم، حتى لو استغرق عقدًا آخر.. ليبيا مهمة للغاية من منطورها ومنظور العرب السنة”.

وفيما يتعلق بهدف الإمارات وبقية الأطراف الداعمة لـ”حفتر”، يرى “الحرشاوي” أن الخطوة المقبلة هي تجاهل الجنرال كوسيلة لإعادة التموضع وتجنب الانتقاد.

وكان الفشل الذريع لـ”حفتر” خلال الـ14 شهرًا الماضية مع كل جرائم القتل والفوضى التي تسبب بها تدخله العسكري، مسؤولية أبوظبي بقدر ما هي مسؤولية “حفتر”.

ومع ذلك، والآن، بعد أن ضغطت موسكو والقاهرة على الدفع بـ”حفتر” جانباً، فإن الإمارات سعيدة بفكرة التضحية بـ”خليفة حفتر”، واستخدامه كمصهر، في الأساس، للمرحلة المقبلة.

وأشار الموقع إلى أنه إذا تخلصت هذه الدول من “حفتر”، فسيكون ذلك بمثابة وسيلة لهم لتبرير موقفهم واستعادة جزء صغير من مصداقيتهم من خلال التظاهر بأن كل ما حدث كان خطأ “حفتر” طوال الوقت.

ويجب ملاحظة أن روسيا ستخرج من إعادة التعديل هذه أقوى وأكثر نفوذاً في شرق ليبيا، لأن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، على عكس ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، كان يعلم دائمًا أن هجوم “حفتر” قد يفشل.

من ناحية أخرى، فإن مصر تحول أهدافها بالفعل نحو أهدافها الأمنية الحدودية الطويلة الأمد، حيث اجتمع الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” بوزير دفاعه “محمد زكي” ورئيس أركان الجيش “محمد فريد حجازي”، ومدير هيئة عمليات القوات المسلحة “وحيد عزت”، ومدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة “إيهاب الفار”، وقائد المنطقة العسكرية المركزية “عماد الغزالي”.

وبحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية “بسام راضي”، فقد “اطلع السيسي على الوضع الأمني ​​في مصر وجهود القوات المسلحة لتأمين حدود البلاد وملاحقة العناصر الإرهابية، خاصة في شمال سيناء وفي المنطقة الغربية”.

ودعا “السيسي” القوات المسلحة إلى “إظهار أقصى درجات الاستعداد القتالي لحماية الأمن القومي المصري”.

وقال التقرير إن مصر قلقة للغاية من أن القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني يمكن أن تتجه شرقا نحو حدود مصر الغربية مع ليبيا، وفقا للمسؤول المصري، الذي أضاف أن هذا الخوف كان السبب وراء اجتماع “السيسي” مع المسؤولين العسكريين، قبل يومين.

ويضيف المصدر أن مصر تعزز إجراءاتها الأمنية على طول حدودها مع ليبيا.

وعلى الرغم من خطاب “السيسي”، فإن العديد من المسؤولين المصريين، الذين قال الموقع إنهم تحدثوا إليه، في الأسابيع الأخيرة، يقولون إن مصر لن تشارك في مواجهة مباشرة مع تركيا في ليبيا، طالما أن تركيا تبقي “الميليشيات التابعة لها” بعيدا عن الحدود المصرية، وبخلاف ذلك، تقول المصادر، إن مصر ستتحرك.

بدوره، أكد مصدر رفيع في حكومة الوفاق الوطني، للموقع، أن حكومة طرابلس منفتحة على أي موقف يمكن أن تتخذه مصر في طريق نبذ دعمها لـ”حفتر”، مؤكدا أن هناك تفهما لـ”دور مصر في الحفاظ على الاستقرار والأمن في ليبيا والمنطقة، بالنظر إلى الحدود المشتركة والتاريخ بين مصر وليبيا”.

وكانت القاهرة تهدف من دعم “حفتر”، في المقام الأول، إلى تأمين الحدود الغربية التي يسهل اختراقها بين البلدين، وهي سياسة كانت القاهرة تشعر بالقلق من أنها قد تتعرض للخطر في الأشهر التي تسبق نشر حملة طرابلس.

لكن الآن، قدرة “حفتر” على ضمان الاستقرار، حتى بين قاعدته، قد تتضاءل.

وقال مصدر قريب من غرفة عمليات “حفتر” الشرقية في مدينة رجمة، خارج بنغازي، إن الدعم الشعبي لـ”حفتر” يتآكل ، حيث تتزايد المحادثات بين تيار فيدرالي شعبي في شرق البلاد لسحب الدعم من المجهود الحربي لـ”حفتر”.

ووفقًا للمصدر، اجتمع أعضاء قياديون في ذلك التيار، مؤخرا، وانتهوا إلى اهمية تأييد خارطة طريق “صالح” السياسية.

وقال: “هناك أصوات في شرق ليبيا – سياسيون وبين من هم في الشارع – يقولون إن الحرب يجب أن تنتهي.. إنهم يتعرضون لضغوط من جبهتين: أبناؤهم يقاتلون في الحرب في غرب ليبيا وخوفهم من حفتر”.

وبحسب المصدر الليبي، فقد بدأت مصر، خلال الأسابيع الأخيرة، في فتح قناة اتصال ثابتة مع “عبدالرازق الناظوري”، رئيس أركان قوات “حفتر”.

ويشير التقرير إلى أن طرد “حفتر” من المشهد قد يدفع القبائل الداعمة له، لأسباب عائلية وعرقية، في شمال برقة، إلى عدم القبول بمن قد يخلف الجنرال المتقاعد، علاوة على ذلك، ستشعر بعض الميليشيات في مناطق حضرية كبنغازي بالجرأة، وقد تميل إلى الانفصال عن قوات “حفتر”.

ودعت مديرة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، “ستيفاني وليامز”، في مؤتمر صحفي عقد بعد ظهر الثلاثاء، إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، وحثت الأطراف في الأزمة على العودة إلى العملية السياسية.

ووفقاً لرئيس البعثة الخاصة بالإنابة، فقد قُتل 58 مدنياً وجُرح أكثر من 100 بين 1 أبريل/نيسان و 8 مايو/أيار فقط، وهو ما يمثل زيادة كبيرة في عدد الضحايا المدنيين مقارنة بالأشهر الثلاثة الأولى من العام.

وبحسب “ويليامز”،  فإن معظم هذه الإصابات يمكن نسبها إلى قوات “حفتر”، التي كانت تقصف العاصمة عشوائيا في الأسابيع الأخيرة.