العدسة – باسم الشجاعي

“عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”..  شعار رفعه المصريون قبل 7 سنوات، في ثورة 25 يناير التي استمرت 18 يومًا فقط، أسقطوا خلالها حكمًا استمر 30 عامًا.

وبعد نجاح ثورتهم “شكليا” بإعلان الرئيس المخلوع “محمد حسني مبارك” تخليه عن الحكم وتفويض المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد، في 11 فبراير 2011 ، تصور المصريون أن وضعوا أنفسهم على الطريق الصحيح نحو بناء حياة اقتصادية ومعيشية وسياسية أفضل، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وزادت معاناة أبناء المحروسة، ولم يبق من الثورة سوى ذكرياتها الجميلة في ميدان التحرير، التي باتت تؤرقهم من حين لآخر، وخاصة في السنوات الأربعة الأخيرة.

فالمسار الديمقراطي الوليد تعثر بعد عام واحد من حكم الرئيس الأسبق ” محمد مرسي”، عندما أقدم وزير دفاعه والرئيس الحالي، “عبد الفتاح السيسي” على قيادة انقلاب عسكري عطل الدستور واعتقل الرئيس كما عين رئيسا مؤقتا، قبل أن يعود “السيسي” ويتولى الرئاسة بنفسه عبر انتخابات جرت في منتصف 2014.

وفي الأعوام السبع الماضية، مرت ذكرى الثورة في هدوء نسبي، مع اختفاء القوى السياسية من المشهد بسبب الملاحقات وخاصة لأنصار جماعة الإخوان المسلمين، ما ساعد في تشديد الإجراءات الأمنية، ناهيك عن إغلاق الميادين التي ارتبطت بالحراك الجماهيري على مدى السنوات السابقة.

Image result for ‫ميدان التحرير أثناء الثورة‬‎

“عيش”

كان أول المطالب والشعارات التي رفعت في ميادين مصر، هي “العيش”، إلا أن السنوات الأربعة الأخيرة (فترة حكم “عبد الفتاح السيسي” التي أوشكت على الانتهاء)، تعد هي الأشد وطأة؛ حيث شهدت زيادات كبيرة في الأسعار، فاقت في بعض الأوقات 500%، وتحديدًا في السلع الغذائية والسلع الاستهلاكية والأدوية والوقود، وبحسب الدكتور، هشام الشريف“، وزير التنمية المحلية، فإن 40% من سكان مصر يقعون تحت خط الفقر المدقع.

ويبلغ التعداد السكاني للمصريين لعام 2017، نحو 104.2 مليون نسمة، وفق ما أعلن “أبو بكر الجندي”، رئيس الجهاز المصري المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتقدّر الحكومة المصرية خط الفقر بمن يحصلون على دخل شهري بنحو 482 جنيهًا، بينما خط الفقر العالمي يصل إلى 57 دولارًا شهريًا، وهو ما يعادل نحو 1100 جنيه وفق متوسط سعر الصرف في البنوك المصرية حاليًا (الدولار يساوي 17,60 جنيه).

وانجرف العديد من المصريين بفعل انفلات الأسعار إلى مستويات الفقر المدقع الذي يعني عدم قدرة الفرد أو الأسرة على توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية، وذلك بعد قرارات الحكومة الأخيرة المتمثلة في تحرير سعر صرف الجنيه وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14% ووقف الاستيراد وزيادة أسعار الوقود والكهرباء تسببت في الارتفاع الكبير للأسعار.

وكان قرر البنك المركزي المصري، في الثالث من نوفمبر 2016 تحرير سعر صرف الجنيه، ما أدى إلى صعود الدولار بنسبة تصل إلى 128%، مقارنة بمستويات الأسعار قبل ذلك التاريخ، بعد أن لامست العملة الأمريكية 20 جنيها مقابل 8.80 جنيهات رسميًا، كما تزيد الأسعار الحالية بنسبة 242% عن متوسط الأسعار في 2011، والتي لم يتجاوز الدولار خلالها 5.95 جنيهات.

وخلال عام واحد 2017؛ قفزت الأعباء المادية المفروضة على المواطن المصري بنحو 20 زيادة ضريبية، وذلك على الرغم مما يعانيه المواطن المثقل بآثار التضخم وارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية أمام الدولار.

Related image

وعلى الرغم من حلم الرخاء بعد ثورة يناير، إلا أعباء المواطنين المعيشية زادت بعد ثورة يناير؛ حيث انضم لقطار الأسعار المتسارع في الصعود، الأدوية التي تشهد زيادات متكررة، وسط اختفاء كبير لأصناف مهمة للأمراض المزمنة مثل القلب والسكر والضغط والجلطات والمحاليل والمستلزمات الطبية.

وشملت الأدوية الشحيحة في السوق المصري، أكثر من ألفي صنف، وهو ما لم يحدث طوال سنوات الثورة الأولى وحتى إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”،  في الثالث من يوليو 2013.

فالأدوية لم تشهد أي أزمات منذ يناير 2011 وحتى منتصف 2013، وبدأت تظهر أزمة النواقص (المختفية والشحيحة) مع ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء وعدم توفير البنك المركزي للعملة الأجنبية “الدولار”.

ومع الذكرى السابعة للثورة، بدأ المصريون في تقليّص مشترياتهم لأضيق الحدود، فضلا عن انتشار ظواهر السرقة، مؤخرًا من أجل الأكل والمعيشة.

وبحسب أحد المواقع الإلكترونية القريبة من النظام الحالي، فإن مصر وصلت للمركز الثالث عربيًا فى معدلات الجريمة، وشهدت زيادة جرائم القتل العمد بنسبة 130% والسرقة بالإكراه 350%، فضلا عن وجود 92 ألف بلطجى، وارتفع عددهم بنسبة 55%.

“الحرية”

الشعار الثاني الذي رفع في ميادين مصر على مدار الـ 18 يوما، إلا أن العام الماضي “2017” على وجه الخصوص، بعيدا عن ما أعقب الإطاحة بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”، فقد اتسعت حالة التضييق على المجتمع المدني، وإغلاق مكتبات عامة ومصادرة محتوياتها، وما زالت قرارات المنع من السفر والتحفظ على ممتلكات حقوقيين وسياسيين مستمرة في الصدور.

فقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقيـة، العشرات من عمليات التصفية تم تنفيذها عام 2017، موقعة مئات الضحايا بدم بارد، دون انتظار تحقيقات النيابة المصرية، أو أحكام القضاء.

وبحسب تقرير حقوقي صادر عن “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات)”، فقد سجل نحو 135 حالة قتل خارج إطار القانون، نفذتها وزارة الداخلية المصرية، خلال النصف الأول من العام الجاري.

أما تقرير حقوقي صادر عن منظمتي “الشهاب لحقوق الإنسان، والعدالة لحقوق الإنسان”، فقد وثق ألفين و441 حالة قتل خارج نطاق القانون، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق، “محمد مرسي”، في يوليو 2013، وحتى الشهر ذاته من 2017.

وعمل البرلمان المصري على سن العديد من القوانين المكبلة للحريات، ففي أبريل 2017، أقرّ تعديل قانون التظاهر (التعديل شمل مادة واحدة فقط لتوسيع دائرة المشتبه بهم)، كما أقرّ بعدها بنحو شهر قانون الرياضة الجديد (عقوبات هدفها معاقبة الروابط “الأولتراس” والتي كان لها دور بارز في ثورة 25 يناير)، ثم قام مؤخرا بإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات بحلول 2024، مما يعزز من فرص التزوير.

Image result for ‫رئيس مجلس الشعب "علي عبد العال"‬‎

علي عبدالعال

واتسعت دائرة التضيق على المعارضين ليس فقط من خلال الانتهاكات القانونية والقتل، بل وصل الأمر لتعديل قانون الجنسية، الذي يسمح بالتوسع في “سحب الجنسية من المعارضين”.

وتتضمن التعديل توسيع حالات سحب الجنسية المصرية، لتشمل حالة جديدة تتعلق بـ”صدر بحقه حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، مهما كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأيّ وسيلة من الوسائل غير المشروعة”.

ولم يكتف النظام بذلك، ففي مطلع مايو الماضي، فرض المصري عملية حجب واسعة النطاق، طالت مئات المواقع الإخبارية والحقوقية على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى مصادرة صحف، وفرض المزيد من إجراءات التحفظ على شركات إعلامية، اعتبرها تمثل خطرا عليه.

ومن أبرز المواقع المحجوبة “الجزيرة مباشر وهاف بوست عربي ومدى مصر، وعربي 21، والعربي الجديد، وصحيفة المصريون، وشبكة رصد، ومصر العربية، والبديل والبداية، وموقع الشبكة العربية لحقوق الإنسان”.

ومع قُرب الانتخابات الرئاسية في مارس 2018، فرض النظام الحالي سيطرته التامة على سفر المواطنين إلى الخارج؛ حيث أصدرت الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة “كرم جبر”، مطلع العام الجاري القرار رقم 10 والذي يُلزم رؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحافية القومية ورؤساء التحرير ورؤساء الأقسام وجميع المحررين، بالحصول على موافقة مسبقة من الهيئة للسفر لعدد من الدول، وهي: “لبنان، سورية، فلسطين، تركيا، السودان، اليمن وليبيا”، وذلك في حالة السفر بصفة رسمية باسم المؤسسة.

الأمر وصل أيضا لجامعة الأزهر؛ حيث قررت  في الثالث من يناير الحالي، بحظر سفر أي دكتور من أعضاء هيئة التدريس للخارج لأي دولة، إلا بعد الحصول على تصريح كتابي من الجامعة.

وتأتي هذه القرارت لإعطاء فرصة للجهات المعنية مثل الجهات الأمنية خاصة جهاز الأمن الوطني “أمن الدولة سابقا”، للتحقّق من طبيعة سفر وهدفه.

وذلك بتعارض مع نصّ المادة 62 من الدستور المصري، التي تؤكد أنّ “حرية التنقل والإقامة والهجرة مكفولة… ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه… ولا يكون المنع من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون”.

“العدالة الاجتماعية”

الشعار الثالث للثورة، حاله كحال باقي الشعارات التي رفعت في ميادين مصر، فقد عاد رجال نظام الرئيس “المخلوع”، “محمد حسني مبارك”، إلى المشهد المصري بقوة، بعد مُضي 7 سنوات على ثورة 25 يناير، التي طالبت بمحاسبتهم والتحقيق معهم في العديد من قضايا الفساد.

فبعد اختفاء منذ ثورة 25 يناير 2011، ظهر وزير المجالس النيابية والشؤون القانونية “الأسبق”، الدكتور “مفيد شهاب”، إلى جانب الرئيس المصري الحالي، “عبد الفتاح السيسي”، في 13 أبريل 2016، في قصر الاتحادية، خلال لقاء جمع عددًا من المثقفين والإعلاميين، للحديث حول التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية.

ومن “شهاب”، إلى وزير المال الهارب من البلاد، “يوسف بطرس غالي”، في 2 أكتوبر الماضي، كشف الأخير عن أن الرئاسة المصرية تستعين به دائمًا في بعض الاستشارات الاقتصادية منذ 2011، موضحًا أنه تلقى أسئلة في 30 صفحة، وأنه رد عليها كلها.

كما عاد للظهور الدكتور “علي مصيلحي”، آخر وزير تضامن في حكومة “أحمد نظيف”، في عهد الرئيس “المخلوع”، “محمد حسني مبارك، وبعد فترة اختفاء طيلة عام ونصف، ظهر في انتخابات البرلمان عام 2012،  ثم في انتخابات المجلس الأخيرة، ليعين بعد ذلك وزيرا للتموين، في حكومة المهندس “شريف إسماعيل”، في عهد الرئيس الحالي “عبد الفتاح السيسي”.

لم يكتفِ الأمر بظهور رجال مبارك التي تلاحقهم تهم فساد، بل بعد البراءة من أحكام بالسجن، عاد “علاء وجمال” نجلا الرئيس المخلوع “حسني مبارك” للظهور العلني، الذي اقتصر في البداية على حضور مناسبات كالعزاء، ثم وصل إلى حد حضور مباريات رياضية.