سباق متسارع مع الزمن تخوضه الحكومة الشرعية لطرابلس لتحرير أكثر ما يمكن من المدن والبلدات التي احتلها خليفة حفتر المدعوم من كل حكومات القهر والاستبداد في الدول العربية من مصر والإمارات والسعودية إلى الدول الاستعمارية كفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

فمنذ أشهر قليلة فقط كانت مليشيات خليفة حفتر والمرتزقة المستجلبة من جنجويد السودان وفاغنار روسيا، تتقدم عسكريا، وتبسط سلطتها الجائرة على أغلب الخارطة الليبية بل ووصلت أطراف مدينة طرابلس، مقر الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا برئاسة فائز السراج.

وكادت تنهي الأمر بفضل الدعم المالي الهائل الذي ضخته الإمارات والغطاء الجوي المكثف الذي وفرته روسيا ومصر.

غير أن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر إذ سرعان ما ظهر على هذه المعادلة الارتباك بدخول لاعب جديد على الساحة الليبية متمثلا في دولة تركيا الخبيرة في ترويض الأفاعي.

فقامت بإجبار اللاعب الروسي على الخروج من الميدان والاكتفاء بسوريا التي تورط فيها بشكل لا تظهر نهايته بعد، كما تم استغلال جائحة الكورونا التي أجبرت كل بلدان العالم على إغلاق حدودها والالتهاء بإحصاء ضحاياها.

كما قامت تركيا بإمضاء معاهدة حسن جوار مع الحكومة الليبية الشرعية وهي المعاهدة التي استغلتها حكومة طرابلس لتطلب العون من تركيا التي لم تتردد في تزويدها بالأسلحة الحديثة والخبراء المقتدرين إضافة إلى السلاح الجوي والطائرات المسيرة وهو ما كان يعوز حكومة السراج ويمثل نقطة الضعف الفارقة في المعارك.

وسرعان ما انقلب الحال وفتكت آلة الحرب القوية للحكومة الشرعية بالمليشيات والمرتزقة وتمكنت من تحرير كامل الشريط الساحلي الممتد من طرابلس إلى الحدود التونسية ثم حررت قاعدة الوطية الاستراتيجية وغنمت فيها أسلحة وذخائر نوعية مثل منظومة الدفاع الجوي الروسية “بانتسير”.

انتظر المتابعون أن يقوم حفتر بردة فعل انتقامية في محاور طرابلس وقصر بن غشير الذي توجد فيه أعداد ضخمة من مرتزقة فاغنار الروسية إلا أن الأخيرة سارعت بالانسحاب إلى قاعدة الجفرة تحت حماية مقاتلات روسية أرسلت لهذا الغرض.

وكان لافتا قيام روسيا بانسحاب تكتيكي يعبر بوضوح عن التزامات محددة، أطلقت قوات طرابلس هجومها الكاسح فحررت بسرعة غريبة طرابلس باكملها ثم توجهت بسرعة قياسية إلى ترهونة فحررتها في ليلة واحدة وواصلت تقدمها في اتجاه سرت ودخلتها من ثلاث محاور.

وكان ظاهرا أن الحكومة الشرعية تحاول تحرير أكثر ما يمكن من المساحات المغتصبة قبل أن تستفيق القوى الدولية من ذهولها وتبادر كما تعودت على ذلك بإعلان وقف لإطلاق النار يجبر المنتصر على التوقف ويعطي فرصة للمنهزم للملمة شتاته والتقاط أنفاسه وإعادة تنظيم صفوفه والعودة من جديد.

لذلك عبر فائز السراج عقب لقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة أن حكومته لن تتنازل عن تطبيق العدالة لمحاسبة كل من اقترف جرائم بحق الليبيين وأكد على أن المعركة مستمرة مع العزم على بسط سيطرة الدولة على كافة أراض ليبيا مشددا على رفض الجلوس في مفاوضات جديدة مع خليفة حفتر ودون اعطاء تفويض لأحد وفي ذلك تلميح للقوى الدولية التي أضرت بالملف الليبي أكثر مما نفعته.

وتبشر الأيام القليلة القادمة بانحسار هام للقوات الموالية لحفتر بعد انهيارها نهائيا وتشتت فلولها مما يعزز موقف الحكومة الشرعية ويضعها في وضعية مريحة في مرحلة التفاوض القادمة إذا ما تغيرت مقاربة القوى الدولية هذا إن لم تستطع تحرير كامل التراب الليبي.

في مقابل ذلك فر خليفة حفتر إلى مصر مستنجدا بحكومة الانقلاب العسكري عساه يجد عنده الحل المناسب قبل فوات الأوان وفعلا سارع السيسي بتقديم مبادرة أطلق عليها وثيقة القاهرة وهي تمثل بحق واحدة من خيبات السيسي المعهودة بعد أن اختار فيها من الألفاظ ما يشنج ويديم الخلاف أكثر مما يطرح من الحلول الداعية إلى الركون إلى السلام.

فاشترط إلقاء السلاح وإخراج القوى التي نعتها بالإرهاب وقال كلام المنتصرين في واقع كله هزائم، والأخطر من كل ذلك أنه وبكل غباء تحدث عن وجود ثلاثة أقاليم ومجلس رئاسي وما إلى ذلك من حلول تدل عن وجود مؤامرة لتقسيم ليبيا تتماهى مع بعض التصريحات التي أطلقتها أمريكا مؤخرا.

وسرعان ما ردت حكومة السراج على لسان رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على هذا العرض الغريب برفض بيان القاهرة والتأكيد على أنه لا مكان لحفتر في أي مفاوضات قادمة، في مقابل طبول الترحيب التي بدأت تدق في بعض الدول المتواطئة مثل الإمارات وفرنسا.

وينتظر أن تكون الايام القادمة مفصلية في تحديد مصير ليبيا إذ تعمل حكومة طرابلس على انتهاز الفرصة وعدم إضاعة أي دقيقة لاسترجاع ما أمكن من مناطق استراتيجية وخاصة مواقع إنتاج وتصدير النفط حتى تتمكن من كسر القدرات المالية للعملاء وتفرض عليهم الحلول الدستورية التي يختارها الشعب الليبي بكل حرية وديمقراطية بعيدا عن سطوة الأطماع الخارجية.

اقرأ أيضاً: بالتعتيم والتخوين والتنكيل.. يقاوم السيسي وباء كورونا