دفعت حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج في ليبيا قوات اللواء خليفة حفتر إلى الانسحاب التدريجي بفضل الدعم غير المسبوق من تركيا منذ يناير/كانون الثاني.
ليبيا، هذا البلد الممزق منذ سنة 2016 بسبب حرب أهلية مميتة بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج والجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء حفتر، وهو رجل عسكري ذو ماض مضطرب، وقائد سابق في نظام القذافي يُزعم أنه تعاون أيضًا مع وكالة المخابرات المركزية، والمسيطر على جزء كبير من شرق وجنوب البلاد.
وكما هو الحال أثناء الصراع السوري، اتخذت هذه الحرب الأهلية بعدًا دوليًا عندما تلقى كل طرف فيها دعم القوى الأجنبية الكبرى: وهكذا استفاد حفتر من دعم تحالف يضم مصر والإمارات العربية المتحدة والأردن والمملكة العربية السعودية وروسيا – بالإضافة إلى فرنسا بشكل غير رسمي – بينما حصل السراج على دعم تركيا وقطر.
وعلى الرغم من ضعفها عسكريا للغاية حتى نهاية العام الماضي، لا سيما من خلال هجمات 2000 مرتزقة روس تابعين لشركة فاغنر والذين شاركوا مع حفتر منذ عام 2018 -وهو الدعم الذي نفته روسيا دائمًا – فإن حكومة الوفاق الوطني أرغمت قوات اللواء على التراجع التدريجي بفضل الدعم غير المسبوق من تركيا منذ يناير/كانون الثاني.
سمحت المعدات العسكرية التي منحتها تركيا لحكومة الوفاق الوطني – جيل جديد من الطائرات بدون طيار والدفاعات المضادة للطائرات – باستعادة سيطرتها على المجال الجوي، وكذلك استعادة العديد من المواقع الاستراتيجية من حفتر: في البداية صبراتة وصرمان، على بعد أقل من 70 كلم من طرابلس في منتصف نيسان، ثم الوطية في غرب البلاد في 18 مايو/أيار، والذي يعتبر نصرا رمزيا حيث كانت القاعدة العسكرية الوحيدة لحفتر في طرابلس، تليها ترهونة، القاعدة الخلفية الرئيسية لحفتر، وتقع على بعد 80 كيلومتر جنوب شرقي العاصمة.
وفي مواجهة تراكمت فيها انتكاسات حفتر العسكرية، وأخطائه السياسية ورفضه المستمر للتفاوض أو احترام الاتفاقات المعتمدة مسبقا، يفكر الآن حلفاءه الرئيسيون، مصر والإمارات وروسيا (حتى لو كان الدعم العسكري من بين هاتين الدولتين الأخيرتين لا يزال قائما في الوقت الراهن) في حل آخر لاستعادة السيطرة على ليبيا.
إن الوجود التركي في ليبيا هو أمر لا يطاق في نظر مصر، وعلاقاتها الدبلوماسية مع أنقرة سيئة منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي، هذا الذي أطاح بمحمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطياً لمصر الحديثة سنة 2013، لذلك يبدو أن فشل حفتر الواضح هو صفعة على وجه القاهرة، والتي تجد نفسها في وضع هش على حدودها الجنوبية في مواجهة إثيوبيا حول ملف سد النهضة.
وإدراكًا من مصر بأنها لم تعد تسيطر على الميدان، قررت بالتالي أن تنسق ردها مع روسيا، ولم يعد السؤال هنا هو معرفة ما إذا كان سيتم استبدال حفتر، ولكن السؤال هو تحديد بديله في أقرب وقت ممكن لتأمين شرق وجنوب ليبيا.
ويبدو أن البَلدان مهتمان برئيس البرلمان عقيلة صالح، الداعم السابق لحفتر، والذي يبدو أنه مرشح أفضل لضمان احترام اتفاقيات السلام، ويبدو أن هذا الترشيح يحظى بدعم المجتمع الدولي.
تسعى كل من تركيا وروسيا، أكبر قوتان متنافستان في ليبيا، إلى تحقيق هدفهم المشترك ومصالحه الخاصة في نفس الوقت، وإذا كان استغلال المحروقات الليبية والنفط والغاز هدفًا مشتركًا، فإن روسيا تزعم اللواء حفتر لمحاربة الإرهاب.
لكن روسيا وتركيا هما الدولتان الأكثر التزامًا عسكريًا بحلفائهما، ولديهما أدوات سياسية قوية، السؤال هنا هو ما إذا كانوا سيتوصلون إلى حل وسط، أم أنهم سيجعون من الصعب الوصول إليه من أجل حماية مصالحهم.
كما أن احتمال أن تقرر روسيا الدفاع عن مواقعها عسكريًا لا يمكن استبعاده، وقد يؤدي إلى إقحام تركيا في مواجهة مكلفة أكثر من المتوقع.
وعلى وجه التحديد، لتجنب مثل هذه الهيمنة لهاتين القوتين المتنافستين في ليبيا، فإن مشاركة الولايات المتحدة تبدو عاجلة وضرورية لضمان الحياد النسبي للمفاوضات.
ولأول مرة منذ أربعة عشر شهرًا، يبدو أن طريقة الدبلوماسية الأمريكية قد تم تنشيطها في الملف الليبي، حتى أن دونالد ترامب تحدث مع أردوغان وإيمانويل ماكرون حول الضرورة المستعجلة لتخفيف التصعيد.
وأبعد من وضعها كمراقب، يجب على واشنطن الآن ضمان قيام روسيا وتركيا بسحب قواتهما العسكرية من ليبيا، وللقيام بذلك، يجب أن تدعم إنشاء حكومة ليبية مستقرة وموحدة وشرعية.
ترجمة العدسة عن صحيفة أتلانتيكو الفرنسية ـ للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)
اضف تعليقا