شكسبير تنبأ بما يحدث في المملكة العربية السعودية الآن

بدأ فصل جديد قاتم في معركة “صراع العروش” السعودية للسيطرة على المملكة، حيث يقوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وفقاً لمصادر مقربة- بإعداد قائمة اتهامات بالفساد وعدم الولاء ضد سلفه ومنافسه السابق، ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف – رجل الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب.

تعود جذور هذا الصراع إلى التنافس المرير بين أنصار الملك الراحل عبد الله، الذين يؤيدون بطبيعة الحال الأمير محمد بن نايف باعتباره ولي العهد السابق، وبين حاشية الملك الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه المتهور محمد، وتصاعدت ذروة هذا الصراع الداخلي عند قيام بن سلمان بخلع محمد بن نايف والاستيلاء على ولاية العهد بدلاً منه في يونيو/حزيران 2017.

لم تقف ترسانة استبداد بن سلمان عند حد عزل محمد بن نايف وحسب، بل وبحسب تصريحات مؤخراً عن مصادر سعودية وأمريكية فإن لجنة مكافحة الفساد التابعة لمحمد بن سلمان على وشك الانتهاء من تحقيق مفصل في مزاعم مفادها أن محمد بن نايف استغل نفوذه في الاستيلاء على مليارات الريالات السعودية من خلال شبكة من الشركات الأمامية والحسابات الخاصة في الوقت الذي كان فيه يدير برامج سعودية لمكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، حيث عمل بن نايف كمساعد رئيسي لوالده الأمير نايف ثم خلفه كوزير للداخلية من 2012 إلى 2017.

أحد المقربين من محمد بن نايف -طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الأمر- قال في حواره مع الصحيفة إن المحققين السعوديين طلبوا منه ]بن نايف[ سداد 15 مليار دولار يزعمون أنه سرقها، على الرغم من عدم إفصاحهم عن كيفية وصلوهم إلى هذا الرقم.

من جانبهم، قال أنصار محمد بن نايف إن هذه الاتهامات كاذبة، بل وأكدوا أنها تتناقض مع المرسوم الملكي لعام 2007 الصادر عن الملك عبد الله الذي أذن فيه بجميع أنشطة محمد بن نايف ونص على تقرير سنوي مفصل حول إنفاقه.

حصلت الواشنطن بوست على وثائق سعودية تدعم ادعاءات محمد بن نايف وأنصاره بأن أنشطته المالية السرية تمت الموافقة عليها، على الأقل في “الخطوط العريضة” من تلك الأنشطة، من قبل الملك الراحل، حيث تم تقديمها من قبل أحد زملاء بن نايف.

إحدى الوثائق شملت على مرسوم سري صدر في 27 ديسمبر/كانون الأول 2007، وكان يحمل توقيع الملك عبد الله الخاص، وجاء فيها “مساعد وزير الداخلية محمد بن نايف سيستمر في … إدارة هذا الصندوق ونفقاته بطرق تدعم جهود مكافحة الإرهاب”.

كما شمل المرسوم على منح إذن لشركة محمد بن نايف لإنشاء “المركبات المناسبة في القطاع الخاص” لإخفاء الأنشطة الحساسة.

ونص المرسوم على أن محمد بن نايف سيقدم تقرير ” في نهاية كل سنة مالية” يوضح فيها مجالات الإنفاق من الصندوق السري.

في تقرير آخر راجعته الصحيفة، كان محمد بن نايف قد قدمه إلى الملك عبد الله عام 2013، تحديداً في 20 مايو/أيار، حول الإنفاق السري في جهود مكافحة الإرهاب في تلك السنة المالية، طلب خلاله الموافقة على إنفاق 5 مليارات ريال سعودي (حوالي 1.3 مليار دولار) في ثمانية مشاريع منها 378 مليون ريال لـ “المطارات السرية”، 1.6 مليار ريال لـ “خدمات النقل الجوي” و1.5 مليار ريال مقابل الأمن “الموارد”، مثل الأسلحة.

بعد ثلاثة أيام من هذا التقرير، تم الرد على محمد بن نايف من قبل رئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت، خالد التويجري، والذي بعث برسالة بخط اليد للموافقة على هذه المشروعات مع عبارة “لا مشكلة”.

من ناحية أخرى، يقول مسؤولون سابقون في وكالة المخابرات المركزية أنهم كانوا على علم بسيطرة محمد بن نايف على مثل هذه الحسابات السرية لمكافحة الإرهاب في ذلك الوقت واستخدموها للمساعدة في تمويل المشاريع الأمريكية السعودية المشتركة.

كان الأمير محمد بن نايف أحد رجال المملكة الأقوياء، على صعيد الأصعدة، خاصة الأمني والدبلوماسي، لما كانت له من جهود ثمينة في توطيد علاقة المملكة بالغرب وخاصة الولايات المتحدة، مع جهوده في الحفاظ على أمن المملكة -كما كان يوصف دائماً من قبل السلطات السعودية.

إن الارتفاع المبهر والسقوط المأساوي الذي يشهده تاريخ محمد بن نايف الآن يعد تجسيداً واقعياً “حديثاً” لما تناوله شكسبير في كتاباته حول صراع العائلات المالكة حول الحكم، والعلاقة بين القوة والفساد، ولكن هذه المرة في مملكة صحراوية، حيث كتب ويليام شكسبير في مسرحية “هنري الرابع، الجزء الثاني”: “يكمن القلق في الرأس الذي يرتدي تاجًا”، حيث ينطبق هذا المبدأ على ولي العهد، في الماضي والحاضر.

مهما كانت إخفاقات محمد بن نايف فإن ضباط المخابرات الأمريكية الذين عملوا معه يعتبرونه بطلاً ساعد في إنقاذ بلاده عندما كانت مهددة بشكل قاتل، يتذكرون شعار المباحث، جهاز الأمن الحديث الذي لطالما رفع شعار “وطن لا نحميه، لا نستحق العيش فيه”.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا