في ظل الأزمة المتصاعدة بين كلا من تركيا واليونان، شهدت الآونة الأخيرة سباقا محموما من قبل كلا من الإمارات والسعودية لتقوية علاقاتهم مع أثينا والتي تعد خصماً لدوداً لتركيا، وذلك بهدف تشكيل تحالف جديد مع هذه الدولة الأوروبية، للبحث عن دور إقليمي لها في المنطقة.
وجاء التقارب في ظاهره تحت البند الاقتصادي والتعاون الاستراتيجي والتنموي، بينما يري مراقبون أن المقصود الأول من وراء هذا التحالف هو تركيا التي تكن لها الدول الثلاث عداوة ظاهرة وتشترك ضدها في عدد من القضايا والملفات الهامة.
تحالف جديد
وشهدت الفترة الماضية تقاربا ملحوظا بين كلا من الإمارات واليونان، حيث سعي كلا البلدين لتكوين حالة تحالف وشراكة حقيقية في عدد من القضايا، والتي شملت توقيع لمذكرات التفاهم في عدد من المجالات وإقامة شراكات اقتصادية وصولا إلي التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين.
وأثناء استقبال محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس وزراء اليونان، في فبراير الماضي، أكد “بن زايد” أن “العلاقات مع اليونان تتسم بالعمق والتميز والخصوصية، وتستند إلى إرادة سياسية قوية وقاعدة صلبة من المصالح المشتركة وتوافُق الرؤى والتوجهات”.
وخلال اللقاء تم الاتفاق على تشكيل لجان عمل مشتركة، بهدف تطوير أوجه التعاون بين البلدين وصولاً إلى هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة خلال الفترة القادمة، إضافة إلى سبل تطوير وترقية العلاقات بين البلدين في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية والتعليمية، إلى جانب البنية التحتية والسياحة والطاقة وغيرها من المجالات الأخرى.
وكانت آخر الشراكات الإماراتية اليونانية عقد اجتماعات الجولة الثانية لمنتدى التعاون الاستراتيجي الإماراتي اليوناني، لبحث سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الصديقين، وتنمية مجالات التعاون الثنائي في عدد من المجالات.
المنتدى الذي عُقد (السبت 25 يوليو) تضمَّن عدداً من جلسات النقاش والحوار على المستوى الوزاري وعلى مستوى اللجان الفنية، والتي شملت الاهتمامات المشتركة بين البلدين، ومن ضمنها التعاون السياسي والإنمائي، والتجارة والاستثمار، والثقافة، والطاقة، والتحول الرقمي، والزراعة.
المنتدى اليوناني الإماراتي خرج بتوقيع عدد من مذكرات التفاهم في عدة مجالات، أبرزها التعاون الإنمائي، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة والابتكار، والتعاون الرقمي، والتعاون الثقافي والصناعات الثقافية والإبداعية، بالإضافة إلى إطلاق الخطة الإماراتية اليونانية المشتركة للسياحة.
هذا الاجتماع والنتائج التي خرجت عنه جاءا في الوقت الذي تشهد فيه اليونان وتركيا خلافات حادة حول “آيا صوفيا” الذي أعادته تركيا مسجداً من جديد، وهو الموقف نفسه الذي تشترك فيه الإمارات مع اليونان.
وكانتت أقوي صور التقارب اليوناني الإماراتي من خلال دعم أبوظبي لمشروع “إيست ميد”، وهو خط أنابيب للغاز بين “إسرائيل” وقبرص واليونان، ويزود أوروبا بالغاز الطبيعي من منطقة شرق المتوسط.
وسيمتد الخط المعروف باسم “إيست ميد” من قبالة سواحل “إسرائيل” وقبرص واليونان ليصل إلى جنوب إيطاليا، حيث ساهمت حكومة أبوظبي في المشروع بمبلغ 100 مليون دولار خلال الأشهر الماضية، حسب الإدارة القانونية في الوكالة التنفيذية للابتكار والشبكات بالمفوضية الأوروبية.
وتريد الإمارات من دعم المشروع التأثير على تركيا التي تلعب دوراً مهماً في تزويد أوروبا بالغاز، وتمتلك شبكة واسعة من أنابيب الغاز الطبيعي
تركيا كلمة السر
وتعتبر كلمة السر وراء هذا التقارب الحميم هي العداوة المشتركة لتركيا في عدد من القضايا، أبرزها مواجهة تركيا في ليبيا خاصةً بعد تحالفها الأخير مع حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً، ودعمها على الأرض ضد قوات الانقلابي خليفة حفتر، ما ساعدها في تحقيقها عدد من الانتصارات الملموسة.
ومؤخرا اجتمعت الإمارات واليونان، في ملف واحد، وهو الاعتراض بشكل شديد على إعادة “آيا صوفيا” إلي سابق عهده كمسجد، وطالبوا بتحويله إلي كنيسة.
وبعد توسُّع التحالف اليوناني الإماراتي، ذهبت أبوظبي إلى انتقاد ما سمَّته انتهاك تركيا للمياه القبرصية والمجال الجوي اليوناني، وهو ما يعكس الهدف السياسي من تقربها لليونان.
وسبق أن أصدرت أبوظبي ومصر بياناً مشتركاً مع اليونان وقبرص وفرنسا، الاثنين (11 مايو)، يندد بـ”التدخل العسكري التركي في ليبيا”.
ويري معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن الإمارات تعتمد على حقيقة أن علاقات تركيا التقليدية مع حلفائها في “الناتو” متوترة بسبب مجموعة من القضايا، من ضمنها التدخل العسكري التركي في ليبيا، ومصير ملايين من اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم تركيا، وعلاقة تركيا بروسيا وشرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-400”.
وتعمل الإمارات، وفق تقرير للمعهد نشره (الأحد 19 يوليو)، على وضع اللبنات الأساسية لتعزيز تأثيرها في شرق المتوسط، وتشكل العلاقات الوثيقة المتزايدة مع (إسرائيل)، التي لها علاقات معقدة مع تركيا، حجر الزاوية في ذلك.
كذلك، تريد الإمارات تقوية علاقاتها مع اليونان، حسب المعهد الإسرائيلي، من خلال مشاركتها في المناورات العسكرية السنوية التي تقودها اليونان، والتي تشارك فيها (إسرائيل) وقبرص وإيطاليا والولايات المتحدة.
المعهد يوضح أن الدول الأوروبية تشعر وضمنها فرنسا واليونان وقبرص، بالتهديد من استخدام تركيا لليبيا لتوسيع قبضتها على المياه الإقليمية الغنية بالغاز، ونتيجة لذلك، أصبحت نزاعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مشكلات أوروبية.
ومن ضمن جهودها لزيادة التحالف مع اليونان، ناقشت الإمارات التعاون على المستوى العسكري ضد الوجود التركي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تقارب سعودي
وتسعي السعودية هي الأخرى للدخول علي خط التحالف مع اليونان، لما في ذلك من تأثير وضغط علي المصالح التركية في المنطقة، حيث أجرى وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، ونظيره اليوناني، نيكوس دندياس الأسبوع الماضي محادثات هاتفية على خلفية التصعيد بين أثينا وأنقرة في منطقة شرق المتوسط.
وأفادت وكالة “واس” السعودية الرسمية بأن بن فرحان تلقى مكالمة من دندياس جرى خلالها “استعراض العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها”.
وأضافت الوكالة أن الجانبين بحثا كذلك “تطورات الأوضاع في المنطقة، وعددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.
كما اكتفت الخارجية اليونانية بالقول إن المحادثات بين بن فرحان ودندياس ركزت على التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية.
لكن هذه المحادثات الهاتفية أجريت بعد ساعات من اتصال هاتفي بين عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميتسوتاكيس، حيث ناقشا تطورات الأوضاع في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط، معربين عن رفضهما “التدخلات الأجنبية” في الأزمة الليبية، في إشارة واضحة إلى تركيا.
وتشهد العلاقات بين تركيا واليونان في الأشهر الماضية توترا متصاعدا بسبب خلافات عدة، على رأسها مسألة الحدود البحرية واستكشاف حقول الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط خاصة في ظل الاتفاق بين السلطات التركية وحكومة الوفاق الوطني الليبية حول هذا الموضوع والمبرم في 27 نوفمبر 2019، وكذلك مسألة الحقوق في المجال الجوي، وقضية اللاجئين والأوضاع في جزيرة قبرص.
وتسبب ذلك في تصعيد الخطاب العسكري وتبادل التهديدات باستخدام القوة المسلحة بين الجانبين حال تطلبت ذلك الضرورة، وسط تقارب اليونان وحليفتها قبرص مع مصر، في الوقت الذي تستمر فيه حالة من التوتر بين الحكومة السعودية والسلطات التركية على خلفية مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، وخلافات أخرى.
ويرى مراقبون للشأن اليوناني، أن أثينا ذهبت بعد الربيع العربي للبحث عن حليف في منطقة الشرق الأوسط، واختارت السعودية والإمارات، لكونها تعلم أنهما تعارضان تركيا، وتبحثان عن أي مناهضين لها.
وتريد اليونان من التحالف مع شركاء لها خاصةً الإمارات، مواجهة الدور التركي المتصاعد بالنسبة لليونان، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وجذب استثمارات جديدة.
اضف تعليقا