ترجمة العدسة عن تقرير معهد دول الخليج العربية في واشنطن
يعتبر قرار الإمارات العربية المتحدة بالبدء في التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل تغييراً جذرياً في خريطة العلاقات الدبلوماسية وربما الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فالاتفاق لا يضفي الطابع الرسمي فقط على العلاقة التي تنمو بشكل مطرد، لا سيما وراء الكواليس، بل سيساهم في تسريع وتوسيع التعاون الإماراتي الإسرائيلي على كافة الأصعدة.
بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، إنها خطوة جريئة وربما محفوفة بالمخاطر تتحدى الإجماع العربي القائم مسبقًا – بناءً على مبادرة السلام العربية التي وضعتها السعودية والتي اعتمدتها جامعة الدول العربية في عام 2002 – على أن العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل تتوقف تطبيق ما يسمى بـ “حل الدولتين”، الذي يقضي بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عن إسرائيل.
في السنوات الأخيرة، ظل هذا الإجماع نظريًا، كما تم تعديل المبادرة للسماح بتبادل الأراضي المتفق عليها، وبمرور الوقت، تم قبول الفكرة على نطاق واسع بأن الخطوات نحو تحقيق حل الدولتين يمكن أن تقابلها خطوات مصاحبة نحو بناء علاقات عربية مع إسرائيل، ومن خلال المضي قدمًا الآن على أساس تعليق ضم الأراضي على نطاق واسع في الضفة الغربية من قبل الحكومة الإسرائيلية، تخلت الإمارات العربية المتحدة فعليًا عن إطار مبادرة السلام العربية المعلن عنها في 2002، بل وتزعم أن أفعالها قد حافظت على خيار حل الدولتين، باعتبار أتها عرضت تطبيع العلاقات مقابل امتناع إسرائيل عن تنفيذ خطط الضم.
وبهذا الاتفاق تنضم الإمارات العربية المتحدة إلى مصر والأردن، اللتين أبرمتا معاهدتي سلام رسميتين مع إسرائيل، وموريتانيا، التي اعترفت بإسرائيل عام 1999 لكنها جمدت العلاقات في عام 2009 نتيجة للهجمات الإسرائيلية على غزة
عكف عدد من الدول العربية على تطوير وجهات نظرها حول العلاقة مع إسرائيل لدرجة أن مبادرات التطبيع الإضافية أصبحت قابلة للتخمين بسهولة، لكن يمكن القول إن لدى الإمارات العربية المتحدة أسبابًا أكثر من غيرها، وهو ما يُفترض أنه سبب استعداد أبو ظبي للمخاطرة بتجاوز هذا “الخط الأحمر” العربي الراسخ منذ عقود، حيث تشترك الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في عدم الثقة بإيران مع العديد من دول الشرق الأوسط الأخرى، لكن لديهما كراهية خاصة تجاه تركيا وتحالفها الإسلامي السني الناشئ، كما يُعد توطيد العلاقات مع إسرائيل خطوة في توطيد علاقة أبو ظبي مع إدارة ترامب الذي يدعم هذه الخطوة بشدة.
تقول الإمارات أيضاً إن اتفاقها مع إسرائيل مفيد لها من الناحية العسكرية حيث سيوفر لها تسليحاً متطوراً، وبالفعل بدأت الإمارات في عقد صفقات لشراء طائرات مقاتلة من الجيل الخامس من طراز F-35 وطائرات بدون طيار عسكرية متقدمة، ولكن بعد موجة من الانتقادات في إسرائيل تم تعليق الصفقة، وربما إلغائها.
من ناحية أخرى، فإن التقارب مع إسرائيل يدعم أيضًا نية الإمارات في الظهور كمركز تكنولوجي متطور في المنطقة، وهو هدف تعتبر إسرائيل الشريك “الأمثل” له.
ولكن ما الذي قد يدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها؟ قال مسؤولون إسرائيليون مرارًا إنهم يتوقعون أن تنخرط عدة دول عربية أخرى في عملية تطبيع رسمية في “الأسابيع أو الأشهر” المقبلة، خاصة وأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، سيقوم بزيارة عددًا من الدول العربية في الأيام المقبلة للترويج لمثل هذه الخطوات، يليه فريق بقيادة كبير المستشارين الرئاسيين غاريد كوشنر.
من بين المرشحين المحتملين البحرين وسلطنة عمان، وكذلك السودان والمغرب، وربما تكون قطر أيضاً على هذه القائمة بسبب المصالح التجارية، لكن شراكتها القوية مع تركيا وعلاقاتها الوثيقة واعتمادها على إيران قد يعرقلان هذه الخطط على المدى القريب.
ربما ليس المملكة العربية السعودية
على الأرجح أن السعودية لن تكون على قائمة المرشحين المحتملين حالياً، وذلك لمكامنها الحالية التي اكتسبتها مؤخراً نظرًا للانخفاض الحاد في النفوذ الإقليمي من قبل مراكز القوة العربية التقليدية مثل القاهرة ودمشق وبغداد، حيث برزت كزعيم إقليمي عربي فعلي وقوة رئيسية في العالم الإسلامي.
تحمل المملكة العربية السعودية أيضًا ثقل تاريخ باعتبارها مهد الإسلام وموقع المدينتين المقدستين مكة والمدينة، وسيكون تأمين العلاقات الدبلوماسية مع الرياض أكبر اختراق دبلوماسي لإسرائيل منذ معاهدة السلام مع مصر عام 1979، وهو حدث تاريخي تحولي.
والأكيد، أن الرياض لن تتخذ مثل هذه الخطوة بينما يظل الملك سلمان بن عبد العزيز على العرش، وهو الذي تدخل بهدوء في السنوات الأخيرة لتأكيد التزام السعودية بالقضية الوطنية الفلسطينية عندما بدا أن التعليقات العامة والخاصة المنسوبة إلى نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تشير إلى احتمالية تخلي المملكة عن القضية.
ومع ذلك، لدى المملكة العربية السعودية أسباب إستراتيجية واضحة للتفكير في مثل هذه الخطوة، ومن أهم هذه العوامل هو تصور أن إيران وشبكتها من الوكلاء الإقليميين -ميليشيات وأحزاب- يشكلون تهديدًا وجوديًا للمملكة العربية السعودية وحلفائها، ولكن بالنظر إلى عدد سكانها الكبير والمتنوع، يجب أن تكون المملكة العربية السعودية أكثر قلقًا بشأن رد الفعل السياسي المحلي وكذلك رد الفعل الإقليمي والضرر الذي يلحق بمكانتها كزعيم عربي وإسلامي، إلا أنه من الممكن إذا اعتلى محمد بن سلمان العرش قد يأخذ الرياض في اتجاه مختلف ويفتح مثل هذه العملية مع إسرائيل، وهذا من شأنه أن يعكس، من بين أمور أخرى، التحول الجيلي في التفكير العربي والخليجي تجاه إسرائيل وكذلك النهج الجريء والحاسم، وحتى المتهور في بعض الأحيان للسياسة التي كانت السمة المميزة له كزعيم.
البحرين
تُعد البحرين من أبرز المرشحين لاتباع الإمارات في عملية التطبيع، فالبحرين لديها تاريخ من التسامح والاندماج تجاه مجتمعها اليهودي الصغير “البارز”، والأهم من ذلك، أن قلق البحرين من إيران شديد للغاية، في عهد الشاه وفي بعض الأحيان الجمهورية الإسلامية، ادعت إيران أن البحرين جزء من أراضيها وأن السيادة يجب أن تكون لإيران عليها.
في حين أن البحرين بها أسرة سنية حاكمة، إلا أن لديها أغلبية شيعية تشعر بالحرمان والتهميش وعدم الرضا، وقد أدى ذلك إلى اضطرابات في البلاد مرارًا وتكرارًا منذ الخمسينيات على الأقل، كما ترتبط بعض الشخصيات الأكثر تطرفاً في المجتمع الشيعي بعلاقات مع إيران، ولم تخف طهران جهودها لتعزيز زعزعة الاستقرار في البحرين.
هذا وحده يكفي لتفسير سبب اهتمام العائلة المالكة البحرينية والحكومة بعلاقات دبلوماسية واستراتيجية مع أخطر عدو عسكري لإيران في الشرق الأوسط: إسرائيل.
لكن في السنوات الأخيرة، امتثلت البحرين إلى حد كبير للرياض في مسائل الدفاع والسياسة الخارجية؛ لذلك، تُعد المنامة أحيانًا بمثابة حالة اختبار أو تمهيد لتحركات وسياسات السعودية، إذا كانت المملكة العربية السعودية مهتمة بإمكانية التطبيع ولكنها غير راغبة في اتخاذ مثل هذه الخطوة، يمكن للبحرين أن تقوم بدور الوكيل للمملكة العربية السعودية على المستوى الدبلوماسي، بالإضافة إلى ذلك، تبحث البحرين دائمًا عن فرص لتعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، التي تؤسس أسطولها الخامس في أراضيها.
ومن الجدير بالذكر أن هذه العلاقات الوثيقة مع السعودية والولايات المتحدة ساهمت كثيراً في تصنيف البحرين رسميًا على أنها “حليف رئيسي من خارج الناتو” للولايات المتحدة، مما يوفر للبلاد موقفها الدفاعي الأساسي، خاصة فيما يتعلق بإيران، وبإضافة إسرائيل إلى هذا المزيج سيتم تعزيز موقع البحرين الاستراتيجي، لاسيما وأن البحرين منذ 2015 تقوم بتحسين علاقاتها مع الأمريكيين اليهود المؤيدين لإسرائيل وسمحت لمواطنيها بزيارة إسرائيل، وفي عام 2018، اعترفت بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وبالتالي في الوجود، وفي عام 2019، استضافت مؤتمرا حول المكون الاقتصادي لمقترح إدارة ترامب “السلام من أجل الازدهار” لإسرائيل والفلسطينيين ورحب بعدد من المسؤولين الإسرائيليين والحاخام الأكبر للقدس؛ لذلك، فإن في وضع جيد لإجراء الانتقال إلى عملية تطبيع مفتوحة ورسمية.
سلطنة عمان
سعت عُمان تقليديًا إلى وضع نفسها كوسيط محايد في منطقة متوترة وصعبة، وتحقيقاً لهذه الغاية، حاولت الحفاظ على علاقات دافئة مع أكبر عدد ممكن من اللاعبين، حيث تتمتع بعلاقات ممتازة مع إيران والولايات المتحدة، وهي عضو أساسي في مجلس التعاون الخليجي، واستضافت العديد من الاجتماعات الحاسمة التي أدت في النهاية إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة النووية.
من وجهة نظر عمان، فإن عدم وجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل يعيق فقط قدرتها على التوسط، وعند الضرورة لأغراض أمنية، يؤدي إلى التثليث بين لاعبين إقليميين أقوى، لذا، فإن حتمية تطبيع العلاقات مع إسرائيل أمر بديهي في مسقط.
مثل قطر، أنشأت عمان عملية تطبيع للعلاقات مع إسرائيل في منتصف التسعينيات، في ذروة صنع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وفي عام 1994، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين مسقط حيث استقبله السلطان قابوس بن سعيد، وفي العام التالي، زار وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي القدس واستقبله شيمون بيريز الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء بالإنابة بسبب اغتيال رابين قبل أيام قليلة، بين عامي 1994 و 2000، أقام البلدان علاقات تجارية مفتوحة، وفي عام 1996، وقعت اتفاقية تلتزم بفتح مكاتب تجارية متبادلة، وكما هو الحال مع قطر، توقف تقدم إسرائيل مع عمان بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية في خريف عام 2000.
ومع ذلك، استمرت الاتصالات، بما في ذلك اجتماع بين وزراء الخارجية الذي أقيم في قطر عام 2008، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، زار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مسقط ورحب به السلطان قابوس، على الرغم من عدم الإعلان عن الرحلة إلا بعد انتهائها، بعد ذلك مباشرة، أعلن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إسرائيل “دولة شرق أوسطية مقبولة”. وكانت هناك عدة اقتراحات منذ ذلك الحين من قبل المسؤولين العمانيين تشير إلى الاستعداد لتطبيع العلاقات؛ لذلك قد تكون عُمان على طريق التطبيع مع إسرائيل أبعد من البحرين.
السودان والمغرب
خارج منطقة الخليج، السودان والمغرب لديهما أسباب واضحة ولكنها مختلفة تمامًا للتفكير بقوة في تطوير علاقات رسمية مع إسرائيل.
في السودان، وبعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في فبراير/شباط 2019، تحركت الحكومة السودانية الجديدة بقيادة عبد الفتاح البرهان بقوة إلى المدار الإقليمي لمصر والإمارات العربية المتحدة، وكذلك المملكة العربية السعودية ولكن بدرجة أقل وقدمت مبادرات متكررة للولايات المتحدة.
كان الحوار بين المسؤولين السودانيين والإسرائيليين متقدمًا إلى حد ما بالفعل، حيث بدأ على أبعد تقدير في عام 2016 في ظل النظام السابق، وفي فبراير/شباط الماضي، التقى نتنياهو والبرهان في أوغندا ووافقا على ما ورد على البدء في الاستعداد لتطبيع العلاقات، وبالإضافة إلى توطيد شراكتها مع مصر والإمارات العربية المتحدة، تأمل الخرطوم بلا شك في إزالتها أخيرًا من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وإعفائها من العقوبات المصاحبة.
مثل مصر والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإن الحكومة السودانية الجديدة معادية للجماعات الإسلامية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين، وهي تعمل بالفعل كعضو آخر في هذا التحالف الفعلي المناهض للإسلاميين.
أما المغرب، فتتمحور مصالحه المباشرة بشكل أكبر حول الأراضي المحتلة في الصحراء الغربية، في حين أن مطالبات المغرب بهذه الأرض قد تم رفضها تاريخيًا من قبل الأمم المتحدة، فإن اعتراف إدارة ترامب بالسيادة الإسرائيلية على القدس ومرتفعات الجولان قد فتح حقبة جديدة تبدو فيها واشنطن مستعدة للتغاضي عن الحظر المفروض على الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، والاعتراف بسيادة تلك الدول.
وبحسب ما ورد حثت إسرائيل الولايات المتحدة على الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، لذلك فإن الاعتراف بإسرائيل قد يمكن المغرب من فرض سيادتها على تلك الأراضي، بالإضافة إلى أشكال أخرى من المساعدة والدعم من أجزاء من الخليج والغرب وإسرائيل.
من ناحية أخرى، لدى المغرب سكان يهود بارزون والعديد من الإسرائيليين لهم أصولهم مغربية، لذلك فإن الحوار بين الطرفين يسير بهدوء منذ الستينيات على الأقل، علاوة على ذلك، ربما ليس لدى المغرب الكثير ليخافه من مثل هذه الخطوة مقارنة بالعديد من الدول العربية الأخرى.
خاتمة
في حين أن هناك مرشحين خليجيين وعرب آخرين لاتباع نهج الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، من غير المرجح أن تؤدي خطوة أبو ظبي الجريئة إلى سيل من الاعتراف الدبلوماسي العربي المفاجئ بإسرائيل، لكل دولة أسباب وأهداف وحسابات استراتيجية محددة لكونها مستعدة للتفكير في مثل هذه الخطوة.
يواجه البعض تكاليف أكبر بكثير من البعض الآخر، ولا سيما المملكة العربية السعودية، التي قد تواجه تحديات وعقبات أكثر من أي دولة عربية أخرى، ولكن كما يؤكد كل من التاريخ والخبرة الحديثة، يمكن أن يحدث التغيير الدبلوماسي والسياسي فجأة وبشكل دراماتيكي، سواء من حيث الاعتراف أو سحب الاعتراف!
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: بعد نفي وإثبات وإقالة.. هل فضحت تصريحات السودان مساعيه السرية نحو التطبيع؟
اضف تعليقا