تشهد مدن الشرق الليبي الخاضعة  لسيطرة الانقلابي خليفة حفتر وبالتحديد مدينة بنغازي حالة انفلات وفوضى عارمة على إثر الاحتجاجات المشتعلة منذ أيام ضد تردي الخدمات وتدني مستوى المعيشة بالإضافة لانتشار الفساد والسرقة في حكومة عبدالله الثني التابعة لبرلمان طبرق والغير معترف بها دوليا.

 

تصاعد الاحتجاجات 

واشتعلت في الأيام الماضية موجة غضب واسعة في مدن الشرق الليبي، حيث تداول نشطاء مقاطع فيديو لقيام محتجين بمدينة بنغازي ليلة السبت، بإضرام النيران في مقر حكومة عبد الله الثني ومقر بلدية بنغازي في المنطقة الواقعة عند مفترق المساكن بطريق المطار.

وأظهرت المقاطع المصورة اندلاع النار في أجزاء من مقر الحكومة، قبل أن تسرع هيئة الدفاع المدني بإخماد الحريق، بحسب ما ذكرت قناة  ليبيا الأحرارالليبية.

وانطلقت عدة احتجاجات في مدن بنغازي والمرج تطالب بإسقاط الحكومة الموالية لحفتر ومحاسبة أعضائها المتورطين في الفساد، في حين اتهمت بعض الهتافات أبناء “حفتر” بالفساد واستغلال النفوذ هناك، مطالبين بسرعة معالجة الأمور المعيشية المتردية.

وقال شهود إن الاحتجاجات تجددت في وقت متأخر من مساء السبت في البيضاء، المقر السابق للحكومة، وفي سبها في الجنوب للمرة الأولى في المرج التي تعد معقلاً لقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة خليفة حفتر.

وفي المرج، قال سكان إن اشتباكات وقعت بين رجال أمن والمحتجين وإنه أمكن سماع دوي إطلاق نار كثيف في مقاطع مصورة بثت على مواقع التواصل الاجتماعي. 

ويقول ليبيون في بنغازي إن المدينة تشهد انقطاعا للتيار الكهربائي يمتد لفترات طويلة يوميا، فضلا عن ارتفاع أسعار الوقود والسلع والمواد الغذائية.

وقال عبد السلام البرغثي، عضو تنسيقية الاحتجاجات في بنغازي، إنّ الاحتجاجات خرجت من أحياء بنغازي إلى ساحاتها العامة، يوم السبت، مشيراً إلى أن المتظاهرين كسروا حاجز الخوف بإغلاق الشارع الرئيسي في المدينة ليل الجمعة، في شكل يوحي بالتصعيد بعد مظاهرات الخميس، والتي لم تتجاوز الهتافات داخل الأحياء.

وأوضح البرغثي، “نكون الأن واجهة للحراك، والدعوة ستكون أكثر تصعيداً بالتجمع في الساحات العامة للحديث أمام الرأي العام”، وأكد أنّ “الاحتجاجات في البيضاء أكثر نشاطاً، والمواطنون أقفلوا الطريق المؤدي إلى مقر الحكومة لعدة ساعات”.

 

قمع مستمر

في سياق متصل، طالبت منظمات حقوقية بالتحقيق في مقتل متظاهر يدعى سعيد البرعصي، وإصابة آخرين، في أعقاب إطلاق النار من قبل قوات حفتر على متظاهرين في مدينة المرج مساء السبت.

وقالت قناة “ليبيا الأحرار” المحلية إن قوات حفتر أطقت الرصاص الحي على المحتجين على سوء الأوضاع المعيشية، أمام مديرية الأمن بمدينة المرج (شرق بنغازي)، ما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين.

ونقلت القناة إن الأمن الداخلي في بنغازي داهم صباح الأحد منزل أحد النشطاء بالمدينة الداعين لمحاربة الفساد، قبل أن تقوم باعتقاله وتسليمه لكتيبة طارق بن زياد التابعة لحفتر.

 والجمعة، أُصيب 5 مدنيين في مدينة البيضاء والمرج شرقي بنغازي، جراء إطلاق قوات حفتر النار على محتجين منددين بالأوضاع المعيشية، أيضا.

ونقلت قناة “فبراير”، مساء الأحد، قرارا أعلنه أحمد المسماري، متحدث مليشيا حفتر، يقضي بمنع التظاهرات ليلا في بنغازي، وقال إن “الأوامر صدرت بمنع المظاهرات ليلا”، زاعما أن هذا القرار “حتى لا تنهار الحالة الأمنية في بنغازي”.

من جهتها، عبرت بعثة الأمم المتحدة لليبيا عن “عميق القلق” إزاء تقارير عن مقتل مدني وإصابة ثلاثة وإلقاء القبض على آخرين في البلدة.

ومطلع أغسطس الماضي، بدأت دعوات التظاهر في بنغازي ضد تدهور الأوضاع الاجتماعية وتغول الفساد، وفي الـ23 من الشهر ذاته خرجت مظاهرات في بنغازي، وعدة مدن، بينها سرت (شمالا) وسبها (جنوبا)، تلتها مظاهرة في مدينة القبة، معقل عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق. 

وقمعت قوات حفتر هذه المظاهرات بالقوة، واعتقلت 5 في بنغازي و80 بسرت، بحسب منظمة رصد الجرائم الليبية.

 

استقالة الحكومة

وعلى إثر الاحتجاجات المتصاعدة التي شهدتها مدن الشرق الليبي، قدّمت الحكومة المؤقتة ، برئاسة عبد الله الثني استقالتها الأحد بشكل جماعي لمجلس النواب المنعقد في طبرق ورئيسه عقيلة صالح، حيث أكد عضو مجلس نواب طبرق، عيسى العريبي، إن رئيس الحكومة عبد الله الثني قدم استقالته وكل وزراء الحكومة، خلال اجتماع لهم أمس مع صالح في مقر إقامته بمدينة القبة، لبحث مطالب المتظاهرين.

وبينما أشار العريبي إلى إقرار الثني بعجز حكومته عن مواجهة الأزمات التي تواجه الليبيين، قال إن رئيس المجلس عقيلة صالح سيعقد جلسة للمجلس للنظر في قبول الاستقالة.

 وأتت الاستقالة ، بعدما أضرم محتجون النار في مقر الحكومة في مدينة بنغازي شرق ليبيا، مع استمرار المظاهرات نتيجة لتردي الأوضاع المعيشية والفساد لليوم الثالث على التوالي.

ويرى مراقبون أن الاستقالة جاءت بعد تهديدات وضغوط لحكومة الثني من قبل الانقلابي خليفة حفتر، خصوصا أنها أتت بعد ساعات بعد ساعات من بيان لحفتر تعهد فيه بدعم التظاهرات وتأمينها وفتح الميادين لها، شريطة أن تكون المظاهرات نهارا فقط، وأن تخلو مما أسماهم “عناصر إخوانية وتكفيرية”.

وتواردت أنباء عن نية برلمان طبرق المنحل تكليف وزير الداخلية بالحكومة المستقيلة، إبراهيم بوشناف، بتشكيل حكومة جديدة، رغم عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الحكومات. 

من جانبه يري الكاتب والمدون من الشرق الليبي، فرج فركاش، أن “حكومة الثني في الكثير من الأحيان كانت مجرد واجهة موازية، ومسؤولة فقط عن تقديم بعض الخدمات، وليس لها تلك السلطة الفعلية في شرق ليبيا، في ظل تعدد السلطات، وتعدد النفوذ”. 

وأضاف قائلا “لا أعتقد أن الاستقالة ستقبل من عقيلة صالح، الذي يدرك أن هذا سيشكل فراغا قد يستغله أنصار التفويض الذي أطلق عليه عقيلة رصاصة الرحمة بمبادرته الأخيرة”.

وأشار كذلك إلى “عدم قدرة البرلمان على الاجتماع بنصاب كامل لتشكيل حكومة أخرى، بالإضافة إلى المحاصصات والتحالفات القبلية والولاءات البرلمانية التي شكلها الثني، أثناء فترة حكومته، التي فتحت باب الفساد والمحسوبية”، وفق قوله. 

وتابع: “لذلك فإن من المتوقع أن يبقي البرلمان على الثني لفترة قصيرة أخرى، كحكومة تسيير أعمال، إلى حين الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وفقا للمبادرات والاجتماعات والتوصيات الأخيرة في المغرب وسويسرا”.