خسائر فادحة قاربت 90 مليار دولار تكبدها الاقتصاد اليمني، جراء الحرب التي يشنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على هذا البلد الفقير منذ عام 2015.
فقد تسببت الحرب بانهيار متسارع للاقتصاد اليمني، كان من أبرز تجلياته تآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي، وانهيار العملة المحلية، وعجز البنك المركزي عن سداد رواتب الموظفين.
كما شهدت البلاد نقصا حادا في الغذاء والدواء، وتدهورا غير مسبوق في الخدمات العامة، في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، فضلا عن غياب تام للخدمات الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين.
ونتيجة لذلك تفاقمت المأساة الإنسانية، حيث ارتفعت نسبة الفقر إلى 75%، مقارنة بنحو 47% قبل بدء الحرب.
وتؤكد الأمم المتحدة أن اليمن سيصنف كأفقر بلد في العالم، إذا استمر القتال حتى عام 2022. وفي حال استمرت الحرب حتى عام 2030، فسيعيش 78% من اليمنيين في فقر مدقع، وسيعاني 95% من سوء التغذية، و84% من الأطفال سيعانون من التقزُّم.
If the #war in #Yemen continues through 2030, #development will have been set back by 40 years, says a study commissioned by @UNDPYemen, released today.
Access the full report here: https://t.co/thBZFhPBZP pic.twitter.com/fp0o2PB9VO
— UNDP Yemen (@UNDPYemen) April 23, 2019
اقتصاد الحوثيين
بعد نجاح انقلابهم وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، ثم تمدد هيمنتهم إلى معظم المحافظات الشمالية الغربية، عمل الحوثيون على تأسيس مراكز اقتصاد جديدة، سيما في صنعاء.
وضعت ميليشيا الحوثي يدها على البنوك وشركات الاتصالات، واحتكرت تجارة النفط والغاز والغذاء، وأنشأت نقاط جمارك داخل المدن.
في يوليو/تموز 2015 أعلن الحوثيون تعويم أسعار المشتقات النفطية، وأضافوا 59 ريالا على سعر اللتر، بحجة إنشاء محطة كهرباء وميناء نفطي، لكنهم لم يلتزموا بما وعدوا، وتحولت تلك الأموال لصالحهم.
كما فتحت الميليشيا الحوثية الباب لاستيراد المشتقات النفطية عن طريق شركات تابعة لقيادات تابعة لها، الأمر الذي مكنها من تحويل سوق المشتقات النفطية إلى مصدر سريع لجني الأموال.
ولا تتسامح الميليشيا المسلحة مع الضرائب والجمارك، فمعظم الشركات أُجبرت على دفع ضرائب لسنوات قادمة في سابقة غير مألوفة.
فيما أنشأ الحوثيون نقاط جمارك، في محافظة “ذمار” وفي محافظة “عمران”، إضافة إلى مداخل صنعاء، للحصول على الأموال من أي نشاط تجاري يدخل إلى مناطق سيطرتهم.
هذه الخطوة زادت الأعباء على اليمنيين، فالتجار يدفعون الضريبة أساسا في المداخل الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وهو ما يضاعف سعر البضائع على المواطنين.
وإلى جانب ذلك، يدفع التجار ورجال الأعمال، وحتى المحلات الصغيرة، أتاوات شهرية للحوثيين، قد تصل إلى ملايين الريالات، تحت بند “مجهود حربي”.
الاقتصاد الوطني
لم تتوقف الآثار السلبية للحرب على اقتصاد المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين فحسب، بل شملت جميع مناطق اليمن، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
فبعض التقديرات الإقتصادية كشفت انكماشا كبيرا في الناتج المحلي الإجمالي اليمني بين عامي 2015–2018، حيث قُدرت الخسارة بحوالي 47.1%.
وخسر الريال اليمني ما يقارب ثلثي قوته الشرائية الأصلية مقارنة بالدولار الأمريكي منذ مارس/آذار 2015، أما القطاعات التي تولّد رؤوس الأموال في اليمن فهي لا تعمل حالياً كما ينبغي، ومن ناحية أخرى لم تعد الدولة تملك القدرة على تحصيل الإيرادات العامة بشكل فعال.
فهي تعاني من فشل متكرر في تصدير النفط والغاز خارج البلاد، والذي يعتبر المحرك الرئيس للاقتصاد، حيث يمثل 70% من موارد الموازنة. كما تمثل عائداته نسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي، وأدى تعطل إنتاج النفط وتصديره إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعاني منها البلاد.
وبسبب الحرب؛ غادرت 10 شركات أجنبية كانت تستثمر في قطاع النفط والغاز اليمني عام 2015. فيما توقفت العديد من الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع، وحلت الإمارات في مواقعها منذ منتصف 2016.
ويتهم اليمنيون أبوظبي ومليشياتها بالوقوف وراء وقف التصدير، من خلال إعاقة العمل في حقول النفط بمدينة شبوة، وكذلك وقف تصدير النفط عبر ميناء بلحاف النفطي، فضلا عن عرقلة عمل ميناء الشحر في حضرموت.
وخسر اليمن نتيجة تعطيل الشركات النفطية، مليارات الدولارات سنويا كان من الممكن أن تدخل إلى خزينة الدولة، وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تفاقمت الأزمة بعد إعلان السلطة المحلية في محافظة حضرموت، وقف إنتاج وتصدير الخام، بذريعة عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها المالية تجاه المحافظة.
هذه التطورات وضعت الحكومة الشرعية في مأزق يتمثل في العجز عن دفع رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ويهدد بانخفاض جديد للعملة.
ويقدر موظفو الحكومة بنحو 31% من إجمالي العاملين في البلاد، ومعظم هؤلاء الموظفين لم يتلقوا رواتبهم منذ أعوام، وهو ما دفع معظم العاملين في الحكومة للتوجه إلى أعمال أخرى، أو عادوا إلى القرى النائية، فيما تحول بعضهم إلى مقاتلين للحصول على الأموال.
وفيما يتعلق بالموانئ، فقد أدى وضع الإمارات يدها على الموانئ في جنوبي اليمن، إلى تجميدها وتضرر الاقتصاد اليمني بشكل كبير، فبسبب القيود التي فرضتها القوات الإماراتية، تبقى السفن أسابيع وربما أشهر في البحر بانتظار دورها للتفتيش، ما يؤدي إلى تلف معظم البضائع.
ومع تضرر الموانئ اليمنية، حققت المنطقة الحرة في “جبل علي” التابعة لمجموعة موانئ دبي العالمية، نموا كبيرا في تجارتها الخارجية، في السنوات التي أعقبت الحرب على اليمن.
وفي الوقت نفسه، انتعشت الموانئ السعودية بشكل غير مسبوق، حيث استقبل ميناء الملك عبدالله بنهاية عام 2018 حوالي 2.3 مليون حاوية، بعد أن كانت لا تتجاوز 1.3 مليون حاوية قبل الحرب.
كما ارتفع عدد السفن التي تصل إلى الميناء من 637 سفينة إلى 911 سفينة. وقفز الميناء إلى المرتبة 69 عالمياً، بعد أن كان بالمرتبة 104 في عام 2015.
خسائر بالجملة
الصراع الدموي الذي دخل عامه الخامس، امتدت آثاره لتشمل القطاع الخاص، فقد تكبدت الشركات المحلية خسائر فادحة، حيث تظهر نتائج مسح أجراه البنك الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أن حوالي 35% من الشركات اليمنية أغلقت أبوابها، فيما عانت أكثر من 51% من الشركات الناجية من تضاؤل حجمها وتراجع أعمالها بشكل كبير.
وأدى منع التحالف دخول المواد الخام، وارتفاع تكلفة النقل البحري بنسبة 100% إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في ظل تراجع معدل الإستهلاك العام. كما تراجعت الحركة التجارية بنسبة 50 – 60% في قطاع التجزئة المحلي.
معاناة اليمنيين لم تتوقف عند هذا الحد، إذ تضرر الصيادون الذين يشكلون أكثر من 40% من السكان في مناطق الساحل اليمني، حيث تراجع عدد المستفيدين من الصيد البحري إلى أقل من 20%، وانخفض مستوى معيشتهم إلى ما دون خط الفقر.
السبب الأساسي الذي يقف وراء هذا التحول السلبي، هو أن أبوظبي وضعت يدها على سواحل وموانئ اليمن التي يصطاد فيها هؤلاء السكان، ومنعتهم من الصيد.
وأطلقت يد جنودها والمليشيات التابعة لها، لقمع وخطف الصيادين، وتفتيش سفنهم بل وقصفها في أحيانٍ كثيرة، ما أدى إلى مقتل وإصابة العديد منهم، سيما في موانئ المخا وذباب والخوخة.
كما عملت أبوظبي على إفساد البيئة السمكية في هذه المناطق، من خلال تجريف البيئة البحرية اليمنية، فضلا عن نهب أطنان من الشُّعب المرجانية ونقلها سرا إلى الإمارات.
جديرٌ بالذكر أنه خلال الأشهر الماضية، غادر عشرات الآلاف من المغتربين اليمنيين السعودية، بعد صدور قرارات بدفع رسوم كبيرة على الوافدين، ومنعهم من العمل في عدة قطاعات.
وهو ما أدى إلى انخفاض الحوالات المالية إلى اليمن، والتي كانت تشكل مصدرا للعملة الصعبة، سيما بعد توقف إنتاج النفط والغاز.
خسائر البنية التحتية والآثار
استمرار الحرب، وتواصل استهداف البنية التحتية في اليمن من قبل جميع الأطراف المتصارعة، يجعل التوصل إلى تقييم شامل للأضرار أمرا صعبا للغاية.
بعض التقديرات تشير إلى تدمير 600 مسجد، و291 منشأة سياحية، و271 مصنعا و19 مؤسسة إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية و28 مركز إرسال إذاعي وتلفزيوني وميكروويف.
بالإضافة إلى تدمير 400 منشأة وشبكة اتصالات حكومية وخاصة و420 منشأة وشبكة ومحطة كهرباء و 450 منشأة ومحطة وناقلة نفطية وغازية و 85 منشأة رياضية، هذا بجانب تدمير 9 مطارات مدنية و14 ميناء و 5000 كم من الطرق و95 جسرا.
فضلا عن تدمير 2641 منشأة تربوية وتعليمية منها 293 تدميرا كليا، و2348 تدميرا جزئيا. ودمر 68 مرفقا إداريا تربويا، فيما تم قصف وتعطيل 23 جامعة حكومية وأهلية كليا وجزئيا، وتدمير 60 معهدا وكلية مجتمع.
كما استُهدف 93 مركزا للإنزال السمكي، ودمر 4586 قارب صيد، واستهدف 4948 موقع ومنشأة زراعية بينها 660 مخزنا غذائيا و200 مصنعا للغذاء و3500 بيتا زراعيا، و1010 حقلا زراعيا.
الدمار طال أيضا 1016 مزرعة للمحاصيل، و535 سوقا مركزيا للمنتجات الزراعية، و40 سوقا زراعيا ريفيا، و81 سوقا فرعيا ومخزنا للتبريد، و1090 مضخة مياه و10 وحدات طاقة شمسية.
ولم تتوقف آثار الحرب على اليمن وحده، حيث تكبد العالم خسائر تراثية فادحة بعد تدمير متاحف تأريخية مهمة، والقضاء على قطع نادرة، فقد تضرر 393 موقعا أثريا نتيجة العمليات العسكرية.
وبلغت حصيلة العام الماضي فقط، انهيار 66 موقعا ومَعلما أثريا تحت قنابل طائرات التحالف. وفي عام 2016، استهدفت الطائرات مدينة “كوكبان” التأريخية، مما نتج عنه تدمير كلي لحصن المدينة الأثري.
كما لحقت أضرار بالغة بجامع الإمام الهادي، أحد المساجد التأريخية في صعدة، والذي يعود بناؤه إلى عام 290 للهجرة. كما طال القصف ”مدينة زبيد” المدرجة منذ أوائل التسعينيات في قائمة التراث العالمي.
سيناريوهات كارثية
وفقا لدراسة أممية فإن الصراع الدائر باليمن تسبب في تراجع التنمية البشرية بمقدار 20 عاما، وأدى إلى مقتل نحو ربع مليون شخص نتيجة الأعمال الحربية المباشرة وكذلك انتشار الأوبئة والأمراض وسوء التغذية، ما جعله من بين أكثر النزاعات تدميرا منذ نهاية الحرب الباردة.
وتوقعت الدراسة أنه إذا ما انتهى الصراع في عام 2022، فسيبلغ معدل التراجع في مكاسب التنمية حوالي 26 عاما، أي ما يقارب جيلا بأكمله، وإذا ما استمرت الحرب حتى عام 2030 فسيتزايد معدل النكوص إلى أربعة عقود، أما إذا استمر الصراع حتى عام 2030، فسيبلغ إجمالي الخسائر الاقتصادية حوالي 657 مليار دولار.
كما ستزداد الوفيات غير المباشرة الناجمة عن نقص القدرة على شراء الأغذية ونقص الرعاية الصحية، وخدمات البنية التحتية، حتى تزيد عن خمسة أضعاف الوفيات المباشرة.
اضف تعليقا