تعتبر الأمير ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود، الوجه الدعائي النسائي لنظام محمد بن سلمان، حيث جرى استخدامها كأداة ناعمة للرد على منتقدي القيود على حقوق المرأة السعودية وافتقار المملكة إلى القيم التقدمية.
في بداية الأمر، وتحديدا في أغسطس/آب 2016 أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارا بتعيين ريما وكيلة لرئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي بالمرتبة الخامسة عشر، ثم جرى تعيينها لاحقا بمنصب رئيس الاتحاد السعودي للرياضات المجتمعية، كأول امرأة سعودية تتولى رئاسة اتحاد رياضي. وانخرطت ريما في عملية الغسيل الرياضي التي حاول من خلالها ابن سلمان تجميل صورته، وإبعاد النظر عن انتهاكاته الحقوقية.
وبعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018، جرى تعيينها سفيرة للمملكة لدى واشنطن، خلفا لنجل الملك الأمير خالد بن سلمان، بهدف تحسين صورة الرياض وفتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة، خاصة بعد توجيه اتهامات للأمير خالد بالتورط في استدراج خاشقجي.
فمن هي الأميرة ريما بنت بندر، وما قصة عائلتها مع الفساد والإرهاب، وكيف استخدمها محمد بن سلمان كأداة ناعمة لتلميع نظامه المتورط بعدد لا يحصى من الجرائم والانتهاكات الحقوقية؟
العائلة والفساد
ريما بنت بندر من مواليد العاصمة السعودية الرياض، عام 1975، ترعرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وعاشت أغلب سنوات عمرها في أجواء الحياة الدبلوماسية هناك، حيث انتقلت مع والدها إلى واشنطن بعد تعيينه سفيرا هناك في أوائل ثمانينات القرن الماضي. أما جدها لأمها هو الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود.
والأميرة ريما حاصلة على بكالوريوس في دراسات المتاحف والحفاظ على الآثار التاريخية من جامعة “جورج واشنطن” في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 2012، انفصلت عن زوجها الأمير فيصل بن تركي بن ناصر، الرئيس الأسبق لنادي النصر السعودي، الذي أنجبت منه طفلان، وذلك بعد أن تزوج عليها امرأة أخرى.
وورد اسم والدها الأمير بندر بقوة في فضيحة “صفقة اليمامة”، وهي سلسلة من مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، بدأت عام 1985، وهي الصفقة التي تعتبر الأكثر ارتباطا بالفساد، فقد تجاوزت قيمتها 56 مليار دولار أمريكي.
فقد كشف تحقيق أجرته شبكة BBC البريطانية في تموز 2007 عن الكثير من الأسرار المتعلقة بالصفقة، منها أن الأمير بندر الذي كان عرّاب الصفقة، تلقى أكثر من ملياري دولار كعمولات مقابل دوره في إبرامها.
وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 تعرضت عائلة ريما إلى أزمة كبيرة، بعد انتشار أخبار تفيد بأن والدتها هيفاء (زوجة السفير بندر) ساهمت بإرسال دعم مادي شهري من حسابها البنكي في واشنطن إلى أحد المتورطين في تلك الهجمات الدامية.
وطيلة الفترة بين عامي 2011-2005، فشل الأمير بندر في دعم موقف بلاده، وإبعادها عن دائرة الاتهامات بالتورط في الهجمات، والتي أفضت إلى توتر العلاقات بين واشنطن والرياض، خصوصا مع الدعوات القوية داخل المجتمع السياسي والإعلامي الأمريكي لمعاقبة المملكة، فجرى إعفاء بندر من منصبه، وعادت ريما مع عائلتها إلى السعودية.
الغسيل الرياضي
وبعد الصعود السريع للأمير محمد بن سلمان، الذي حرص على تقديم نفسه للغرب كـ”أمير متحرر ومصلح اجتماعي سيغيّر وجه السعودية بشكل جذري، ويمنح النساء حقوقهن”، احتاج إلى وجه دعائي نسائي يعزز ما يروج له بالإعلام، فكانت الأميرة ريما أفضل خيار بالنسبة له، لاسيما وأن سمعة السعودية فيما يتعلق بالمرأة سيئة جدا.
وأصدر مجلس الوزراء قرارا بتعيين ريما وكيلةً لرئيس الهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي بالمرتبة الخامسة عشر، في أغسطس من عام 2016، ثم جرى تعيينها بمنصب رئيس الاتحاد السعودي للرياضات المجتمعية، كأول امرأة سعودية تتولى رئاسة اتحاد رياضي. كما عملت الأميرة مستشارة في مكتب ولي العهد.
وسرعان ما انخرطت الأميرة ريما في عملية الغسيل الرياضي، بهدف صرف الأنظار عن الأزمة الإنسانية في اليمن الناتجة عن الحرب التي تقودها السعودية، إضافة إلى الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها الرياض بحق المعارضين.
وعملت ريما على عقد اجتماعات في الولايات المتحدة مع العديد من الشركات والمديرين التنفيذيين لمناقشة تطوير قطاع الترفيه السعودي.
ووفقا لوثائق كشفتها صحيفة الغارديان البريطانية، في سبتمبر/أيلول 2019، فقد أجرت الأميرة محادثات مع شخصيات رياضية غربية بارزة لتطوير الرياضة في المملكة.
وتحدثت ريما عن تحقيق “خطوات هائلة” على صعيد حقوق النساء في المملكة، لكن هذه الإصلاحات كانت تخفي واقعا مظلما، فالأميرة التي دافعت بشراسة عن سياسة ولي العهد، أحجمت عن التعليق على اعتقال الناشطات المدافعات عن حقوق المرأة، وتعرضهن لسوء المعاملة التي وصلت إلى حد التحرش الجنسي والتعذيب.
سفيرة الأمير
بعد جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع جثته داخل قنصلية بلاده في مدينة اسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين أول 2018، على يد عملاء تابعين للاستخبارات السعودية، توترت العلاقات بين الرياض وواشنطن، لاسيما مع إصرار الكونجرس والسي آي إيه، على اتهام محمد بن سلمان بأنه هو أعطى الأوامر بقتل خاشقجي.
وإضافة إلى اتهام ابن سلمان، طاردت شقيقه خالد بن سلمان الذي كان سفيرا في واشنطن آنذاك، اتهامات بالتورط في استدراج خاشقجي. وغادر خالد الولايات المتحدة عقب الجريمة، ولم يعد إليها مرة أخرى، وظل منصب السفير شاغرا قبل أن تملأه الأميرة ريما.
فقد صدر في أواخر شهر فبراير 2019، أمر ملكي بتعيين الأميرة ريما بنت بندر، سفيرة للرياض في واشنطن، فكانت المرأة السعودية الأولى التي تشغل هذا المنصب. ورغم انعدام خبرتها السياسية، إلا أن ابن سلمان رأى فيها الأداة الأفضل لتجاوز المرحلة المضطربة مع الولايات المتحدة، فهي وجه ناعم، وابنة السفير الأسبق بندر بن سلطان الذي كانت تربطه علاقات قوية مع دوائر الحكم الأمريكية.
لكن تبدو مهمة الأميرة صعبة ومعقدة، فقد فشلت حتى الآن بتجميل صورة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي لايزال يعاني من تبعات جريمته المروعة في اسطنبول، وقد يزداد الأمر صعوبة في حال فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” في انتخابات الرئاسة، لاسيما وأنه وعد بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية، وإنهاء دعم واشنطن للحرب في اليمن، وتعهده بعدم المساومة على قيم بلاده بهدف بيع الأسلحة أو شراء النفط.
اضف تعليقا