رغم محاولات غسيل السمعة المستمرة من قبل النظام السعودي، وخصوصاً  فيما يتعلق بملفه الأسود في حقوق الإنسان، سجلت المملكة خسارة جديدة علي صعيد تجميل صورتها الخارجية، حيث فشلت السعودية في إحراز مقعد لها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في صفعة جديدة يتلقاها بن سلمان وتزيد من سمعته المتردية علي الصعيدين الإقليمي والدولي وفق يري مراقبون.

فشل ذريع

وفي تطور لافت، فشلت السعودية في 13 أكتوبر الجاري في الحصول على الأصوات اللازمة لشغل مقعد في مجلس حقوق الإنسان التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يمتد لثلاثة أعوام.

وفي الاقتراع السري في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضم 193 عضواً حصلت باكستان على 169 صوتاً، وأوزبكستان على 164، ونيبال على 150، والصين على 139، والسعودية على 90 صوتاً فقط، بينما يتطلب الفوز الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة.

واعتبرت صحيفة “الجارديان” البريطانية، في تقرير لها، أن النتيجة بمثابة ضربة قاسية لجهود المملكة الساعية لتحسين صورتها في أعقاب الاعتراف بقتل مسؤولين للصحفي السعودي “جمال خاشقجي” داخل قنصلية بلاده قبل سنوات وأيضا احتجازها نشطاء حقوقيين ومؤيدين للديمقراطية.

وذكرت الصحيفة أن المنطقة الوحيدة المتنازع عليها في انتخابات العام الجاري، كانت منطقة أسيا والمحيط الهادي؛ حيث دخلت الصين والسعودية في سباق خماسي مع باكستان وأوزباكستان ونيبال على 4 مقاعد. وحصلت الصين على 139 صوتا مقارنة بأخر مرة ترشحت فيها على المقعد عام 2016 عندما حصلت على 180 صوتا.

واحتلت السعودية، الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، المركز الخامس بحصولها على 90 صوتا فقط بعدما تغلبت عليها نيبال التي حصلت على 150 صوتا؛ حيث يمكن لجميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 التصويت في كل منطقة.

وجاءت هزيمة السعودية في أعقاب ضغوط مكثفة في اللحظة الأخيرة من منظمات حقوقية حذرت أن مصداقية الأمم المتحدة ستكون على المحك إذا تم انتخاب السعودية وروسيا والصين بالنظر إلى سجلهم الأخير في انتهاك حقوق الانسان.

وتحول السجل الحقوقي المشين للمملكة إلى شبح يطاردها كلما حاولت تجميل صورتها الخارجية، على الرغم من استخدام نفوذها السياسي والمالي، حيث وضعت رؤية 2030 محمد بن سلمان في دور الإصلاحي فور إطلاقها في 2016، غير أن التألق والأضواء والتقدم لصالح النساء والشباب السعوديين الذي شهدته المملكة كان وراءه واقع أكثر قتامة.

وشنت السلطات خلال السنوات الثلاث سنوات الماضية سلسلة من حملات الاعتقال استهدفت بدايةً رجال دين بارزين، ومثقفين، وأكاديميين، ونشطاء حقوقيين، ثم رجال أعمال بارزين، وأفراداً من العائلة المالكة، وتم اتهامهم بالفساد، بالإضافة لمثقفين وكتّاب بارزين.

ترحيب حقوقي

وفي سياق متصل، رحبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بالنتيجة، وقالت في تغريدة إن إخفاق السعودية بالفوز بمقعد في مجلس حقوق الإنسان، هو تذكير مرحب به بالحاجة إلى مزيد من المنافسة في انتخابات الأمم المتحدة.

وقبل الانتخابات، شددت منظمة “رايتس ووتش” على وجوب ألا تصوت الدول الأعضاء في المجلس لصالح كل من السعودية والصين، واصفة الدولتين بأنهما من أكثر الحكومات في العالم انتهاكا لحقوق الإنسان.

وعارضت “هيومن رايتس ووتش” ومنظمات حقوقية أخرى بشدة ترشيح السعودية، حيث قال لويس شاربونو، مدير شؤون الأمم المتحدة في “هيومن رايتس ووتش”، في بيان صحفي: “لا ينبغي مكافأة عتاة المنتهكين بشغل مقاعد في مجلس حقوق الإنسان”.

وأضاف: إن السعودية والصين “لم ترتكبا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بلديهما فحسب؛ بل حاولتا تقويض نظام حقوق الإنسان الدولي الذي تطلبان أن تكونا جزءاً منه”.

وأفادت المنظمة بأن السعودية والصين لديهما تاريخ في استغلال مقاعدهما في مجلس حقوق الإنسان لمنع التدقيق في الانتهاكات التي ترتكبانها، أو تلك التي يرتكبها حلفاؤهما.

وذكّرت بأن السعودية هددت بسحب ملايين الدولارات من تمويلها للأمم المتحدة، للبقاء خارج “قائمة العار” السنوية للانتهاكات ضد الأطفال التي تصدر عن الأمين العام.

من جانبه ، وصف مؤسس ورئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبده، فشل السعودية في الحصول على مقعد في مجلس حقوق الإنسان بأنه كان نتيجة متوقعة. 

وأرجع” عبده” سبب هذا الفشل إلى “استهتار السعودية في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان التي تتشعب”، مشيراً إلى أن ذلك لا يقتصر على انتهاكات تمارس داخل المملكة، “بل يمتد إلى خارجها، وفي مقدمتها حرب اليمن الحاضرة بقوة في الأروقة الدولية، في ضوء تكرار الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم حرب عبر هجمات تشنها قوات التحالف والسعودية”.

وأوضح في حديثه أن الرياض “لم تجرِ تحقيقات جدية تقنع المجتمع الدولي بالجرائم المرتكبة في اليمن من أجل مساءلة المسؤولين عنها وضمان عدم تكرارها”، مضيفاً: “نفس الأمر ينسحب على تعاطي السعودية مع محاكمة قتلة خاشجقي، شهدنا عملية تلاعب كبير في مسارات التقاضي مع من ارتكب هذه الجريمة”.

وأشار إلى أن السعودية “اعتقدت أنه باستطاعتها الرهان على المصالح المتشابكة للدول معها، وهذا كان رهاناً خاسراً؛ لأنها اليوم تجني ليس في مجلس حقوق الإنسان ولكن في محافل دولية مختلفة”

ويعتقد أن رهان الرياض “على تأثر الإرادة السياسية للدول بفكرة ترابط المصالح معها رهان خاسر؛ لأن السعودية لم تبقِ لهذه الدول مساحة من أجل تبرير أو اتخاذ مواقف تتماهى مع السياسة السعودية”.

صفعات متتالية

ولا يعتبر الفشل السعودي في الحصول على مقعد حقوق الإنسان هو الصفعة الأولى للسعودية هذا العام، حيث أنه وخلال 2020، شهدت السعودية صفعات متتالية بسبب انتهاكاتها، كان في مقدمتها توصية البرلمان الأوروبي، في أكتوبر، إلى دول الاتحاد بخفض مستوى التمثيل في قمة مجموعة الـ20 التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض عبر الفيديو يومي 21 و22 نوفمبر.

كما أعلنت منظمة العفو الدولية ومنظمة الشفافية الدولية ومنظمة سيفيكوس مقاطعتها اجتماعات منتدى مجموعة العشرين للمجتمع المدني العالمي الذي تستضيفه السعودية نهاية العام الجاري.

وفي ذات السياق، أعلنت 220 منظمة مجتمع مدني مقاطعة اجتماع مجموعة العشرين(G20) المقرر أن تستضيفه المملكة العربية السعودية.

وفي منتصف سبتمبر 2020، أعربت مجموعة من 29 دولة في مجلس حقوق الإنسان عن “قلقها العميق” بشأن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، قائلة إن الحكومة السعودية “لم تلتزم بوعود الإصلاح، كما تستمر في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام بحق قاصرين وفي جرائم غير عنيفة منها جرائم المخدرات”.

وفي ذات الشهر أيضاً، أعلن نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي في بيان رفض رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز “البريميرليغ” عرض الاستحواذ على النادي المقدم من صندوق الاستثمار العام السعودي.

ومؤخراً، طالب البرلمان الأوروبي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالامتناع عن بيع الأسلحة والمعدات العسكرية إلى السعودية والإمارات وأي عضو آخر بالتحالف الذي تقوده الدولتان في اليمن، وكذلك للحكومة اليمنية وأطراف النزاع الأخرى.

وفي قرار للسياسة الموحدة لتصدير الأسلحة تم التصويت عليه بجلسة عامة في بروكسل، رحب البرلمان الأوروبي بقرار 9 دول أعضاء فرض قيود على صادراتها من الأسلحة لأعضاء بالتحالف الذي تقوده السعودية منذ 2015م، والذي تتهمه منظمات دولية بقتل آلاف المدنيين في اليمن.

وحث النواب الأوروبيون الدول الـ27 الأعضاء بالاتحاد على الاقتداء بألمانيا وفنلندا والدانمارك التي فرضت قيودا على صادراتها من الأسلحة للرياض بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على يد فريق أمني سعودي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 في القنصلية بمدينة إسطنبول التركية.

وقال البرلمان الأوروبي إن الأسلحة -التي تم توريدها للسعودية- استخدمت في اليمن التي يشن فيها التحالف بقيادة السعودية عمليات عسكرية منذ عام 2015.

واعتبر هذا القرار أن هذه الصادرات من الأسلحة للسعودية تنتهك بشكل سافر الموقف الأوروبي المشترك من مبيعات الأسلحة.