الحجب أو المراقبة.. طرق كلاسيكية اعتادت عليها الأنظمة الديكتاتورية في محاولاتها إسكات منصات التواصل الاجتماعي.. لكن السعودية والإمارات كان لديهما بدائل أخرى.

فالبلدان الثريان أدركا مبكرًا أن القمع ليس كافيًا، فعمدا إلى البحث عن طرق وأساليب أخرى في محاولة السيطرة على تلك المنصات، بجانب الطريق الأمني الذي يشمل توقيف ومحاكمة الناشطين بها.

سابقًا كان يقال عن وسائل الإعلام التقليدية (الصحف، الإذاعة، التليفزيون) إن من يملك رأس المال فيها يتحكم فيما تنشره وتبثه من برامج ومواد، إلا أن الأمر انسحب على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد الأهمية الكبرى التي اكتسبتها في أعقاب ثورات الربيع العربي.

 

وربما يكفي للدلالة على أهمية مواقع التواصل الاجتماعي أو ما يطلق عليه الـ(سوشيال ميديا) التقرير السنوي لموقع (We Are Social) المتخصص في تقييم استخدام الإنترنت، والهواتف المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي في العالم.

التقرير أشار إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم وصل إلى 3.419 مليار مستخدم في 2016، من إجمالي تعداد سكان العالم الذي يصل إلى 7.395 مليار نسمة، أما فيما يتعلق بمعدلات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي فقد أشار التقرير إلى أن عدد المستخدمين وصل إلى 2.307 مليار مستخدم، في حين أن مستخدميها من الأجهزة المحمولة ارتفع إلى 1.968 مليار مستخدم.

وعلى مستوى الشرق الأوسط، ارتفع نسبة المتصلين بالإنترنت إلى 53%، حيث وصل عددهم إلى 128 مليون مستخدم من أصل تعداد سكاني يصل إلى 242 مليون نسمة، إلى جانب ارتفاع عدد المستخدمين النشطين لمواقع التواصل إلى 63 مليون مستخدم.

 

“الوليد بن طلال” كلمة السر

رغم أنه ليس عضوًا في منظومة الحكم، فإن امبراطوريته “المملكة القابضة” التي تمتلك برج المملكة رمز السعودية الواقع في قلب العاصمة الرياض، تسيطر على مشروعات واستثمارات ضخمة داخل وخارج السعودية.

ولعل بداية تحكم السعودية في مواقع التواصل الاجتماعي، كانت عند الأمير الوليد بن طلال (ابن أخي الملك سلمان بن عبدالعزيز) عندما اشترى عام 2012 حصة استراتيجية في شبكة تويتر تصل قيمتها إلى 300 مليون دولار، ليكون للأمير حصة من الشركة مقدارها 4.45%.

الوليد بن طلال

الوليد بن طلال

وفي 2015 قرر الأمير الوليد زيادة استثماراته في الشركة الأمريكية بمبلغ مقداره 50 مليون دولار أمريكي، مما يجعله هو وشركة المملكة القابضة يحصلان على حصة قدرها 5% من أسهم شركة تويتر، ليكون ثاني أكبر مستثمر في الشركة.

ويعود تاريخ السعودية مع سناب شات إلى عام 2015، حيث استقبل الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة سناب شات إيفان شبيجل في دعوة له لزيارة المملكة.

حينها قالت تقارير إعلامية إن الشركة حاولت إقناع الوليد بالاستثمار في الشركة حتى تصل قيمتها إلى 19 مليار دولار بعد أن حصلت بداية العام على تمويل من عدة مستثمرين رفع قيمتها لتصل إلى 10 مليارات.

إلا أن نتائج هذا الاجتماع لم تكن معلنة، ولم يتبين بعد هل نجحت الشركة في إقناع الأمير بالاستثمار فيها من عدمه.

وفي يونيو 2016، وحينما كان وليًا لولي العهد زار الأمير محمد بن سلمان شركة فيسبوك والتقى مؤسسها مارك زوكربيرج، وسط أقاويل بأنه سعى لامتلاك حصة ما في منصة التواصل الأضخم في العالم، لكن لم يتم التثبت من دقة هذا الأمر.

كيف تحكمت المملكة؟

بلغة الأرقام فإن السعودية تمتلك نحو 8 ملايين مستخدم لمنصة “سناب شات”، وهذا يجعلها من أكبر الجماهير المستخدمة للمنصة حول العالم، بالإضافة إلى ما يقرب من 6 ملايين ونصف المليون مستخدم لتويتر، حيث يكون أكثر مستخدمي تويتر الفعالين بشكل دائم في السعودية بشكل أساسي بحسب إحصائيات الموقع.

هذه الأرقام الضخمة استخدمتها المملكة كورقة ضغط على مالكيها لحجب حسابات أشخاص بعينهم أو غلق وحجب حسابات لمؤسسات إعلامية مثلما حدث مع قناة فضائية “الجزيرة” في سناب شات، سبتمبر الماضي، بناء على طلب السلطات السعودية كما صرحت الشركة.

مارك زوكربيرج - مؤسس فيس بوك

مارك زوكربيرج – مؤسس فيس بوك

وبالنسبة لتويتر، تجلى التحكم في إغلاق حسابات لنشطاء سعوديين، وسرعة توثيق ودعم الحسابات الحكومية السعودية أو حسابات الشخصيات الموالية لوجهة النظر الحكومية.

في المقابل تعرضت حسابات أخرى موثقة -كحساب شبكة الجزيرة الإخبارية- لإيقاف دام ثلاث ساعات، ثم عاد للعمل وتمت إعادة المتابعين له بشكل تدريجي، دون أي توضيح من تويتر عن الأسباب الداعية إلى إيقاف الحساب.

اللافت أن الأزمة الخليجية وثقت قضية اللجان الإلكترونية وكتائب المغردين، وهو الجناح الثاني الذي تتحكم به المملكة في توجيه منصات التواصل الاجتماعي، مستغلة تصدر السعوديين لعدد مستخدميها، لتجعل من الهاشتاج الذيي تريده متصدرًا للتريند العالمي.

ففي أعقاب إعلان دول حصار قطر عن قراراتها بقطع العلاقات في يونيو الماضي، تصدر هاشتاج “#قطع_العلاقات_مع_قطر” موقع “تويتر” عالميًا.

الأمر ذاته تكرر عدة مرات، لعل أبرزها في يونيو الماضي، عندما احتلت 5 هاشتاجات سعودية متتالية مواقع الصدارة “تريند” على تويتر بنحو 10 ملايين مشاركة في ساعة واحدة، وهي الهاشتاجات المتعلقة بتعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد وعزل ابن عمه محمد بن نايف من منصبه.

بن سلمان وبن نايف

بن سلمان وبن نايف

مؤخرًا أيضًا، تصدر هاشتاج “#الملك_ينتصر_لقيادة_المرأة” موقع تويتر عالميًا، في أعقاب الأمر الملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة للمرة الأولى في تاريخ السعودية.

الكتائب الإلكترونية التي يقودها المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، تعمدت الهجوم بفضل ما تمتلكه من حسابات ضخمة، على ممثلي السياسة الإعلامية القطرية أمثال رئيس تحرير صحيفة “العرب” القطرية “عبدالله العذبة”.

ففي خضم الأزمة الخليجية تحدث العذبة عن فيديو قديم منسوب للملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز، وعلى الفور انهالت التغريدات المهاجمة والتي بدأها “القحطاني” عبر هاشتاج “إلا فهد لن تمر مرور الكرام”.

كما سعت الكتائب لتشويه بعض الهاشتاجات على حساب هاشتاجات أخرى، كما اتضح في هاشتاج “تويتر محجوب في الإمارات”  والذي تصدر وسوم الأزمة الخليجية، وكان مجرد كذبة للترويج الإعلامي وربطه بالمغردين القطريين واتهامهم بترويج أخبار كاذبة.

55 تغريدة بمليون دولار!

استخدام المال السعودي لتوجيه منصات التواصل الاجتماعي، في الأزمة الخليجية كنموذج، لم يتوقف عند حدود ما سبق بل تعداه إلى حملات خارجية مدفوعة الأجر من أجل تشويه قطر.

ففي سبتمبر الماضي كشفت مجلة “إنترناشونال بيزنس تايمز” تمويل السعودية حملة دعائية بالولايات المتحدة الأمريكية لمنع تمرير قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، والترويج لحربها ضد اليمن وتشويه صورة قطر.

المجلة قالت إن السعودية دفعت مليون دولار مقابل كتابة 55 تغريدة دعائية لها، وتنظيم حملات دعائية لتحسين صورتها في أمريكا، مشيرة إلى أن المملكة قدمت المبلغ لشركة “تارجتيد فيكتوري”، وهي شركة استشارات في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية في واشنطن.

إنترناشونال بيزنس تايمز

إنترناشونال بيزنس تايمز

وعرض التقرير، تفاصيل العلاقات المشبوهة بين السفارة السعودية في واشنطن والشركة، وإنشاء حملات إعلانية عبر حساب تويتر التابع لـ”العربية الآن” السعودي.

وتابع: “لطالما سعت حملة العلاقات العامة السعودية الطويلة الأمد في الولايات المتحدة لمعارضة قانون (جاستا)، وتأكيد صورة قطر المجاورة كممول للإرهاب، وتصوير المملكة بشكل عام على أنها إيجابية ومتطورة”.

 

الإمارات في الصورة

ووفق ما سبق، فإن السعودية استغلت المال من ناحية وكثرة أعداد المستخدمين بما فيهم الكتائب الإلكترونية من ناحية أخرى، للتحكم وتوجيه منصات التواصل الاجتماعي لخدمة أهدافها.

محمد بن زايد

محمد بن زايد

لكن لم تكن المملكة وحدها السائرة في هذا التوجه، بل تبعتها الإمارات بالمال أيضًا وبالضغوط التي تمارسها ضد الشركات، نظرًا لاحتضانها المكاتب الوحيدة لأكبر منصات التواصل الاجتماعي على مستوى الشرق الأوسط.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، تسابقت الشركات المالكة لمواقع التواصل في اختيار دبي مقرًا لمكاتبها الإقليمية في المنطقة، وبدأت “فيس بوك” عام 2012، تبعتها “تويتر” 2016، ثم “سناب شات” في 2017.

وفي أبريل الماضي، أصدرت دبي 215 رخصة ضمن “التاجر الإلكتروني“، وهو برنامج ترخيص المشاريع التجارية التي تدار عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.