يتسارع قطار التطبيع العربي ليشمل دولاً عربية جديدة كانت ترى في التطبيع خطأ أحمر لا يمكن تجاوزه، حيث فتح التطبيع المعلن لكلاً من الإمارات والبحرين الباب علي مصراعيه أمام بعض الأنظمة في المنطقة للركض خلف التطبيع، هرباً من فشلها في إدارة أزماتها الداخلية، وسعياً لإرضاء السيد الأمريكي حسب ما يرى مراقبون.

ويعتبر النظام العسكري في السودان أحدث هؤلاء اللاهثين خلف التطبيع، حيث ازداد الحديث مؤخراً عن اقتراب السودان من إعلان تطبيعه الكامل والمعلن مع إسرائيل، في مقابل رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ العام 1993، وشطب اسم السودان من قائمة الإرهاب الأمريكية، وهو ما ينذر باتفاق عار وشيك لاسيما مع التحفيز السعودي الكبير وتأكيد مصادر أن بن سلمان قرر دفع الملايين لتسريع إتمام الاتفاق.

تأكيد متبادل

وفي تطور لافت، كشف وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين، الخميس، عن الدولة العربية المقبلة التي ستطبع مع “إسرائيل” بعد الإمارات والبحرين.

وقال كوهين في مقابلة مع القناة “13” العبرية: إن “إسرائيل قريبة جداً من تطبيع العلاقات مع السودان”، مشيرا إلى أن تطبيع السودان مع “إسرائيل “من الممكن أن يكون نهاية الأسبوع الجاري”.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية كشفت النقاب عن تلقي “إسرائيل” رسالة تقضي بأن التطبيع مع السودان سيجرى قبل الانتخابات الأمريكية، وأضافت أنه بعد تسوية ملف تعويضات شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودفع تعويضات مالية للولايات المتحدة، فإن “إسرائيل” قد تلقت رسائل تفيد بأن التطبيع مع الخرطوم سيجرى قبل إجراء الانتخابات الأمريكية، المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.

من جهته، أبدى رئيس الحكومة الانتقالية في السودان، عبدالله حمدوك، استعدادا مشروطا للمضي في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وقال مصدران في الحكومة السودانية لرويترز، الخميس، إن حمدوك مستعد للتطبيع مع إسرائيل بمجرد موافقة البرلمان الانتقالي، الذي لم يُشكل بعد، على الخطوة.

وتمثل هذه التصريحات مؤشر على أن حمدوك، الذي يتعرض لضغوط من الولايات المتحدة، مستعد للتفكير في إقامة السودان علاقات مع إسرائيل.

وقال مصدر رفيع: “رئيس الوزراء حمدوك سيوافق على المضي في الخطوات التي بدأها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في إقامة العلاقات مع إسرائيل، شريطة أن يوافق المجلس التشريعي بعد تكوينه على قرار التطبيع مع إسرائيل”.

وقال المصدران الكبيران في الحكومة السودانية إن حذر الخرطوم يعكس مخاوف من أن تؤدي خطوة كبيرة كهذه على صعيد السياسة الخارجية، في وقت تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية عميقة، إلى إفساد التوازن الدقيق بين الجيش والمدنيين، بل وقد تعرض الحكومة أيضا للخطر.

لكن ربما أصبح الاتفاق بين السودان وإسرائيل أقرب، بعدما أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين إلى أن واشنطن سترفع الخرطوم من قائمتها للدول الراعية للإرهاب، وهو تصنيف يعرقل تخفيف أعباء الديون عن السودان.

اتفاق وشيك

وتبدو المؤشرات واضحة لتوقيع اتفاق تطبيعي وشيك بين الجانبين، حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة نادرة قام بها وفد إسرائيلي إلى العاصمة السودانية الخرطوم، الأربعاء، استعدادا للإعلان عن تطبيع العلاقات بين الجانبين.

وفي وقت سابق من مساء الأربعاء، قال موقع “واللا” العبري إن طائرة إسرائيلية حطت في العاصمة السودانية الخرطوم، في إطار الاتصالات الجارية لتطبيع العلاقات.

ولم يكشف الموقع تفاصيل بشأن من كانوا على متن الطائرة، التي قال إنها عادت إلى تل أبيب بعد ساعات. إلا أنه قال إن الطائرة سبق أن استخدمها مرارا مبعوثون رسميون من قبل الحكومة الإسرائيلية في مهام (لم يوضح طبيعتها) خارج البلاد.

والاثنين، نقلت هيئة البث الرسمية عن مسؤولين إسرائيليين، لم تسمهم، أنه من المتوقع صدور بيان رسمي حول إقامة علاقات بين تل أبيب والخرطوم “خلال أيام قليلة”.

وقال المسؤولون إنه من المنتظر أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هذه الخطوة، لافتين إلى أن البيان الذي سيعلنه ترامب سوف يصدر في غضون أيام.

كما أعلن رجل الأعمال السوداني أبو القاسم بُرطم عن تنظيمه رحلة شعبية إلى إسرائيل، تضم 40 رجلًا يمثلون فئات المجتمع السوداني، في سياق تعجيل وتيرة تطبيع العلاقات مع تل أبيب.

وقال بُرطم إنه سينفق 160 ألف دولار على الرحلة، وتستغرق 5 أيام في نوفمبر/تشرين أول المقبل، وذلك بغرض كسر الحاجز النفسي بين الشعبين السوداني والإسرائيلي، معتبرًا أن السودان خضع إلى “استلاب ثقافي”، وفق تعبيره، امتد إلى 60 سنة.

وأضاف: “أيًا كانت مسببات هذا الاستلاب؛ ثقافي أو ديني أو أيديولوجي، لكنه خلق بُعبُعًا داخل السودانيين وعداءً غير مبرَّر تجاه دولة إسرائيل”.

السعودية تدفع 

وفي سياق متصل، كشفت مصادر مصرية وسودانية خاصة كواليس ما يدور في الغرف المغلقة بشأن قرار رفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، وسيأتي قرار ترامب بعدما أودعت حكومة الخرطوم مبلغ 335 مليون دولار تعويضات لضحايا “الإرهاب” الأميركيين وعائلاتهم.

وقالت المصادر إن “المشاورات التي جرت مع أطراف سودانية حاكمة بشأن رفع السودان من القائمة، وكذلك انضمام الخرطوم إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل تطرقت إلى ضرورة استباق ذلك بخطوة مهمة للمواطنين الأميركيين، وهي التعويضات الخاصة للذين تضرروا من الإرهاب، والمقدَّرة بـ335 مليون دولار”.

وأوضحت أن هذا الشرط الأميركي اصطدم بالحالة الاقتصادية للحكومة السودانية، التي أكدت عدم قدرتها على تنفيذ أي اتفاقات حال التمسك بتلك الشروط.

لكن المصادر كشفت أن الأمور ظلت عالقة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق شامل، تقوم بمقتضاه السعودية، بعد تدخل مباشر من ولي العهد محمد بن سلمان، بتأكيد عزمها دفع قيمة التعويضات عن الحكومة السودانية، لتسريع إتمام الاتفاق، وليس كما قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك بتوفير تلك التعويضات من موارد بلاده.

وأوضحت المصادر أن الاتفاق يتضمن حزمة مساعدات مالية مباشرة ستقدمها كل من السعودية والإمارات، فور الإعلان الرسمي عن الالتحاق بـ”اتفاق إبراهام”، الذي سبقتهم إليه الإمارات والبحرين، وأخرى غير مباشرة في صورة استثمارات، عبر توجيه عدد من الشركات الأميركية العملاقة للتوجه إلى الخرطوم.