بمرور الوقت، ومع اقتراب إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يعيش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حالة من الترقب المشوب بالقلق، حيث يخشى بن سلمان من خسارة حليفه الأبرز دونالد ترامب والذي وفر له الحماية من المساءلة وسهل إفلاته من العقاب على ما ارتكب من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان خلال السنوات الأربع الماضية حسب ما يرى مراقبون.
رهان خاسر
ونشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا للكاتبة أنشال فوهرا، قالت فيه إن على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القلَق من المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جوزيف بايدن.
وقالت الكاتبة إن السعودية وضعت كل “بيضها” في سلة دونالد ترامب وراهنت عليه، وستجني عواقب هذا الرهان، مضيفةً أن محمد بن سلمان ربما يذرع قصره المموّه بالذهب جيئة وذهابا وهو يراقب بعصبية تطورات الانتخابات الأمريكية، خاصة أنه راهن على إعادة انتخاب دونالد ترامب عندما أعطى موافقة تكتيكية لقرار نظيره ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولو فاز بايدن فالموقف السعودي الذي جاء على حساب المشاعر الإسلامية حول العالم، سيُظهر بن سلمان معزولا. وفي بداية رئاسة ترامب، تقرّب ولي العهد السعودي من صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، وأشار إليه وضمنا للرئيس الأمريكي أنه “في الجيب”.
ولعب الشابان المبتدئان وكلاهما في الثلاثينات من العمر، دور رجل الدولة على المسرح العالمي وأقاما علاقة وثيقة. ومن الناحية الإستراتيجية، فقد عنى هذا تنسيقا ضد إيران، ودعما أمريكيا لصعود محمد بن سلمان إلى السلطة.
وشعر ولي العهد بالجرأة من الدعم الأمريكي له، وأظهر موقفا واثقا من طهران التي تنظر إليها الرياض كأكبر تهديد لموقفها القيادي الرسمي للعالم الإسلامي منذ الثورة الإيرانية في 1979.
ومن هنا ناسبت سياسة ترامب بإعادة فرض العقوبات على إيران إسرائيل وآل سعود. وبالمقارنة، وعد بايدن بالعودة إلى المفاوضات مع إيران. ولو حدث هذا وتم رفع العقوبات عنها، فسيكون لدى إيران المال الكافي لتوسيع تأثيرها في سوريا والعراق ولبنان واليمن.
وليس من الواضح الطريقة التي سيقوم فيها بايدن بالتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية في غياب العقوبات، وهو أمر يقلق السعوديين.
وبشكل عام، وصف بايدن السعودية بـ”الدولة المنبوذة” ووعد بمعاملتها بهذه الطريقة، كما دعم نتائج تحقيق المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) التي قالت إن جريمة قتل وتقطيع الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2018 لم تكن لتتم بدون موافقة ولي العهد عليها.
لا يجد طعم النوم
وفي ذات السياق، اعتبرت المعارضة والأكاديمية السعودية، مضاوي الرشيد،.في مقال لها في موقع “ميدل إيست أي” البريطاني، أن ابن سلمان مهدد بفقد حليفه المهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في حال فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن، مؤكدةً أنه “من الآن وحتى إعلان اسم الفائز، لن يجد ابن سلمان للنوم طعما؛ إذ يخشى أن يخسر شريكا عزيزا على قلبه في واشنطن؛ وهو الشريك الذي مكنه من الإفلات من المساءلة والمحاسبة على ارتكابه جريمة قتل بشعة”.
ولفتت الرشيد في مقالها، إلى أن ابن سلمان متوجس من رؤية بايدن في حال فوزه من التعامل معه، لا سيما أنه كان مهتما بالتصريح في ذكرى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت: “كان تصريح بايدين بمنزلة تنديد قوي بجريمة القتل التي ارتكبها عملاء سعوديون بحق خاشقجي، الذي كان مقيما في الولايات المتحدة منذ 2017. كما وعد بايدين بسحب الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، التي شنتها المملكة العربية السعودية في 2015”.
وأكملت قائلة “ما من شك في أن مثل هذا التصريح الصادر عن شخص، قد يصبح قريبا سيد البيت الأبيض، تولدت عنه موجات صادمة داخل الرياض”
وقالت “المضاوي”:أن ” كثيراً من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين نددوا بالمملكة العربية السعودية وحاكمها السلطوي لارتكابهم جرائم ضد مواطنيهم على أراضي البلدان الأخرى، وللاستمرار في تبني سياسة لا تتسامح على الإطلاق مع النشطاء والمعارضين، بينما نجم عن توفير ترامب الحماية لابن سلمان والحيلولة دون أن يخضع لمزيد من التدقيق، وربما العقوبات السماح لولي العهد بالتمتع بعامين من الأمن والسكينة، وهو ما قد لا يكون متاحا له فيما لو فاز بايدين في انتخابات الرئاسة”
وأكملت “فيما لو فاز بايدين بالانتخابات الأمريكية، سيغدو ابن سلمان في حالة استنفار دائم؛ فكل كلمة تخرج من البيت الأبيض لا تعرب عن تأييد للأمير الشاب، ولا تذكر الكونغرس بمركزية “العلاقة التاريخية” بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإنها تلقائيا ستفسر في الرياض على أنها موقف عدائي”.
“ومع ذلك، على المرء أن يكون حذرا إذ يستشرف تبدلا كبيرا في السياسة الأمريكية فيما لو تم انتخاب رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض. فالسجل السابق للقيادة الديمقراطية لم يشذ عن تقليد قائم منذ زمن طويل في الولايات المتحدة، يتمثل في دعم الوكلاء السلطويين في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية”
ملاحقة قضائية
وتأتي الانتخابات الأمريكية في وقت تتزايد فيه الملاحقات القضائية ضد ولي العهد السعودي في عدد من المحاكم الأمريكية، حيث نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا، تناولت فيه القضايا التي تتحرك في أمريكا ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويأتي التحرك القانوني في الأسابيع الماضية، في الوقت الذي تحاول فيه السعودية الدفاع عن مصالحها من النقد، في قضيتين رفعتا ضد ولي العهد منذ آب/ أغسطس الماضي، حيث تحضر الرياض نفسها لتغيير محتمل في البيت الأبيض بعد الانتخابات الأمريكية
والقضية الأولى المتعلقة بسعد الجبري مختلفة عن القضية التي تتهم محمد بن سلمان بإصدار الأمر لقتل وتقطيع جثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
إلا أن الحالتين تتهمان ولي العهد بخرق صارخ لحقوق الإنسان، وتعذيب قامت به حكومة متحالفة مع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. ورفع القضية الأولى ديفيد بريسمان عن الجبري، وكيث أم هاربر، عن خطيبة جمال خاشقجي، خديجة جنكيز وجماعة حقوق إنسان أنشأها أصدقاء للصحفي القتيل.
ويقول المحللون إن الحالتين تأتيان في وقت حساس للعلاقات الأمريكية- السعودية، وتهددان بالكشف عن “حكم بن سلمان الديكتاتوري”، في وقت شجب فيه الكثير من المشرعين الديمقراطيين وبعض الجمهوريين الكارثة الإنسانية التي تسبب بها الدعم السعودي للحرب الأهلية في اليمن.
ونقلت الصحيفة عن المحلل السابق في “سي آي إيه” بروس ريدل قوله إن السعوديين اكتشفوا متأخرا إمكانية عدم انتخاب الرئيس ترامب مرة ثانية، ولهذا “فسيواجهون واشنطن أكثر عداء مما كانت عليه قبل أربعة أعوام، وربما واشنطن أكثر عداء مما تعودوا عليه في الماضي”.
وصوت الكونغرس لوقف مبيعات السلاح بمليارات الدولارات للسعودية، ولكن القرار أجهضه فيتو الرئيس ترامب.
وقال ريدل الذي عمل مع جيل من القادة السعوديين قبل انضمامه لسي آي إي في 1977: “الرهانات عالية في الحقيقة للسعودية، ومن الصعب التفكير في شيء يمكنهم عمله لإرضاء النقاد في الولايات المتحدة، ولو ذهب ترامب فسيخسرون المدافع عنهم”.
اضف تعليقا