أعلنت أرمينيا وأذربيجان وروسيا عن اتفاق لوقف إطلاق النار في إقليم ناغورني قره باغ، ويسري بداية من يوم الثلاثاء 10 نوفمبر 2020. ويقضي الاتفاق بإعادة مناطق أذربيجانية محتلة، ونشر قوات حفظ سلام روسية.

وتأتي هذه التطورات بعد نجاح القوات الأذرية في السيطرة على أجزاء واسعة من الإقليم، واقترابها من عاصمته. وبينما نزل مواطنو أذربيجان إلى الشوارع ابتهاجا بانتصارهم، اقتحم أرمينيون غاضبون مقار حكومية  من بينها البرلمان، وذلك رفضا لاتفاق استسلام بلادهم.

وأقر رئيس الوزراء الأرميني “نيكول باشينيان” بهزيمة بلاده أمام أذربيجان، ونشر تدوينة على فيسبوك، قال فيها: “اتخذت قرارا صعبا للغاية سواء لنفسي أو لنا جميعا، وقعت على إعلان مع رئيسي روسيا وأذربيجان لإنهاء الحرب في قره باغ”.

فلماذا قبلت أرمينيا الاستسلام في الإقليم؟ وكيف قلب الدعم التركي الطاولة لصالح أذربيجان؟ وما الدور الذي لعبته الطائرات التركية المسيرة تحديدا في هذه المعركة؟

خطاب النصر

في خطاب متلفز، بثه التلفزيون الرسمي، أعلن الرئيس الأذربيجاني “إلهام علييف” انتصار بلاده بعد حرب استمرت بضعة أسابيع. وأكد أنه وقع اتفاقا مع قادة أرمينيا وروسيا يقضي بالوقف النهائي للمعارك التي اندلعت في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، عقب قصف أرميني على منطقة أذرية.

واعتبر “علييف” أن الاتفاق يعني استسلام أرمينيا وإنهاء سنوات طويلة من الاحتلال، مشددا على أن القادة الأرمن اتخذوا قرار وقف الحرب تحت وطأة الهزائم التي تجرعوها. ولفت “إلهام” إلى أن جيش بلاده  قصم ظهر الجيش الأرميني، وحرر 300 منطقة سكنية منذ أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.

وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار، ستستعيد أذربيجان 3 محافظات تحتلها أرمينيا في محيط إقليم قره باغ، وهي كلبجار بحلول 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وأغدام في موعد أقصاه 20 من الشهر نفسه، ولاتشين حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل. وتعهد الطرفان بتبادل أسرى الحرب.  

من جهته، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توقيع الاتفاق الثلاثي، والذي يقضي بوقف شامل للمعارك، وسريان وقف لإطلاق النار في الإقليم.

وأوضح بوتين أن القوات الأذرية والأرمينية ستبقى متمركزة في مواقع السيطرة الحالية لها، مضيفا أنه سيتم نشر قوات حفظ سلام روسية على خط التماس بين قره باغ وأرمينيا.

فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن بدء إرسال 1960 جندي روسي جوا من روسيا إلى ناغورني قره باغ، بموجب الاتفاق الثلاثي الذي ينص على أن القوات الروسية ستكون مجهزة بنحو 90 مدرعة، و380 قطعة من المعدات الخاصة، وستنتشر على طول خط التماس في قره باغ وعلى طول ممر لاتشين.

دور تركي حاسم

“شعب واحد في بلدين” شعار ترفعه جميع الأطياف السياسية والاجتماعية في تركيا على اختلافها، تعبيرا عن العلاقات المتينة التي تجمع بلدهم بأذربيجان.

 هذا الشعار تبلور إلى مواقف على الأرض، عقب اندلاع الحرب في إقليم “قره باغ”، حيث عملت تركيا على تقديم الدعم اللا محدود لحليفتها أذربيجان، سواء على الأرض أو على طاولة المفاوضات.

واتسم التدخل التركي العلني بالصرامة والسرعة رسميا وشعبيا إلى جانب أذربيجان، لدرجة أن أصدر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار تحذيرا لأرمينيا من أنها “ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان”.

وكانت السيطرة على منطقة “قره باغ” الجبلية الوعرة والمحاطة بالخنادق والتحصينات المنيعة، أمرا صعبا على الجيش الأذربيجاني، غير أن الأسلحة الحديثة وعلى رأسها الطائرات المسيرة جعل المهمة أسهل، وفق المعطيات على الأرض، وفق تصريحات القادة الأذريين.

 

وأكد الرئيس الأذربيجاني أن الطائرات التركية المسيرة لعبت دورا مهما في تقليل خسائر جيش بلاده، مشيرا إلى أن تلك الطائرات ووجودها بيد الجيش الأذربيجاني تزيده قوة.

ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، عن خبراء قولهم إن غالبية الأشرطة التي وزعها ونشرها الجيش الأذربيجاني لعمليات القصف في “قره باغ” تم تصويرها بواسطة هذا النوع من الطائرات.

وقال أحد الخبراء العسكريين، للهيئة البريطانية، إن مشغلي منظومات الدفاع الجوي الأرميني كانوا يحاولون جاهدين رصد طائرات TB2 الأذربيجانية المسيرة على شاشات أجهزة الرادار، ولكن هذه المنظومات مصممة للتصدي للطائرات المروحية والطائرات المقاتلة، ولذا فمن الصعوبة بمكان عليها أن تستشعر بوجود طائرات مسيرة صغيرة الحجم في الجو.

خسائر فادحة

وكشف موقع “كلاش ريبورت” أن خسائر أرمينيا العسكرية بسبب الطائرات المسيرة التركية، بلغت أكثر من مليار و 900 مليون دولار بعد تدمير 660 هدفا عسكريا.

وفي التفاصيل، دمرت تلك الطائرات 386 شاحنة أرمينية، إضافة إلى سيارات دفع رباعي و 167 معدة مدفعية، و 138 دبابة، و 90 راجمة صواريخ متعددة الإطلاق، و 49 مركبة قتالية ونقل جنود، و 31 نظام دفاع جوي، و 16 رادارا، و 10 محطات اتصال وتشويش.

وتحتل أرمينيا منذ العام 1992، نحو 20% من الأراضي الأذربيجانية، التي تضم إقليم “قره باغ” و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي “آغدام” و”فضولي”.

ولم تكن هذه المعركة هي الجولة الأولى من القتال بين البلدين، لكنها الأشرس في نوعها منذ عقود. فقد سبق للطرفين أن خاضا حربين حول المقاطعة نفسها، الأولى كانت بين عامي 1988 و1994، والثانية في عام 2016. ورغم الهدنة التي يتوصل البلدان إليها كل مرة؛ إلا أن جذور الخلاف حول المقاطعة ظلت قائمة.