لم تمضِ أكثر من 24 ساعة على إلقاء “جو بايدن” خطاب فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى سارع النظام المصري إلى الإعداد لحقبة ما بعد دونالد ترامب الذي يعتبر عبدالفتاح السيسي “ديكتاتوره المفضل”.

ويشكل رحيل ترامب عن البيت الأبيض، خسارة كبيرة للنظام الانقلابي لاسيما وأن الرئيس الخاسر كان من أكبر داعمي السيسي، ووفر له حماية من المساءلة عن جرائمه، فضلا عن منحه دفعات سياسية قوية.

وكشف موقع “فورين لوبي” الأمريكي أن السفير المصري لدى الولايات المتحدة “معتز زهران” قام بتوقيع عقد تتجاوز قيمته 65 ألف دولار شهريا مع شركة المحاماة “براونستاين هيات فاربر شريك” الإثنين الماضي، 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وهو أول يوم عمل بعد إلقاء جو بايدن خطاب النصر يوم السبت 7 نوفمبر/تشرين الثاني. 

وأكد الموقع أن القاهرة تعمل على جمع فريق ضغط قوي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يضم “نديم الشامي” المساعد السابق لزعيمة الأغلبية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، وعضو الكونغرس المتقاعد “إد رويس”، وهو جمهوري من ولاية كاليفورنيا، وسبق له أن ترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بين عامي 2013 و2018.

وعقب مغادرة ترامب، يخشى عبدالفتاح السيسي من إقدام الكونغرس على معاقبة نظامه، بسبب الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك وفاة المواطن الأمريكي مصطفى قاسم في السجن، في وقت سابق من العام الحالي.

استشارات إستراتيجية

وبحسب ملف التسجيل لدى وزارة العدل الأمريكية، فإن شركة المحاماة التي وقّع معها السفير المصري، ستقدم “خدمات ذات صلة بالعلاقات الحكومية، واستشارات إستراتيجية بشأن مسائل مطروحة أمام الحكومة الأمريكية”. وتبلغ مدة العقد مبدئيا عام واحد، وسيخضع لإعادة تقييم بعد ذلك.

وتوقع موقع “فورين لوبي” أن يشرف “نديم الشامي”، الرئيس السابق لموظفي بيلوسي، على الفريق. ويعد نديم موظفا مخضرما، حيث عمل في مقر الكونغرس مدة 25 عاما مع رويس. ووُلد الشامي في الولايات المتحدة، لكنه قضى طفولته المبكرة في مصر.

كما انضم للفريق اثنين من شركاء الشركة، وهما الجمهوري المخضرم “مارك لامبكين” مدير مكتب الشركة في واشنطن، وجامع التبرعات الديمقراطي البارز “ألفريد موتور”، إضافة إلى مدير السياسات “دوغلاس ماغواير”.

لاعبون سابقون

أكثر ما يخيف النظام المصري، هو عودة بعض اللاعبين الأمريكيين البارزين، والذين تُلقي القاهرة عليهم اللوم في انتفاضة “الربيع العربي”، وسقوط الرئيس الراحل حسني مبارك من السلطة، عقب تظاهرات عارمة عمّت مدن البلاد.

وكان الرئيس الانقلابي قد سارع إلى تهنئة بايدن عندما اتضح أنه سيكون الفائز في السباق الرئاسي. 

وتعليقا على علاقة مصر مع إدارة جو بايدن، أكد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وزير الخارجية المصري الأسبق، عمرو موسى، أن نتائج الانتخابات الجديدة في أمريكا، وضعت على عاتق مصر “مسؤولية كبيرة، لإعادة التفاهم وطرح السياسية المصرية، والمصلحة المصرية، والمصلحة الإقليمية”.

وأشار موسى إلى أن هناك موضوعات كثيرة تحتاج إلى شرح للإدارة الأمريكية الجديدة، مثل سد النهضة، والأزمة الليبية، وسوريا، والقرن الإفريقي. موضحا أن القاهرة “تحتاج إلى مساعدة واشنطن في ملف سد النهضة، وملفات كثيرة أخرى”.

ودعا عمرو النظام المصري إلى عدم الخوف من السياسات الأمريكية الجديدة في ظل قيادة الرئيس المنتخب جو بايدن، لكنه في نفس الوقت شدد على أهمية التفاهم مع الولايات المتحدة والتعامل معها بحذر وحكمة وعلى درجة من الرصانة.

كما دعا موسى، إلى ضرورة أن تعمل الحكومة المصرية على تشكيل لوبي قوي في الولايات المتحدة لمخاطبة المؤسسات الأمريكية المختلفة، ولتوطيد العلاقات بشكل أعمق مع الأمريكان، وذلك على غرار اللوبيات الأخرى الموجودة بأمريكا، منوها إلى أن “اللوبي الإماراتي” يُعد من أقوى اللوبيات هناك.

ويتهم سيناتورات و نواب أمريكيين الرئيس دونالد ترامب بتجاهل انتهاكات السيسي بشكل مخالف للمصالح الأمريكية، لاسيما ما يتعلق باحتجازه لعدد من المواطنين الأمريكيين، إضافة إلى وضع مصر على مسار ينتهي باضطرابات مستقبلية.

وفي شهر أكتوبر الماضي، وجّه 56 مشرعا من الحزب الديمقراطي رسالة إلى الرئيس المصري طالبوا فيها بإطلاق سراح معتقلين قالوا إنهم سجنوا ظلما ولأسباب غير عادلة.

وحذر المشرعون من أن الديمقراطيين لن يتصالحوا مطلقا مع انتهاكات حقوق الإنسان إذا فاز جو بايدن بالرئاسة. وتحدثت الرسالة عن أكثر من 20 معتقلا -بينهم نشطاء ومحامون ومعارضون سياسيون وصحفيون- قالت إنهم سجنوا بسبب ممارسة حقوقهم الأساسية.

وقال النائب الديمقراطي “رو خانا”: “أعتقد أنه عندما تتغير الإدارة الأمريكية، كما نأمل، سيكون هناك توجه سياسي أمريكي مختلف في الشرق الأوسط والعلاقة مع مصر سيتم إعادة تقييمها ليعود احترام حقوق الإنسان أولوية”.

خسائر الانقلابي

وما يؤكد جدية “بايدن” في وضع حد لسياسات النظام المصري وانتهاكاته، خاصة المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات السياسية، لاسيما بعد أن أطلق عبارته الشهيرة: “لا مزيد من الشيكات على بياض لدكتاتور ترامب المفضل”.

وفي يوليو/تموز الماضي، وجه جو بايدن، رسالة تهديد إلى السيسي، أعلن فيها رفضه لاعتقال وتعذيب الناشطين أو التعرض لعائلاتهم، مؤكدا: “لن نقدم مزيدا من الصكوك البيضاء لديكتاتور ترامب المفضل (في إشارة إلى السيسي)”.

وجاءت تصريحات “بايدن” تعليقا منه على خبر نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية حول “عودة عماشة” الذي يحمل الجنسيتين المصرية والأمريكية، إلى الولايات المتحدة، بعد أن أمضى 486 يوما في السجون المصرية لحملة لافتة احتجاجية.

وعلى صعيد متصل، عدّد مدير مركز العلاقات المصرية الأمريكية صفي الدين حامد، خسائر الرئيس الانقلابي: “لقد خسر السيسي الكثير، أولا خسر دعم القوة العظمى حتى إشعار آخر، لكن ذلك لن يكون بهدف تقويض حكمه وإنما للحيلولة دون استمرار سياساته المتشددة”.

وفي حديث لشبكة “الجزيرة”، اعتبر حامد أن الخسارة الثانية هي ارتباك هيكلي في تحالف السيسي الإستراتيجي مع “محور اليمين المتطرف” والذي يشمل السعودية والإمارات وإسرائيل، وأتباع التطبيع، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى كبح جماح هذا المحور الذي عاث فسادا.

وتتمثل الخسارة الثالثة، في إضعاف موقف نظام السيسي خارجيا بصفة عامة، وأمام المعارضة المصرية بصفة خاصة، واتسام العلاقة بين الطرفين (الأمريكي والمصري) بالفتور والتوتر والترقب تارة والتوبيخ والزجر تارة أخرى.