مع اقتراب انعقاد قمة مجموعة العشرين في المملكة العربية السعودية، تتعالى الأصوات الحقوقية المطالبة بمقاطعة القمة وذلك نظرا لما تمثله القمة من إضفاء للشرعية على الانتهاكات التي يمارسها النظام السعودي لحقوق الإنسان، بدءا بجرائمه الموثقة بحق المدنيين في اليمن، واعتقاله لنشطاء حقوق الإنسان وتعذيبهم داخل السجون، وصولاً لملاحقة المعارضين واغتيالهم بفرق الموت التابعة لابن سلمان كما حدث مع الصحفي المغدور داخل قنصلية بلاده جمال خاشقجي.

وتعد مجموعة العشرين منتدى اقتصاديا دوليا، يقام سنويا، وتستضيفه إحدى دول المجموعة المكونة من 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وتشكل 80% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و75% من التجارة العالمية، و65% من سكان العالم.

 

دعوات للمقاطعة

 وفي تطور لافت، دعت قبيلة الحويطات السعودية وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب لمقاطعة قمة مجموعة العشرين المزمع عقدها في المملكة، بعد أن أجبروا على ترك ديارهم وترحيلهم من موطنهم لبناء مدينة نيوم وفق رؤية 2030 التي يقف وراءها ولي العهد “محمد بن سلمان”.

وأرسل محامي القبيلة في المملكة المتحدة رودني ديكسون، يوم الأربعاء، رسالة إلى راب، بحسب صحيفة التلغراف البريطانية.

ونصت الرسالة على أن الوقوف إلى جانب القبيلة “واجب أخلاقي”، بعد أن أُجبرت على ترك المنطقة الشمالية الغربية من المملكة العربية السعودية حيث عاشت قروناً.

وقالت الرسالة أيضاً: إن “قبيلة الحويطات ضحية الانتهاكات الجسيمة المستمرة لحقوق الإنسان من قبل حكومة المملكة العربية السعودية”.

وفي ذات السياق، دعا البرلمان الأوروبي إلى خفض مستوى التمثيل في قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها الرياض، عبر الفيديو يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؛ بسبب “انتهاكات حقوق الإنسان”، وهو ما عده مراقبون انتكاسة للمملكة وجهودها.

وأصدر البرلمان بيانا بهذه التوصية للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، وقال إن هدفها “تجنب إضفاء الشرعية على الإفلات من العقاب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، وعمليات الاحتجاز غير القانونية والتعسفية” في السعودية.

وطالب البرلمان، في رسالة إلى كل من رئيس المجلس الأوروبي “شارل ميشال”، ورئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”، بوضع حقوق الإنسان في صلب جميع مناقشات مجموعة العشرين.

ومن المقرر أن يشارك المسؤولان في القمة إذا لم يؤخذ بتوصية البرلمان الأوروبي.

وحثت الرسالة على اغتنام مناسبة القمة، للمطالبة بالإفراج عن جميع سجناء الرأي والمدافعات عن حقوق الإنسان في السعودية، وبمحاسبة حقيقية للضالعين في اغتيال الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.

ولأجل فرض المزيد من الضغط لتنفيذ هذه التوصية، فإن نوابا أوروبيين نظموا حملة داخلية لجمع تواقيع تدعو إلى “خفض مستوى مشاركة الاتحاد الأوروبي”، وفق الوثيقة.

ويذكر نص الوثيقة أنّ للسعودية “تاريخا طويلا” لناحية “إسكات الأصوات، وسيكون من غير المناسب أن تنظم قمة مجموعة العشرين”.

ووفقا للوثيقة، لا يجب منح “شرعية لحكومة ترتكب انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان عبر السماح لها باستضافة واحدة من أبرز القمم في العالم”.

 

مطالبات حقوقية

وفي ذات السياق، طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في بيان لها، قادة “مجموعة العشرين” بمحاسبة السعودية على “سلوكها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان”.

وقالت المنظمة إن على الدول الأعضاء في “مجموعة العشرين” الضغط على السعودية للإفراج عن جميع المحتجزين بصورة غير قانونية وتوفير المساءلة عن الانتهاكات السابقة قبل قمة قادة مجموعة العشرين الافتراضية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. 

وقال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ترؤّس مجموعة العشرين منح مكانة دولية غير مستحقة لحكومة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدلا من إبداء قلقها بشأن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السعودية، تُعزز مجموعة العشرين الجهود الإعلانية الممولة جيدا للحكومة السعودية الرامية إلى تصوير البلاد على أنها “إصلاحية” رغم ازدياد كبير في القمع منذ 2017″.

وتقول المنظمة إن “العامين اللذين انقضيا منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي بوحشية على يد عملاء سعوديين لم يتخللهما أي مساءلة المسؤولين رفيعي المستوى متورطين في الجريمة. منذ ذلك الحين، أنفقت السعودية مليارات الدولارات لاستضافة أحداث ترفيهية، وثقافية، ورياضية كبرى كاستراتيجية متعمّدة لتغيير صورة البلد كمنتهك لحقوق الإنسان”.

وتقول المنظمة إنه ينبغي لدول مجموعة العشرين “المساعدة في منع محاولات السعودية الرامية إلى حرف الأنظار عن انتهاكاتها عبر استضافة مجموعة العشرين”.

وطالبت المنظمة قادة دول “مجموعة العشرين” بدعوة السعودية للإفراج غير المشروط عن جميع النشطاء الحقوقيين السعوديين المُتهمين بتهم غامضة بسبب نشاطهم.

 

رؤية للإصلاح

وفي سياق متصل، أطلق ناشطون سعوديون رؤية شعبية للإصلاح لتصحيح ما يسمى برؤية السعودية 2030، وذلك قبل قمة مجموعة العشرين التي ترأسها المملكة والمرتقبة في 21 من الشهر الجاري.

وتضمنت الرؤية مجموعة من المطالب الرئيسية أهمها السماح بالحق في التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، ومكافحة الفساد.

وجاءت الرؤية في وثيقة وقعها 19 ناشطا وأكاديميا ومفكرا سعوديا بارزا ، بما في ذلك الأكاديمية السعودية “مضاوي الرشيد”، والناشط البارز “عمر بن عبدالعزيز الزهراني”.

ووفق الوثيقة فإن هذه الرؤية، هي مبادرة سياسة، تركز على 13 نقطة حقوقية يجب أن تتخذها الحكومة السعودية لتحقيق شرعية سياسية أساسية على الصعيدين المحلي والدولي ، والوفاء في النهاية بوعودها للإصلاح في إطار خطة رؤية السعودية 2030 التي تحوي على عدد من الإشكالات.

وللرؤية، “أهداف رئيسية ثلاثة: أولاً ، أن يتم تعزيز تطلعات الشعب بتحقق الحريات الأساسية وإضفاء الشرعية عليها ، بما في ذلك القدرة على العيش بأمان”.

ثانيًا، أن “تستفيد منه السلطات السعودية كمشروع حقيقي للإصلاح، لإشراك المجتمع الذي تدعي محاولة إشراكه عندما تدعو القوى الأجنبية للتعاون معها لإنشاء مجتمع مُصلح وشامل تدعي أنها تسعى وراءه عند محاولة إغراء القوى الغربية للقيام بأعمال تجارية في المملكة”.

والهدف الثالث، أن الرؤية مقدمة إلى “صناع القرار والمجتمعات المدنية لمعرفة ما الذي يجب فعله وكيف يمكن تقييم دعاوى السلطات بنيتها للإصلاح”.

ومن أهم نقاط أو مطالب الرؤية الشعبية، دعوة السلطات إلى الإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي، مشيرة إلى أنه “لا يجوز اعتبار ناشطي حقوق الإنسان والأكاديميين والصحفيين ومواطنين ومقيمين على أنهم أعداء وخصوم كما هو الحال الآن – فهم لبنات أساسية للإصلاح، وكتاباتهم وآراؤهم ونقدهم ودعوتهم للإصلاح الاجتماعي والسياسي في صالحنا جميعًا”.

ووفق الوثيقة، فإن “الرؤية الشعبية تمثل الفقرة المفقود في رؤية السعودية 2030، وتقدم وجهة النظر الشعبية الأساسية للإصلاح، وتجعل حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية محورًا ومنطلقًا لها” .

من جانبه، قال “عبدالله العودة”، الباحث القانوني والناشط السعودي أحد مقدمي الرؤية، إنه “مع استضافة المملكة مجموعة العشرين لهذا العام ، نعتقد أنها لا تستطيع تحقيق الهدف المركزي لمجموعة العشرين المتمثل في التنمية المستدامة دون احترام حقوق وحريات الناس”.