منذ بداية تفشي جائحة كورونا مطلع هذا العام، وقطاع الطيران الإماراتي يعاني من أزمات طاحنة، تكبد علي إثرها القطاع خسائر فادحة لم يشهدها منذ عقود طويلة، بالإضافة لتسريح آلاف العاملين وتنحي كبار المسؤولين عن شركات الطيران الكبرى في الإمارات، ما ينذر بحالة من الإفلاس قد تشهدها هذه الشركات على المدى القريب، مع تطور الأزمة ودخول الموجة الثانية من وباء كورونا حسب ما يرى مراقبون.

خسائر فادحة

وفي تطور غير مسبوق، أعلنت شركة “طيران الإمارات” تسجيل خسائر بقيمة 3.4 مليارات دولار بحسب نتائجها نصف السنوية، في أول خسائر لواحدة من أكبر مجموعات النقل الجوي في الشرق الأوسط منذ ثلاثة عقود تأتي في ظل تأثيرات فيروس كورونا المستجد.

وقال الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات، أحمد بن سعيد آل مكتوم، في بيان يوم الخميس: “بفعل هذه الأوضاع غير المسبوقة التي أصابت قطاع الطيران والسفر، سجلت مجموعة الإمارات خسائر نصف سنوية للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عاماً”.

وبلغت إيرادات الشركة 11.7 مليار درهم (3.2 مليارات دولار) بتراجع 75%، وخسارة 12.6 مليار درهم (3.4 مليارات دولار)، مقابل أرباح 862 مليون درهم (235 مليون دولار) العام الماضي، كما سجلت عمليات الشحن مساهمة قوية في العائدات.

وعزت الشركة انخفاضها الحالي بشكل أساسي لتفشي جائحة كورونا التي شلّت حركة السفر الجوي أسابيع كثيرة، بعد قيام معظم دول العالم بإغلاق حدودها وفرض قيود على السفر، وفي إطار الإجراءات الاحترازية توقفت رحلات الركاب المنتظمة في دبي لمدة 8 أسابيع خلال شهري أبريل ومايو.

كما نقلت طائرات الشركة 1,5 مليون مسافر فقط، بانخفاض بنحو 95% عن عدد الركاب في الفترة ذاتها من 2019.

وقبل تفشي الفيروس، كانت أكبر شركة طيران في الشرق الأوسط تنقل عشرات ملايين المسافرين سنوياً من وإلى دبي التي تشكّل السياحة فيها شريان حياة منذ أكثر من عقدين، وقد استقبلت أكثر من 16,7 مليون زائر العام الماضي.

ودفعت إجراءات تعليق الرحلات وتراجع أعداد المسافرين الشركة إلى تسريح نحو تسعة آلاف من موظفيها بحسب رئيس مجلس الإدارة تيم كلارك، حيث يصل عدد موظفي المجموعة لـ 60 ألف شخص بينهم 4300 قائد طائرة.

و”طيران الإمارات” أكبر مشغّل لطائرات “إيرباص 380” الضخمة، وكانت المجموعة أعلنت في السابق عن خطط لبدء تنويع أسطولها وشراء طائرات أصغر حجماً.

في ذات السياق، سجلت شركة “العربية للطيران” الإماراتية خسائر صافية قدرها 44 مليون درهم (12 مليون دولار) خلال الربع الثالث المنتهي بتاريخ 30 سبتمبر 2020.

تسريح العاملين

شركة “الاتحاد للطيران” الإماراتية لم تكن أحسن حالاً من سابقاتها، حيث حذرت الشركة طياريها من عمليات تسريح اضطرارية فوريةٍ ؛ في ظل عدم تعافي الطلب على السفر على النحو المتوقع.

وقالت الناقلة الوطنية لإمارة أبوظبي في رسالة وجهتها إلى موظفيها،: إن “الحقيقة القاسية هي أنه على الرغم من كل الآمال، فإن قطاعنا ببساطة لا يتعافى بسرعة كافية”، مضيفة: “سنظل شركة طيران أصغر بكثير لبعض الوقت”.

ومدَّدت “الاتحاد” تخفيضات رواتب موظفيها حتى نهاية 2020 بنسبة 10 بالمئة، بدلاً من نسب خفض سابقة تتراوح بين 25 بالمئة و50 بالمئة التي أقرتها في مارس الماضي، بجانب تسريح العمالة.

ومُنيت “الاتحاد” بخسائر بلغت 5.62 مليارات دولار في الأعوام الأربعة قبل 2020، وخفضت الوظائف والأجور؛ في ظل تفاقم الخسائر هذا العام. 

قالت الشركة إنها تكبدت خسارة قدرها 758 مليون دولار في النصف الأول؛ بسبب انخفاض حركة الركاب بنحو 60% على خلفية انتشار فيروس كورونا.

ونقلت الاتحاد 3.5 مليون راكب في الأشهر الستة المنتهية في 30 يونيو 2020، مقارنة بـ 8.2 ملايين في نفس الفترة قبل عام، وفق ما أعلنته الشركة في بيان الخميس.

وفي مارس الماضي، قالت الشركة المملوكة لحكومة أبوظبي، إنها سجلت صافي خسائر بقيمة 870 مليون دولار خلال 2019، نزولاً من 1.28 مليار دولار في 2018، و1.52 مليار دولار في 2017.

وفي أبريل الماضي، خفضت “الاتحاد للطيران” رواتب عامليها بالإدارة إلى النصف مؤقتاً، مع خفض أجور موظفين آخرين بمقدار الربع، بسبب تأثير أزمة كورونا على الطلب.

وبدأت الشركة تشغيلاً جزئياً لرحلاتها في يونيو الماضي، مع تطبيق إجراءات وقائية للحد من انتشار الفيروس وسط المسافرين والموظفين وأطقم الطائرات بعد أن علقت تلك الرحلات في مارس بسبب تفشي الفيروس.

تنحي مسؤولين

في سياق متصل، وعلي إثر الخسائر المتلاحقة، أعلنت شركة “الاتحاد للطيران” الإماراتية، عن عزم رئيس الشؤون التجارية على التنحي عن منصبه، في إطار إعادة هيكلة واسعة النطاق للإدارة، في وقت تواجه فيه الشركة صعوبات من جراء كورونا.

وأشار بيان للشركة، إلى أن “روبن كامارك سيغادر هو و3 مسؤولين تنفيذيين كبار آخرين، الشركة ليتولى أعضاء آخرون بالإدارة مهامهم”.

وعزت “الاتحاد” التغييرات إلى تأثير كورونا، وقالت: “هذا جزء من خطط لتقليص حجم الشركة إلى ناقلة متوسطة، في إطار إعادة تنظيم أعلِنَت قبل عامين”.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي للشركة توني دوغلاس: “بصفتنا شركة أعمال تجارية تتحلى بالمسؤولية، لن يكون بإمكاننا مواصلة عملية التكيف التدريجي مع سوق عمل نرى بوضوح، أنها تغيرت على مدى المستقبل المنظور”، وفقاً لـ”رويترز”.

وكانت الشركة تأمل أن تُحوِّل أبوظبي إلى مركز رئيس لحركة النقل الجوي، على غرار جارتها دبي، وهي لم تعلن بعد عن الخطوط العريضة لرؤيتها لناقلة متوسطة الحجم.

وعمّقت جائحة كورونا أزمة الشركة التي تعرضت لخسائر متواصلة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، بسبب استثماراتها الفاشلة في أوروبا، وتراجع حركة السفر من وإلى الإمارات، مع تراجع النمو الاقتصادي وتقلص حركة موظفي الشركات.

من جانبها، توقعت صحيفة “ليزيكو” الفرنسية إفلاس “الاتحاد للطيران” الشركة الوطنية الإماراتية، بفعل انتشار فيروس “كورونا المستجد”، والصدمة الاقتصادية التي أحدثها، وهشاشة صناعة الطيران.

وأكدت الصحيفة، في تقرير لها، أن عدداً من شركات الخطوط الجوية باتت مهدَّدة بالاختفاء، بفعل انتشار فيروس كورونا.

وقالت الصحيفة: “ستفلس الشركات التي لديها تكاليف تشغيلية كبيرة أو تتعرض بشدة لقيود الطيران، كالخطوط الجوية التايلاندية والاتحاد للطيران، وخطوط جنوب أفريقيا الجوية، وطيران الهند، والنرويجية، والخطوط الجوية الفلبينية، وغارودا إندونيسيا وإيروفلوت”.

وكان اتحاد النقل الجوي الدولي أشار إلى أن خسائر الطيران بسبب “كورونا” قد تصل إلى أكثر من 84 مليار دولار هذا العام، وهو الأكبر في تاريخ القطاع، كما أثر وباء كورونا على قطاع الطيران العالمي، وتسبب بخسارة الآلاف لوظائفهم، في ظل إغلاق استمر أشهراً، ولم يعد لسابق عهده حتى الآن.