خلال مؤتمر صحفي، عقده بمدينة القدس المحتلة، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 19 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، تعهد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، بتصنيف حركة مقاطعة إسرائيل العالمية (BDS) “معادية للسامية”.
وقال بومبيو مخاطبا نتنياهو: “أريدك أن تعلم أننا سنتخذ خطوات على الفور لتحديد المنظمات التي تشارك في سلوك المقاطعة البغيض، وسحب دعم الحكومة الأمريكية لمثل هذه الجماعات”. ووصف الوزير حركة مقاطعة إسرائيل بـ”السرطان”.
وردّت “BDS” على مايك بومبيو، بإصدار بيان استنكرت فيه تصريحاته، وتعهدت بمواصلة نشاطاتها حول العالم.
وقالت الحملة “إن تحالف ترامب-نتنياهو المتطرف في عنصريته وعدائه للشعب الفلسطيني يخلط عمدا بين رفض نظام الاحتلال والاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والدعوة لمقاطعته من جهة، والعنصرية المعادية لليهود كيهود من جهة أخرى”.
وأضافت: “إن حركة المقاطعة هي من أجل الحرية والعدالة والمساواة للشعب الفلسطيني وتقف مع كل أولئك الذين يكافحون من أجل عالم أكثر كرامة وعدالة وجمالا، وبدعم شركائنا العديدين عالميا”.
وأكدت في بيانها: “سنقاوم هذه المحاولات المكارثية والبلطجية من قبل الإدارة الأمريكية لترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان لفرض نظام الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي علينا كقدر محتوم”.
من هي BDS؟
حركة المقاطعة هي حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد، تأسست في يوليو/تموز من عام 2005، على أيدي مجموعة كبيرة من الاتحادات والنقابات العمالية والجمعيات الأهلية في الأراضي الفلسطينية. وتُعد “أكبر ائتلاف بالمجتمع المدني الفلسطيني في الوطن والشتات”.
وتنشط في العديد من البلدان، منها الدول الأوروبية. وتنظّم أنشطة مختلفة لإقناع الشعوب بعدم شراء بضائع المستوطنات، ومقاطعة إسرائيل في المجالات “الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والسياسية والدبلوماسية”.
وحسب موقعها الإلكتروني فإن حركة المقاطعة هي “حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات”.
وتجمع BDS الأحرف الأولى من كلمات: (Boycott-Divestment-Sanctions) والتي تعني “المقاطعة – سحب الاستثمارات – فرض العقوبات”، وهي الإجراءات الثلاثة التي تتبناها الحركة في عملها ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ضمن سلسلة تحركات محلية وعالمية تسعى بالأساس لإنهاء الاحتلال وضمان حق عودة الفلسطينيين لأراضيهم التي هُجروا منها بعد حرب 1948، وضمان حقوقهم داخل أراضيهم.
نجاحات كبيرة
وتؤكد حركة المقاطعة أنها كانت عاملا رئيسيا وراء انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل بنسبة 46% سنة 2014، بالمقارنة مع عام 2013، وذلك وفقا لتقرير للأمم المتحدة.
فيما تكررت شكاوى الشركات الإسرائيلية المصدرة، من ازدياد صعوبة تصدير منتجاتها إلى أوروبا. وكشف تقرير للبنك الدولي أن الصادرات الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة انخفضت بنسبة 24% في الربع الأول من سنة 2015.
وتكشف تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي وخبراء آخرون وجود أثر اقتصادي واضح لحركة المقاطعة على إسرائيل، ومن الممكن أن يزداد هذا الأثر بنمو وتطور الحركة.
نعرض لكم بعض أبرز نتائج حملات المقاطعة ضد إسرائيل في السنوات الأخيرة:
في عام 2014 صوتت بعض الكنائس الأمريكية لصالح سحب استثماراتها من شركات وبنوك متعاونة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ذات العام، خسرت شركة المياه الإسرائيلية “ميكوروت” عقودا في البرازيل والأرجنتين والبرتغال وهولندا، بعد تورطها في توزيع مياه بالأراضي الفلسطينية المحتلة على أسس عنصرية.
وقام ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي PGGM، بسحب استثماراته من أكبر 5 بنوك إسرائيلية. كما قام صندوق “جورج سوروس” ببيع جميع أسهمه في شركة “صودا ستريم” الإسرائيلية. وأغلقت الشركة مصنعها بمستوطنة “ميشور أدوميم” بعد حملات المقاطعة ضدها.
أما في عام 2015، ألزم البرلمان الأوروبي المستوردين بوسم البضائع المنتجة في مستوطنات إسرائيلية بعلامة “منتج في مستوطنة إسرائيلية”، وبالتالي حُرمت بضائع المستوطنات من الاستفادة من المعاملات التجارية التفضيلية الأوروبية. فيما قامت شركة مواد البناء الإيرلندية CRH، بإعلان إنهاء أعمالها في السوق الإسرائيلية.
وفي عام 2017، أقصى صندوق “سامبنسيون”، وهو ثالث أكبر صندوق استثماري للمعاشات التقاعدية في الدنمارك، 4 شركات من مداولات سنداته العلنية بسبب عملها في المستوطنات الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي.
كما صوتت كنيسة “المنونايت” الأمريكية على سحب استثماراتها من الشركات المستفيدة من الاحتلال، وجاءت نسبة التصويت كاسحة 98%.
وأيضا تبنى أكبر اتحاد لنقابات العمال النرويجية (LO) المقاطعة الدولية الشاملة لإسرائيل، ويمثل الاتحاد نحو مليون عامل نرويجي.
وفي عام 2018، أيد مجلس الطلبة في جامعة “جورج واشنطن” قرارا يدعو فيه الجامعة إلى سحب استثماراتها من تسع شركات متورطة في أنشطة الاحتلال. فيما أعلن بنك HSBC، البريطاني سحب استثماراته بالكامل من شركة “إلبيت” الإسرائيلية، وهي أكبر شركة تصنيع أسلحة إسرائيلية خاصة.
وفي 2019، دعا الاتحاد الأوروبي لنقابات الخدمات العامة، الذي يمثل 8 ملايين عاملٍ في الخدمة العامة، إلى تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب الانتهاكات المتكررة لأحكام حقوق الإنسان.
كما خفضت جنوب إفريقيا مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، من سفارة إلى مكتب اتصال. وقال الرئيس “سيريل رامافوسا” إن هذا يرجع إلى “قلقنا من الانتهاك المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”.
في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري في 21 آذار/مارس، لا تزال فلسطين قابعة تحت أسوأ وأطول نظام استعمار استيطاني عنصري في العصر الحديث. ولذا، نكمل المسيرة التي بدأناها منذ أعوام لتنظيم هذا الأسبوع تحت شعار "متحدون ضد العنصرية والاستعمار".
— حركة مقاطعة اسرائيل (@BDS_Arabic) December 11, 2019
تضييق غربي
ونتيجة لهذه النجاحات، شنت تل أبيب حربا شرسة وواسعة على حركة مقاطعة إسرائيل، لاسيما وأنها تسببت بخسائر كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي.
واستعانت حكومة بنيامين نتنياهو بمنظمات يمينية متطرفة، ورصدت مبالغ كبيرة لمحاربة حركة المقاطعة “BDS” كونها باتت تشكل خطرا استراتيجيا على الأمن القومي للاحتلال، وتساهم إلى حد كبير في تأليب الرأي العام الدولي ضد إسرائيل، الأمر الذي يزيد عزلتها الدولية في جميع أنحاء العالم.
وانخرطت حكومات غربية في الحرب على حركة BDS، ففي بريطانيا، أعلنت حكومة المحافظين عزمها منع السلطات المحلية من المشاركة في الحركة. وأشار رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون” في بيان لحزبه، إلى حركة المقاطعة، باعتبارها إحدى الأشياء التي “تقوض تماسك المجتمع”.
أما في ألمانيا، فقد تبنى البرلمان هناك، قرارا يعتبر حركة مقاطعة إسرائيل “معادية للسامية”، إضافة إلى منع تمويلها من قبل مؤسسات الدولة أو تقديم التسهيلات مثل قاعات البلدية لفاعلياتها.
من جانبه دعا النائب العام الأسترالي وعضو البرلمان كريستيان بورتر، بلاده إلى مكافحة BDS قانونيا من خلال تغيير الوضع القانوني لقضية اللاسامية. ووافق البرلمان النمساوي على قرار مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل واعتبرها “لاسامية”.
وكان القضاء الفرنسي قد أدان ناشطين في الحركة بـ”التحريض على التمييز”، لكن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبرت ذلك الحكم انتهاكا للمادة 10 (حرية التعبير) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، لحرمانه النشطاء السلميين من حقهم بالتعبير عن الرأي.
فيما صدّق مجلس الشيوخ الأمريكي، بأغلبية واسعة، على قانون ضد الحركة، ويسمح مشروع القانون، بعد إقراره، للحكومة المركزية أو الحكومات المحلية بسحب استثماراتها من أي دولة أو كيان ينخرط في نشاطات حركة بي دي أس، التي تستهدف إسرائيل أو الأشخاص أو الشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
اضف تعليقا