من سيضمن حق الفقراء في لقاح فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”؟ وهل سيحصلون عليه في نفس الوقت الذي قد يحصل عليه فيه الأغنياء؟.. أسئلة باتت مطروحة بقوة، خلال الفترة الماضية، مع توالي إعلان معاهد بحثية عالمية، عن تسجيل لقاحاتها فعالية بنسبة عالية. كما طُرحت هذه القضية في “قمة العشرين” التي استضافتها السعودية.

ويتخوف كثيرون من أن تسعى بعض الدول إلى احتكار اللقاحات لأغراض تجارية بحتة، وهو ما قد يهدد مستقبل العلاقات الإنسانية، ويزيد من معاناة مليارات الأشخاص الذين يعيشون في دول فقيرة الموارد.

وفي 18 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، أعلنت شركة “فايزر”، أن لقاحها الذي تطوره بالشراكة مع”بيونتيك” الألمانية، قد أثبت فعاليته بنسبة 95 في المئة للوقاية من فيروس كورونا المستجد، وبأنه استوفى معايير السلامة اللازمة للحصول على موافقة السلطات الطبية للاستخدام “الطارئ”.

وأعلن المدير العام لشركة “بيونتك” لصناعة الدواء “أوغور شاهين” أن بدء توزيع لقاح “كوفيد-19” أمر “ممكن” الشهر المقبل.

وبيّنت الأرقام الأولية التي أعلنتها شركة “موديرنا” الأمريكية لتصنيع الأدوية أن لقاحا جديدا طورته للوقاية من الإصابة بكورونا فعال بنسبة 95 في المئة تقريبا.

ومع هذه البشارات، تصاعدت المطالب بضمان حصول الدول الفقيرة على اللقاح، لاسيما بعد استئثار الدول الغنية بكميات ضخمة من طلبيات شراء جرعات اللقاح.

تهافت على الشراء

وكشف تقرير لموقع “سالون” الأمريكي أن البلدان الغنية اشترت بالفعل أكثر من مليار جرعة من لقاح شركة “فايزر” الأمريكية، أي ما يمثل نحو 82% مما أعلنت الشركة أنها ستنتج من جرعات قبل نهاية العام 2021.

وقال التقرير إن “فايزر” باعت للولايات المتحدة 100 مليون جرعة، مع خيار لشراء 500 مليون أخرى، بينما اشترت بريطانيا 40 مليون جرعة، والاتحاد الأوروبي 200 مليون جرعة، مع خيار لشراء 100 مليون جرعة أخرى.

وبحسب “وكالة أسوشيتد برس” فإن نحو 3 مليارات نسمة، من سكان العالم البالغ عددهم 7.8 مليار، يعيشون في أماكن لا تصلح لتخزين لقاحات ضد فيروس كورونا المستجد، ما يعني صعوبة القيام بحملات تطعيم للسيطرة على المرض.

ولفتت الوكالة إلى أنه من المرجح أن يكون الفقراء حول العالم، الذين هم من أكثر الفئات تضررا من الجائحة، آخر من يتعافون من الفيروس، بسبب البنية التحتية في الدول التي يعيشون فيها التي تفتقر لما يعرف باسم “سلسلة التبريد”، التي تسمح بتخزين اللقاحات والحفاظ عليها في درجات حرارة آمنة.

بدورها، أشارت مجموعة الحملة البريطانية “العدالة العالمية الآن” (Global Justice Now) في بيان لها، إلى أنه ممن الممكن أن تقدم بعض الجرعات للبلدان النامية عن طريق منظمة الصحة العالمية، إلا أن ذلك قد يكون جزءا صغيرا فقط من إنتاجها، ولن يكون كافيا لمليارات الأشخاص في البلدان الفقيرة.

وجاء في دراسة أعدّها باحثون في جامعة “ديوك” الأمريكية، أن المليارات من سكان الدول الضعيفة والمتوسطة الدخل ربما لن يتم تطعيمهم باللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد إلا في عام 2023 أو في عام 2024.

وحذرت الدراسة من أن مسارعة الدول الغنية لشراء حصة الأسد من لقاحات الفيروس المستجد، ستخلق تفاوتا عميقا في توزيع اللقاح بشكل عادل على المستوى العالم.

وتجاوز عدد المصابين بالفيروس في جميع أنحاء العالم حاجز الـ58 مليونا، في حين بلغ عدد الوفيات أزيد من مليون و380 ألفا، فيما تجاوز عدد المتعافين تجاوز 37.2 مليون.

وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث عدد الإصابات، تليها الهند ثم البرازيل وفرنسا وروسيا وإسبانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا والأرجنتين وكولومبيا والمكسيك وبيرو وألمانيا وبولندا وإيران.

نصيب الفقراء

من جانبه، أكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم غيبريسوس”، في الدورة الثالثة لمنتدى باريس للسلام، وجود فجوة مالية بقيمة 28.5 مليار دولار في تمويل المشروع الأممي (ACT Accelerator) والذي يهدف إلى تسهيل حصول دول العالم على ملياري جرعة من لقاحات كورونا بشكل منصف بحلول نهاية 2021.

ويهدف المشروع الأممي إلى توزع ملياري جرعة من لقاحات فيروس كورونا، إضافة إلى تقديم 500 مليون فحص و245 مليون علاج للدول ذات الدخل الضعيف والمتوسط.

وأوضح المدير العام لمنظمة الصحة أن هناك حاجة فورية بقيمة 4.5 مليارات دولار للمحافظة على دينامية مشروع (ACT Accelerator)، والذي تقدر ميزانيته الكاملة بقرابة 38 مليار دولار.

وفي 16 نوفمبر/تشرين ثاني الجاري، دعا شيخ الأزهر، أحمد الطيب، الشركات المنتجة للقاح كورونا لإقرار سياسة عادلة لتوزيع اللقاح، “انطلاقا من رسالتها وضميرها الإنساني، بعيدا عن أسواق التجارة والحسابات المادية”.

وقال شيخ الأزهر في بيان عبر صفحته بفيسبوك: “ما يبذله العلماء والباحثون من جهود في سبيل تقديم لقاح كورونا للعالم عطاءٌ سخيٌّ ومقدر. لاسيما وأنه يأتي في “ظل جائحة أودت بحياة أكثر من مليون شخص، ولا تزال تهدد العالم”.

وأضاف الطيب: “يجب ألا يُخذَل الفقراء واللاجئون في حقهم للحصول على هذا اللقاح”.

بدوره شدد “البابا فرنسيس” على ضرورة أن “ينال الفقراء والمستضعفين معاملة تفضيلية عندما يكون لقاح فيروس كورونا جاهزا”. مضيفا: “إذا كان لا بد من إعطاء الأفضلية لأي شخص، فليكن الأفقر والأكثر استضعافا، أولئك الذين كثيرا ما يتعرضون للتمييز لأنهم لا يملكون القوة ولا الموارد الاقتصادية”.

قمة العشرين

وطالب الأمين العام للأمم المتّحدة “أنطونيو غوتيريش” قادة دول مجموعة العشرين بإقرار إجراءات جريئة وطموحة لمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها، لا سيما على الدول الفقيرة.

وقال غوتيريش: “إن مجموعة العشرين تعترف بأن هناك حاجة إلى مزيد من تخفيف الديون. الآن ينبغي على مجموعة العشرين أن تظهر قدرا أكبر من الطموح، وأن تقرّ تدابير أكثر جرأة لتمكين البلدان النامية من مواجهة الأزمة بفعالية، والحيلولة دون أن يتحوّل الركود العالمي إلى كساد عالمي”.

ولاقت هذه الدعوة صدى في قمة العشرين التي استضافتها المملكة العربية السعودية افتراضيا، 21–22 نوفمبر 2020. وأكد الرئيس الصيني “شي جين بينج”، خلال كلمته عبر الفيديو أمام القمة، أن بلاده ملتزمة بمساعدة ودعم الدول النامية، لتوفير لقاحات لمواجهة “كورونا” بتكلفة منخفضة.

فيما قالت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، إن منصة مجموعة العشرين ستقوم بتوزيع 2 مليار جرعة لقاح كورونا على العالم. وشددت ميركل على ضرورة “الاستجابة العالمية لمكافحة كورونا ضرورية”.

كما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مجموعة العشرين لإعداد وتفعيل آليات لضمان وصول الجميع للقاح كورونا. واستطرد قائلا: “هناك نقطة واحدة يجب الانتباه إليها هنا، يتعين تقديم تلك اللقاحات، لتكون متاحة لملكية مشتركة للبشرية، بدلا من تعميق المظالم الحالية”.

من جهته، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن اللقاح ضد فيروس كورونا سيكون متوفرا قبل نهاية العام. وأضاف: “علينا توحيد الجهود لمواجهة انتشار الفيروس، وسنضمن وصول اللقاح لجميع الدول خصوصا الفقيرة منها”.

وذكر ماكرون أن منصة مجموعة العشرين، خصصت أموالا لشراء جرعات للقاح كورونا، وطالب المجموعة بزيادة الاستثمار في أنظمة الصحة.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد شدد على ضرورة ضمان وصول لقاحات فيروس كورونا إلى الجميع. وأردف قائلا: “على مجموعة العشرين إعداد وتفعيل آليات لضمان الوصول العادل للجميع إلى اللقاح وبتكلفة مناسبة”.