مع بدء هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، أخذ البرد يتسلّل إلى خيام النازحين المهترئة، في المخيمات المكتظة بالشمال السوري، مهددا حياة كثيرين، لاسيما الأطفال الذين يموت عدد منهم كل عام “بردا”، وهو ما دفع المنظمات الإنسانية إلى إطلاق نداءات استغاثة لتدارك تفاقم كارثة الإنسانية هناك.
وتؤكد الأمم المتحدة أن ثلث النازحين السوريين البالغ عددهم 6.7 مليون شخص يفتقرون إلى المأوى المناسب، وإن الكثيرين ليس لديهم البطانيات الكافية ووقود التدفئة لتجاوز الأشهر الباردة والممطرة، فقد ارتفع سعر وقود الديزل، الذي يستخدمه الكثيرون لتدفئة منازلهم، بنسبة 21%.
ويقول القائم بأعمال نائب رئيس الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، راميش راجا سينغهام: “مع تزايد برودة الطقس خلال الأسابيع المقبلة، ومع استمرار نقص الوقود، نتوقع أن يلجأ الناس، كما فعلوا العام الماضي، إلى حرق أي شيء يمكنهم العثور عليه في محاولة لإبقاء أنفسهم وأطفالهم دافئًا، مما يعرضهم لخطر حرائق الخيام والتسمم”.
ورغم تكرر المأساة كل عام، إلا أن العجز عن احتواء الأزمة بات واقعا يتحتم على النازحين التعايش معه، لاسيما في ظل ضعف التمويل الدولي المخصص للملف السوري.
انهيار الإنسان
من جانبها، وصفت “ميستي باسويل” العاملة في لجنة الإنقاذ الدولية، الوضع الإنساني في شمال سوريا بأنه “كارثي ويزداد سوءا بشكل يفوق التصور”، لاسيما وأن البرد يفتك بالعشرات من النازحين ويوقع مئات المرضى، خاصة الأطفال، مع صعوبة وصول المساعدات الإغاثية لبعض المناطق، أو انعدامها أحيانا.
وأضافت ميستي: “عندما يفقد الناس بيوتهم ويتعرض أطفالهم للقتل بسبب القصف أو الموت أمام أعينهم بسبب البرد رغم محاولاتهم اليائسة لتوفير الدفء لهم فإننا لا نتحدث عن انهيار الوضع الإنساني في إدلب فحسب، بل عن انهيار الإنسان هناك”.
وتقول صحيفة إندبندنت البريطانية، إن مخيمات النزوح المؤقتة باتت مكتظة بالنازحين وكذلك المساجد والمستشفيات والمدارس التي فتحت أبوابها لتوفير المأوى للاجئين.
وأكدت الصحيفة أن موجة البرد وتساقط الثلوج في مناطق شمال سوريا، تضاعف معاناة النازحين الذين يلجؤون عادة إلى حرق الملابس والإطارات والأكياس البلاستيكية كوسيلة للتدفئة.
بدوره، أوضح بهجت أبو عهد، مدير مخيم بلدة كللي الواقعة في ريف إدلب الشمالي الغربي: “إن المشكلة في المخيم تزداد عند هطول المطر وتتحول حياة النازحين إلى مأساة حقيقية مؤلمة في ظل البرد وشح المعونات الإغاثية ومواد التدفئة”.
وأشار أبو عهد إلى أن كاميرات الصحافة والمنظمات تأتي إلى المخيمات وتصور وضع العائلات لإيصال صوتهم إلى الجهات المعنية، ثم يغادرون دون أن تكون هناك أي استجابة للنداءات والاستغاثات.
ووفقا لمنظمات إغاثية فإن عدد المخيمات في تلك المنطقة، وصل إلى 1153 مخيما، إضافة إلى 242 آخر عشوائي، يقطنها أكثر من مليون نازح. وسنويا يموت أطفال في تلك المخيمات من البرد نتيجة غياب وقود التدفئة أو الملابس المناسبة لمواجهة الانخفاض الكبير في درجات الحرارة.
وتتوزع مخيمات النازحين في مناطق ريف إدلب، لاسيما في حارم وسلقين وأرمناز وكفرتخاريم ودركوش وجسر الشغور وسهل الروج، إضافة إلى مناطق الشريط الحدودي بين سورية وتركيا وصولا إلى ريف حلب الغربي الشمالي.
كورونا والأمراض
وتفتقر أغلب مخيمات النزوح، إلى شبكات الصرف الصحي، والمياه النظيفة والرعاية الصحية، في ظل انتشار الأمراض و الالتهابات الصدرية وخاصة بين الأطفال وكبار السن مع ندرة الأدوية اللازمة.
وأعربت مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في سوريا “ريحانة زوار” عن قلقها البالغ، من انتشار الأمراض والأوبئة بين النازحين، إضافة إلى نقص حاد في الأساسيات المعيشية والطبية.
كما حذرت منظمات إغاثية من الارتفاع المتزايد في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في أماكن اللاجئين، وهو ما يهدد بحدوث كارثة إنسانية كبيرة.
كارثة عامة
الوضع المأساوي لا يقتصر على مناطق الشمال، بل يمتد أيضا إلى مناطق سيطرة النظام، ومنها دمشق العاصمة، فقد حذرت الأمم المتحدة أن أكثر من 9.3 مليون سوري معرضون لخطر الجوع المتزايد هذا الشتاء، مع تضاعف سعر الخبز المدعوم في الشهر الماضي وانخفاض وصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير.
وأكد القائم بأعمال نائب رئيس الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، راميش راجا سينغهام، خلال اجتماع لمجلس الأمن، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: “أسعار المواد الأساسية في سوريا عند مستويات تاريخية. سعر الخبز المدعوم، الذي تعتمد عليه الأسر الأشد فقرا وضعفا، تضاعف الشهر الماضي، في حين تم تخفيض وزن الحزمة بنسبة “%15.
ووفقا لموقع “صوت أمريكا” فإن حكومة بشار الأسد حدّت، في الشهر الماضي، من كمية الخبز المدعوم التي يمكن لعائلات الخبز شراءها، وارتفع سعر الخبز في السوق بنسبة 26% بين سبتمبر وأكتوبر، بينما ارتفع سعر بعض الفواكه والخضروات بنسبة 44%.
وقال سينغهام: “ما يعنيه هذا، هو أن الناس بشكل متزايد غير قادرين على إطعام أسرهم”، وأشار إلى أن عدد السوريين الذين لا يستطيعون الحصول على طعام وبأسعار معقولة إلى أعلى مستوياته.
ويواجه سكان دمشق التي تعتبر أقدم عاصمة في التاريخ، أزمة خانقة في توفير الخبز والمحروقات، تعد الأشد في تاريخ البلاد، وذلك بعد أن قلل النظام السوري كميات الطحين المقدمة للأفران، ناهيك عن ندرة توفر المحروقات.
وعلى وقع انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بشكل غير مسبوق، زادت أسعار المواد الغذائية في سوريا بمعدل 107% خلال عام واحد. وفق ما أفادت متحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي.
اضف تعليقا