تحل الأربعاء الذكرى 33 لـ “انتفاضة الحجارة” الفلسطينية، حيث يحيي الفلسطينيون في التاسع من ديسمبر من كل عام ذكرى أطول انتفاضة شعبية فجروها ضد الاحتلال الإسرائيلي، رفضاً لإجراءات الاحتلال، وتصاعد هجماته الدامية، والتي كانت تنفذ وقتها بأيدي مستوطنين متطرفين.

 

انتفاضة الحجارة

وبدأت شرارة الانتفاضة في ديسمبر 1987، عندما قام سائق شاحنة إسرائيلي ويدعى هرتسل بوكبزا بتنفيذ عملية صدم متعمدة، لسيارة يستقلها عمال فلسطينيون، على حاجز بيت حانون “إيرز”، شمالي قطاع غزة، خلال ذهابهم لعملهم في مناطق الـ 48، مما أدى لاستشهاد أربعة فلسطينيين وإصابة آخرين. 

وانطلقت شرارة الغضب الجماهيري من مخيم جباليا للاجئين، من خلال مواجهات انتشرت كالنار في الهشيم في كافة مناطق القطاع،  ليتصاعد الغضب الشعبي وقتها ويصل إلى مناطق الضفة الغربية، التي عانت كثيرا من هجمات الاحتلال والمستوطنين، فاستشهد في اليوم التالي عدة شهداء من مناطق عدة بالضفة.

وشكّلت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين “من سرقة الأراضي، وبناء المستوطنات، وجباية الضرائب، والاعتقال والحصار”، دافعا قويا لاندلاع تلك التظاهرات، وفق مؤرخين.

ورغم استخدام الفلسطينيين للتظاهرات والحجارة في الاحتجاجات، إلا أن إسرائيل قابلت ذلك باستخدام العنف المفرط، وردت بإطلاق النار على المتظاهرين ما أدى إلى استشهاد وجرح الآلاف.

كما تبنت إسرائيل، سياسة ما يعرف بـ”تكسير العظام”، حيث عمد الجنود، تنفيذا لقرار وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، اسحاق رابين، إلى ضرب راشقي الحجارة، بالعصي، بهدف كسر أطرافهم.

ومرت الانتفاضة بعدة مراحل، حيث شهدت تشكيل مجموعات عسكرية مسلحة، تابعة للفصائل الفلسطينية، خاضت العديد من الاشتباكات مع جيش الاحتلال، فيما شكلت خلايا تنظيمية ساعدت في إدارة الحياة اليومية للمواطنين، كبديل عن إدارة الاحتلال، كما شكلت وقتها القيادة الوطنية الموحدة، من كافة الفصائل الفلسطينية، للإشراف على الفعاليات الشعبية المناهضة للاحتلال.

وتوضح الأرقام التي ذكرتها مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى: استشهاد 1550 فلسطينيا خلال الانتفاضة بينهم حوالي 241 طفلا ، واعتقال نحو 200 ألف فلسطيني خلال الانتفاضة، كما تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، فيما استشهد عدد من الشبان خلال اعتقالهم في سجون الاحتلال، جراء سياسات التعذيب.

وظلت فعاليات الانتفاضة قائمة في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، على مدار سبع سنوات، حيث توقفت فعالياتها مع تشكيل السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع عام 1994، بموجب اتفاق أوسلو الذي وقعته السلطة الفلسطينية.

 

تنظيمات جديدة

وتلازمت أحداث انتفاضة الحجارة مع ظهور تنظيمات فلسطينية جديدة، غيّرت من الخارطة الحزبية للفلسطينيين، مثل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وبعد نحو أسبوع من اندلاع انتفاضة الحجارة، تحديدا في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987، تأسست “حماس” على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ “أحمد ياسين”.

وأدى انخراطها، الذي وصفه مراقبون سياسيون، بالقوي في أحداث انتفاضة “الحجارة” ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلى انتشار نفوذها بشكل واسع في الساحة الفلسطينية.

وحملت حركة “حماس” السلاح، عام 1987، من خلال تأسيس جهاز عسكري أسمته “المجاهدون الفلسطينيون”، ثم أسست جناحها المسلح الحالي “كتائب عز الدين القسام”، عام 1992، والذي يقول محللون إنه ساهم في تغيير معادلة “الصراع مع الاحتلال”.

ويرى مراقبون أن التيارات الإسلامية في فلسطين تفاعلت بشكل كبير قبل بداية انطلاق الانتفاضة، وساهمت في رسم معالم استمراريتها، وهذا ما ترجم عمليا خلال التظاهرات المستمرة وحالة الاشتباك في كل المحاور، حيث تفاجأ الاحتلال من القوة والتنظيم والإعداد والسيطرة والحشود؛ مما يدلل علي أن التيار الإسلامي في فلسطين كان له عمل ضخم في العقود التي سبقت الانتفاضة.

في الوقت ذاته، ساهمت انتفاضة الحجارة في إعادة إحياء التنظيمات الفلسطينية التي تأسست في أوقات سابقة، وأبرزها حركة “فتح”، ومن التيار الإسلامي حركة “الجهاد الإسلامي”، تحت لواء “منظمة التحرير الفلسطينية”.

فتم تشكيل إطار متابع للانتفاضة تحت مسمّى “القوى الوطنية الفلسطينية” (يضم فصائل منظمة التحرير).

وصدر أول بيان عن القوة الوطنية الفلسطينية في 8 يناير/كانون الثاني 1988، دعا الشعب للمشاركة في فعاليات الانتفاضة والإضراب العام رفضا للاحتلال.

واستمرت المشاركة الفصائلية في فعاليات ومظاهرات انتفاضة الحجارة حتّى توقيع اتفاقية “أوسلو”، عام 1993، حيث شهدت هذه الفترة تراجعاً ملحوظاً لمشاركة حركة “فتح” وعدد من فصائل منظمة التحرير، في العمل المقاوم، في حين استمر التيار الإسلامي، الرافض لاتفاقية “أوسلو”، والممثل بحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في العمل النضالي بأشكاله المختلفة.

 

استمرار النضال

وفي ذكري انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، قالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان لها أن المقاومة بأشكالها كافة حق مشروع وخيار استراتيجي لن تتخلى عنه، ولن تتوانى عن دعم كل ما من شأنه تعزيز هذا الخيار، مؤكدة أنها ستبذل الغالي والنفيس في طريق الإعداد والاستعداد الدائم لمقاومة المحتل وكسر معادلاته وتحرير أسرانا مهما كلفنا ذلك من ثمن.

وأكدت حماس أن وحدة الشعب الفلسطيني وبناء مشروعه الوطني على سلم أولوياتها، وأن مواجهة الاحتلال والتصدي لمشروعه الإحلالي التدميري لن يكون إلا بشراكة كاملة بين جميع فصائلنا وقوانا الشعبية سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا.

وأضاف البيان “إننا نعبر عن رفضنا القاطع والحاسم لعودة العلاقات والتنسيق الأمني مع الاحتلال، ونرى في هذا المسار طعنة نجلاء في قلب الجهود الرامية لتوحيد الكلمة وتجميع الصف، وانقلاباً على مسار الشراكة والوحدة الوطنية.

وتابعت: نرفض كل أشكال وأنماط التطبيع مع العدو الصهيوني، وتحديدا في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من عمر القضية، والذي يشمل كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية بشكل يتناقض مع إرادة الشعوب الرافضة لإقامة أي علاقة مع الاحتلال، أو القبول بوجوده في فلسطين بشكل يعتبر إخلالًا بالموقف السياسي التاريخي لتلك الدول.

ووجهت حماس التحية لشهداء الانتفاضة والأسرى والجرحى ولكل من قدم تضحية من أجل حرية الوطن.

كما توجهت بالتحية إلى الشعب الفلسطيني على صموده وثباته في القدس والضفة وغزة والـ48، واللاجئين في مخيمات الشتات، مثمنة تمسكهم بحقوقهم والتفافهم حول المقاومة.

وشددت حماس على أن ذكرى الانتفاضة كانت وستظل في وعي الشعب وذاكرته منارة سامقة وعلامة فارقة في تاريخ النضال الفلسطيني؛ سجل فيها الشعب الفلسطيني ملحمة بطولية شارك فيها كل فئات الشعب وطوائفه.

من جانبها، أكدت حركة فتح أن الشعب الفلسطيني لديه إصرار أكثر من أي وقت مضى على مواصلة كفاحه الوطني المشروع حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي بكل أشكاله وتعبيراته، ، وقالت إن الدرس الذي لم تتعلمه إسرائيل هو أن “الشعب الفلسطيني، الذي يخوض نضالا متواصلا بلا هوادة منذ مئة عام، لن يرضخ أو يستسلم ولن يقبل بالتعايش مع الاحتلال والاستيطان والتهويد، وأن إرادته الوطنية لن تنكسر بل تزداد صلابة، ولديه إصرار أكبر على مواصلة مسيرة الحرية والكرامة والاستقلال”.

وحملت الحركة المجتمع الدولي مسؤولية تمادي إسرائيل في انتهاك القانون الدولي، وفي تصرفها وكأنها دولة فوق القانون والمحاسبة، مشيرة إلى خطورة سياسة ازدواجية المعايير التي شجعت إسرائيل على ارتكاب جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، والتوجه أكثر فأكثر نحو التطرف والعنصرية .