بخطي متسارعة، يشق قطار التطبيع طريقه بين إسرائيل وعدد من العواصم العربية، حيث لحق المغرب رسمياً بركب الدول المطبعة مع إسرائيل، وذلك بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موافقة المغرب علي التطبيع الكامل والمعلن، في مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب علي إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو منذ عقود، لتصبح المغرب بذلك رابع دولة عربية تطبع علاقتها مع الاحتلال الإسرائيلي في غضون الأربعة أشهر الماضية، عقب خطوة مماثلة من الإمارات والبحرين والسودان.

تطبيع جديد

وفي تطور لافت، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الخميس، موافقة المغرب على تطبيع علاقته مع الاحتلال الإسرائيلي.

وقال ترامب في تغريدة نشرها عبر حسابه بـ”تويتر”: “اختراق تاريخي آخر اليوم.. اتفقت إسرائيل والمملكة المغربية على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة (…) اختراق هائل للسلام في الشرق الأوسط”.

وأوضح ترامب أن الولايات المتحدة الأمريكية تعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو منذ عقود.

والإعلان الذي وقعه ترامب يقول إن “أمريكا تعتقد بأن إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية ليس خيارا واقعيا لحل الصراع”.

وحث البيت الأبيض أطراف الصراع في الصحراء على “الدخول في مناقشات دون إبطاء على أساس خطة المغرب للحكم الذاتي كإطار للتفاوض”.

وقال مسؤول أمريكي كبير إن ترامب توصل للاتفاق في مكالمة هاتفية اليوم الخميس مع العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وفي وقت لاحق، قالت وكالة الأنباء المغربية (الرسمية)، إن الرئيس الأمريكي أخبر الملك محمد السادس، خلال اتصال هاتفي، أنه أصدر مرسوما رئاسيا “يقضي باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على كافة منطقة الصحراء المغربية”.

وقال البيان المغريي: “قررت الولايات المتحدة فتح قنصلية بمدينة الداخلة، تقوم بالأساس بمهام اقتصادية، من أجل تشجيع الاستثمارات الأمريكية، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما لفائدة ساكنة أقاليمنا الجنوبية”.

وأخبر الملك محمد السادس أنه “سيتم تسهيل الرحلات الجوية المباشرة لنقل اليهود من أصل مغربي والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب”، إلى جانب “استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية (مع الاحتلال) في أقرب الآجال، والعمل على إعادة فتح مكاتب للاتصال في البلدين، كما كان عليه الشأن سابقا ولسنوات عديدة، إلى غاية 2002”.

من جانبه، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التوصل إلى “اتفاق سلام” مع المغرب.

وقال في تصريحات نشرها عبر حسابه “تويتر”: سنقيم من جديد مكاتب ارتباط في إسرائيل والمغرب، ثم سنتحرك من أجل علاقات سليمة دبلوماسية كاملة”، إلى جانب “تدشين خط طيران مباشر بين الجانبين”.

وتابع: “مئات الألوف من أبناء هذه الجالية هاجروا إلى إسرائيل وهم يشكلون جسرا دافئا بين شعبينا، وهو جسر حب وتعاطف وإخلاص، وينبغي أن أقول إن هذه الأرضية الراسخة تشكل الأساس لبناء هذا السلام”، بحسب زعمه.

تعاون قديم

في السياق ذاته، قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إن تطبيع المغرب وإسرائيل سبقه تعاون على مدى ستة عقود في الشؤون العسكرية والأمنية وتنصت على قادة عرب من قبل الرباط وأمور أخرى.

وأضافت أن “خلف الإعلان الأخير هناك حوالي 60 عاما من التعاون الأمني بين البلدين والذي ظل كل منهما ينكر وجوده، وساعدت إسرائيل المغرب في الحصول على الأسلحة وأجهزة جمع المعلومات الأمنية وكيفية استخدامها، كما ساعدتها على قتل زعيم معارض”.

في المقابل، وفق الصحيفة، “ساعد المغرب على تهجير اليهود المغاربة وعملية ضد أسامة بن لادن وحتى التجسس على الدول العربية الأخرى”.

وأشارت إلى أن “التعاون بين المغرب وإسرائيل والذي تم كشفه من خلال سلسلة لقاءات ووثائق على مدى السنوات الطويلة يعكس السياسة الإسرائيلية القائمة على بناء علاقات مع الأنظمة العربية التي تشترك معها في المصالح والأعداء”.

وتابعت: “كافأ الملك الحسن الثاني إسرائيل بالسماح لليهود بالهجرة الجماعية، وسمح للموساد بإنشاء محطة له في المغرب، وقدمت إسرائيل أسلحة للمغرب ودربت المغاربة على استخدامها، وزودته بتكنولوجيا مراقبة وساعدت على تنظيم المخابرات المغربية، وتم تبادل المعلومات الأمنية بين المخابرات المغربية والإسرائيلية وتعاونا في الكثير من العمليات”.

ووفق الصحيفة، “كانت اللحظة المهمة في العلاقات، عندما اجتمع قادة الدول العربية في الدار البيضاء، وسمح المغرب للموساد بالتنصت على أجنحتهم الخاصة، وقدمت العملية لإسرائيل منفذا غير مسبوق للتفكير العربي والقدرات والخطط والتي كانت حيوية في خطط وزارة الدفاع لحرب عام 1967”.

ولفتت الصحيفة إلى مقابلة أجريت عام 2016 مع “شلومو غازيت”، الذي أصبح رئيسا لهيئة الأركان الإسرائيلية، قال فيها: “كانت التسجيلات إنجازا خارقا وخلقت لدينا شعورا في قمة الجيش الإسرائيلي أننا سنفوز بالحرب ضد مصر”.

وبعد عقد من الزمان، “أصبح الحسن الثاني وحكومته القناة الخلفية للقاءات إسرائيل مع مصر، وأصبح المغرب مكانا للقاءات المسؤولين من البلدين قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 1978 وتطبيع العلاقات بينهما. وأقنعت إسرائيل لاحقا الولايات المتحدة بتقديم مساعدات عسكرية للمغرب”.

إدانات واسعة

في سياق متصل، أدانت فصائل فلسطينية، إعلان التطبيع الكامل بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة أن هذا الإعلان هو شرعنة لاحتلال أرض فلسطين، وتجارة بدماء الشهداء وتضحيات الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

وأكدت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، على لسان المتحدث باسمها حازم قاسم، أن “إعلان تطبيع العلاقات بين الاحتلال والمغرب، خطيئة سياسية”.

وأوضح في تصريح له، أن “الاحتلال يستغل كل حالات التطبيع لزيادة شراسة سياسته العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني، وتوسيع تغوله الاستيطاني على أرضنا، وتشجعه على استمرار تنكره لحقوق شعبنا، ولا تخدم بالمطلق قضيتنا العادلة، ولا القضايا الوطنية للدول المُطبعة”.

من جانبها، أدانت حركة “فتح”، هذه الخطوة، وأكدت على لسان نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح فايز أبو عيطة، أن “التطبيع بكل أشكاله مرفوض ومستنكر، ويشكل طعنة حقيقية في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته؛ سواء كان هذا التطبيع مغربيا أو إماراتيا أو بحرينيا أو سودانيا”.

وأضاف “من غير المقبول على شعبنا هذا التطبيع. وهو خضوع لإرادة ترامب والإدارة الأمريكية، وهو تطبيع مجاني بدون أي قيمة أو ثمن سياسي لمصلحة الشعب الفلسطيني أو الأمة العربية”.

وأكد “أبو عيطة”، أن “التطبيع سيفشل في تحقيق أهدافه، ولن يحقق الاحتلال أهدافه من هذا التطبيع، لأن الحل ليس مع هذه الدول، والحل مع الشعب الفلسطيني الذي يشكل الحقيقة في الصراع العربي الإسرائيلي”.

من جانبها، أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، على لسان القيادي داود شهاب، أن الخطوة المغربية “انتكاسة جديدة للنظام العربي الهش، الذي يبحث عن توطيد أركان حكمه الاستبدادي لدى أمريكا والكيان الإسرائيلي”.

واعتبر ” شهاب” ما أقدم عليه النظام الحاكم في المغرب “خيانة للقدس وخيانة لفلسطين”، مضيفا: “نحن مقتنعون بأن الشعب المغربي يرفض بشدة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ولن تكون أرض المملكة المغربية مرتعا للصهاينة”.

وأوضح شهاب، أن “النموذج الإماراتي والبحريني لن يتكرر في المغرب، لأن الشعب المغربي وقواه السياسية سترفض التطبيع مع الاحتلال”.

وقال: “ما يجري دليل على أن أمريكا وإسرائيل تدعمان الأزمات وتفتعلانها بصورة وقحة”، مؤكدا أن “التطبيع هو سياسة استعمارية بثوب جديد”.