منذ فترة ليست ببعيدة، بدأت العلاقات المصرية الإماراتية في الفتور، ونشبت العديد من الخلافات بين البلدين على عدة ملفات متعلقة بالمنطقة والشرق الأوسط.

كما برزت حالة من الاستياء لدى صنّاع القرار في مصر من مواقف الإمارات بسبب تجاهل الأخيرة مطالب مصر لمواقف صارمة ومؤيدة من حليفتها الأقرب في المنطقة.

وتزايد التوتر بين البلدين خلال الشهور الماضية، وكانت أبرز الخلافات حول ملفات القضية الفلسطينية والأزمة الليبية وقيادة أبوظبي مهمة تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل، بالإضافة للعلاقة المريبة بين الإمارات وإثيوبيا.

وزاد من التعقيد الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي فيما يخصّ مرور خطّ غاز الخليج من إسرائيل إلى أوروبا، وما يرافق تلك الخطوة من تهديد لقناة السويس والاقتصاد المصري.

وأصبح فتور العلاقة بين البلدين واضحا بقدر وضوح التعاون السابق بينهما في عديد من المواقف، إذ اتخذت القاهرة وأبوظبي الموقف ذاته فيما يتعلق بعديد من الملفات، مثل ليبيا ومسألة الحد من نفوذ الإسلام السياسي.

تغير المواقف

وبعدما قدمت الإمارات الدعم المالي الكبير لعبدالفتاح السيسي خلال السنوات التي أعقبت إطاحته بالرئيس الراحل محمد مرسي من حكم مصر، ومحاربة الإخوان المسلمين، يرى محللون أن سياسة أبوظبي تغيرت تجاه القاهرة.

التغير طرأ بعد أن ظنت أبوظبي أنها قدمت أكثر مما حصدت، ولم تجنِ ما يوازي حجم الإنفاق على مصر.

واشترطت الإمارات في وقت سابق عدم تقديم أي دعم مالي جديد للنظام المصري دون إشراف لجان متخصصة من جانبها على أوجه هذا الإنفاق، لضمان تحقيق أقصى استفادة منه.

وقد أغضبت هذه الخطوة النظام المصري الذي وافق لاحقاً على الدعم الإماراتي المشروط بسبب حاجته.

وفي ملف آخر، نقل موقف الإمارات غير الواضح بشأن أزمة سد النهضة، وفتحها خطّ اتصال دائماً مع إثيوبيا، دون التفات إلى خلافات القاهرة وأديس أبابا، رسالة سلبية للغاية إلى صانع القرار المصري.

وفي الوقت الذي استمرت مصر في محاولاتها حل أزمة سد النهضة، حاولت القاهرة استثمار علاقاتها الإقليمية والدولية للدفع في هذا الاتجاه، إلا أنها وجدت حليفتها الإمارات تنأى بنفسها عن الأزمة.

وفي 2018، أعلنت إثيوبيا التزام الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، إذ ستوجه مليار دولار كوديعة في البنك المركزي، وملياري دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجالات الزراعة.

كما أن الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا، تضاعفت خلال العامين الماضيين، وتركزت في مجالات الزراعة والإنتاج الحيواني والطاقة، وهو ما تسبب في قلق مصري بسبب ارتباط تلك الاستثمارات بشكل وثيق بمشروع السدّ.

وأفادت تقارير غربية، بأن موقف أبوظبي الداعم لأديس أبابا لا يتناسب مع طبيعة وعمق التحالف مع نظام السيسي الذي يحتّم الوقوف إلى جانب مصر.

وفي الشأن الليبي، وعلى الرغم من الدعم الإماراتي المصري السخي للجنرال خليفة حفتر، بدت مصر مستاءة من عدة أمور أدّت لاحقا إلى خلاف، إن لم يظهر علناً، فإنه بات أمرا واقعا.

من بين هذه الخلافات، تَهرُّب حفتر من المسئولين المصريين في الوقت الذي استمرّ فيه يتشاور مباشرة مع مسئولين إماراتيين.

كما استاءت مصر من حفتر بشأن ما اعتبرته عدم التزام في التعاون السياسي والأمني بين ليبيا ومصر، وامتدّت الاختلافات في الاستراتيجية كذلك إلى موقف الإمارات من هذه القضية.

ووفقًا لعديد من المسئولين المصريين، ثبت أن ما قالته مصر كان صحيحا في النهاية، إذ حدثت مبالغة في تقييم قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس رغم دعم الإمارات ومصر وروسيا.

ولعل الزيارة الغريبة التي قام بها وفد سياسي وأمني مصري إلى طرابلس بعد قطيعة مع حكومة الوفاق الليبية يكشف حجم التغير في المواقف والسياسات بين نظام السيسي والحليف الاستراتيجي في الإمارات.

الزيارة التي جاءت لأول مرة منذ ست سنوات بحثت إعادة العلاقة بين القاهرة وطرابلس بفتح السفارة المصرية هناك وعودة رحلات الطيران والتنسيق الأمني بين الطرفين.

تهديد لقناة السويس  

من جانب آخر، كشفت مصادر عربية ومصرية، ما وصفته بـ”خلافات عميقة” بين مصر والإمارات، بسبب مقترح إسرائيلي على أبوظبي لبناء ممر برّي يربط بينها وبين دول الخليج، بما فيها السعودية.

ويهدف هذا الممر إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب، حسب صحيفة “جلوبس” الإسرائيلية المختصة بالشأن الاقتصادي.

وقالت المصادر إن داخل الدوائر المصرية المعنية حالة غضب شديد، جرَّاء التصرفات الإماراتية والإسرائيلية، في الوقت الذي تبذل فيه القاهرة جهوداً كبيرة للتخديم على ملفات لصالح كل من أبوظبي وتل أبيب.

إذ تهدّد تلك الخطوة مصير ومستقبل قناة السويس، التي تمثّل مدخلاً مهمّاً من مدخلات الاقتصاد المصري.

من هنا تظهر آثار المشروع السلبية على مصر، على الرغم من كونها حليفة استراتيجية للإمارات، وهو ما يمكن اعتباره طعنة من أبوظبي في ظهر القاهرة.

إذ يشكّل الأمر انحيازاً واضحاً إلى المصالح الإسرائيلية على حساب مصر، حيث سيتوقف مرور النفط عبر قناة السويس، وسيوفّر سداد عبور السفن عبر القناة المصرية، ليمرّ عبر إسرائيل بدلا منها، فتكسب الأخيرة عائد المشروع المالي.

في شأن آخر، زاد ملف تطبيع الإمارات رسمياً علاقاتها مع إسرائيل، وتحركها للضغط على دول عربية أخرى لتحذو حذوها دون إخطار السيسي بهذه الخطوة إلا قبل أيام قليلة، قلق النظام المصري من دور الإمارات المتنامي في المنطقة على حسابها.

إذ تعتبر القاهرة أن أبوظبي تحاول تقديم نفسها كقوة رائدة في تعزيز التطبيع مع إسرائيل، الأمر الذي يقلّل من دور مصر التاريخي كوسيط رئيسي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وعملية السلام.

وزاد تحرك الإمارات في ملف التطبيع، توتُّر العلاقات بين البلدين، بدليل امتناع مصر عن إرسال وزير خارجيتها لحضور توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض.