الترحيب بالمصالحة الخليجية وفتح الحدود بين قطر والسعودية لم يمنع من تساؤلات حول البيان الختامي لقمة “العلا” حيث ذكر البيان بنودا كثيرة تجاوزت المائة بند وغابت عنه بنود أخرى ذكرها وزير الخارجية السعودي.
بجانب البنود المعلنة والمخفية فقد غاب عن البيان الختامي أي آليات لتنفيذ المصالحة ولم يتطرق للشروط المجحفة التي طالما تمسكت بها دول الحصار، وهو ما رآه سياسيون انتصارا لقطر بعد الصمود الطويل متوقعين تحقيقها مكاسب أكبر بعد المصالحة.
خلا الإعلان من بنود رئيسية لاتفاق المصالحة الخليجية، صرح بها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي عقب القمة.
وأبرز هذه البنود عدم التدخل في شؤون الدول، ومكافحة الإرهاب، ومحاربة الكيانات والجماعات الإرهابية، وفق وكالة الأنباء السعودية “واس”.
وخلال المؤتمر الصحفي، أشار وزير الخارجية السعودي، إلى ثلاث نقاط رئيسية لم ترد في “إعلان العُلا”، وهي:
1- الدول الأطراف أكدت تضامنها في عدم المساس بسيادة أي منها أو تهديد أمنها، أو استهداف اللحمة الوطنية لشعوبها ونسيجها الاجتماعي بأي شكل من الأشكال.
2- وقوف الدول التام في مواجهة ما يخل بالأمن الوطني والإقليمي لأي منها، وتكاتفها في وجه أي تدخلات مباشرة أو غير مباشرة في الشؤون الداخلية لأي منها، وتعزيز التعاون لمكافحة الكيانات والتيارات والتنظيمات الإرهابية، التي تمس أمنها وتستهدف استقرارها.
3- التزام الدول الأطراف بإنهاء جميع الموضوعات ذات الصلة، وذلك انطلاقا من حرصها على ديمومة ما تضمنه البيان، وأن يُعزز التعاون من خلال المباحثات الثنائية والتنسيق فيما بينها، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة بجميع صوره.
شروط تبخرت
وغاب عن الإعلان أيضا أي تفاصيل أو آليات بشأن مسار تنفيذ المصالحة الخليجية، وهو ما اعتبره خبراء جزءا من الاتفاق، في ظل احتمال وجود خلافات واعتراضات من أطراف، على أن تتم مناقشة التفاصيل في جلسات حوارية لاحقة.
وبينما تساءل مراقبون عن سر غياب هذه البنود التي ذكرها وزير الخارجية السعودي عن البيان الختامي، تساءل آخرون عن نقاط كانت موضع خلاف، حيث كانت دول الحصار تتمسك، منذ عام 2017، بـ13 مطلبا، بينها غلق قنوات وحظر جماعات واتباع سياسات بعينها.
وطوال ثلاث سنوات ونصف من الحصار رفضت قطر هذه الشروط، معتبرة إياها نوعا من الوصاية، ويبدو أن صمود قطر قد أثمر عن تبخر هذه الشروط إذ تمت المصالحة دون التطرق نهائيا لهذه الشروط.
وكانت الدول الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد فرضت حصارا على قطر في 5 يونيو 2017، وبعدها أعلنت عن مطالبها الثلاثة عشر لفك هذا الحصار، التي اعتبرتها قطر مساسا بسيادتها.
المثير في هذه الشروط أن بعضها تفعله دول الحصار مثل العلاقات السياسية والاقتصادية مع إيران التي طلبوا من قطر قطعها، بالإضافة للعلاقات مع شخصيات تابعة لجماعة الإخوان.
وكان من ضمن الشروط أيضا الإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية، ووقف أي تعاون عسكري معها في الأراضي القطرية رغم أن هذه القاعدة قد أنشئت بعد بدء الحصار ولمحاولة منع أي اعتداء عسكري من دول الحصار.
أما الشرط الذي أثار وقتها انتقادات دولية باعتباره تكميما للأفواه ومنعا للحريات فكان إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية، في الوقت الذي سلطت فيه دول الحصار مئات المواقع والقنوات التابعة لها في الهجوم على قطر وسب أميرها وعائلته بأقذع الألفاظ.
استبدال الشروط
ولكن بعد إعلان هذه المطالب الـ13 التي بدت شديدة الفجاجة، في انتهاكها لسيادة قطر، ومع تحرك الدوحة للتغلب على الحصار وتعزيز تحالفها مع تركيا، ظهرت في يوليو 2017، أي بعد شهر من المقاطعة، ما يعرف بالمبادئ الستة التي جاءت أخف حدة وتتسم بالعمومية من المطالب الثلاثة عشر.
وجاءت بنود المبادئ الستة التي رآها مراقبون وقتها تراجعا من دول الحصار كالتالي:
1- الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة.
2- إيقاف أعمال التحريض وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.
3- الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014 في إطار مجلس التعاون الخليجي.
4- الالتزام بمخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في الرياض في مايو/أيار 2017 .
5- الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو دعم الكيانات الخارجة عن القانون.
6- الإقرار بمسؤولية دول المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين.
لم تغير المبادئ الستة من واقع الأمر، إذ استمرت القطيعة والتراشق الإعلامي ومع مرور الوقت فضحت تصريحات دبلوماسية نوايا دول الحصار وأن غرضهم كان تغيير النظام القطري بالقوة.
تواترت تصريحات دبلوماسيين إماراتيين أن غرضهم كان تغيير نظام الحكم في قطر بينما كشفت تصريحات لأمير الكويت الراحل أن تحركاته منعت حدوث تدخل عسكري ضد قطر في بداية الأزمة.
التنازل عن القضايا
مع استيعاب قطر لصدمة الحصار وإعادة ترتيب أوضاعها أصبحت الدول الأربع التي تحاصر قطر جوا في مأزق قانوني بعد الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية الذي يسمح للدوحة بالاستمرار في التقدم بشكواها في منظمة الطيران المدني الدولية بسبب الحصار المفروض على الخطوط الجوية القطرية.
ولعل هذه القضية وغيرها هي التنازل الوحيد الذي قدمته الدوحة لإتمام المصالحة، فوفقا لتقارير صحفية أمريكية، وافقت قطر على تجميد الدعاوى القضائية التي رفعتها ضد دول الحصار، سواء الدعاوى المرفوعة في منظمة التجارة العالمية، وحتى في مؤسسات أخرى.
غياب بنود عن البيان الختامي وحديث إعلاميين مصريين مقربين من السلطة حتى اللحظة الأخيرة لتوقيع وزير الخارجية المصري سامح شكري على اتفاق المصالحة عن تمسك مصر بالشروط المجحفة المذكورة في بداية الأزمة يوحي أن المصالحة ما زالت لم تكتمل.
وهو التوقع الذي نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول رفيع في إدارة الرئيس دونالد ترامب أن الاتفاق الذي شهدته محافظة العلا السعودية لا يعني أن قطر والرباعي العربي سيكونان أفضل أصدقاء، لكنه يسمح بأن يعملا معا.
اضف تعليقا