أجمعت تحليلات الكتاب والصحف في أوربا وأمريكا طوال الأسبوع الماضي أن المصالحة الخليجية جاءت اضطرارا وليس عن قناعة، وإن اختلفوا في أسباب الموافقة عليها.
الكثير من الكتاب والمحللين الغربيين رأوا أن المصالحة جاءت بضغوط أمريكية لتوحيد الجبهة الخليجية في مواجهة إيران ونزع الاستفادة التي تحظى لها طهران جراء هذا الخلاف الممتد منذ أكثر من ثلاث سنوات.
لكن البعض الآخر رأى أن التوقيع على المصالحة جاء بعد فشل دول الحصار في تركيع قطر ومللهم من صمودها المتواصل وأنهم اضطروا للمصالحة خوفا من إجراءات قد تتم بحقهم نتيجة القضايا الدولية التي رفعتها الدوحة بالإضافة للتغير المنتظر في الإدارة الأمريكية مع قرب مجيء بايدن.
تحليلات الصحف في أمريكا وأوروبا أجمعت أيضا أن قطر خرجت من الأزمة منتصرة حيث تبخرت الشروط التي كانت تتمسك بها دول الحصار، ولم تقدم الدوحة تنازلا يذكر من أجل المصالحة.
الدوحة أعلنت فقط أنها تنازلت عن القضايا الدولية ضد دول الحصار والتي رفعتها في محكمة العدل الدولية ومنظمة التجارة العالمية.
بينما لم تقطع قطر علاقتها بإيران أو تركيا ولم تغلق قناة الجزيرة كما كانت ترغب دول الحصار في الشروط الـ13 التي أعلنتها منذ عام 2017.
صدام سعودي إماراتي
من جهته، رأى ديفيد هيرست، في مقاله عبر “ميدل إيست آي” أن لدى “بن سلمان” أسبابه لصنع السلام مع قطر، فهو يعلم أنه من خلال القيام بذلك، سيشتري الهدوء النسبي مؤقتا من وسائل الإعلام التي تسيطر عليها قطر، ولا سيما قناة “الجزيرة”، التي لديها أكبر جمهور في العالم العربي.
وأضاف الكاتب، أنه يمكن أن يستخدم “بن سلمان” هذا الانفراج مع قطر لتحقيق هدفين: الإعلان عن اعترافه بإسرائيل، وإقناع والده بالتنازل عن العرش.
ورأى “هيرست” أن قطر استفادت من هذه الصدمة وعززت مواقفها وسياساتها، ولعل الشيء نفسه ينطبق على السياسة الخارجية التركية والإيرانية.
واستشهد بما قاله “عبد الخالق عبد الله”، أستاذ السياسة في دبي والذي كان أحد أبرز المدافعين عن الحصار قبل 3 سنوات، لصحيفة “فايننشال تايمز”.
حيث قال عبد الله “يمكن القول إن قطر انتصرت”، وأضاف أن تكلفة الصراع بين دول الرباعية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من جهة، وقطر من جهة أخرى كانت باهظة للغاية.
ويؤكد “هيرست” على أن الخلاف حول المصالحة أظهر الصدام بين “بن زايد” و”بن سلمان”، ورأى أن السبب الأول هو اليمن فقد سيطرت الميليشيات التي تمولها الإمارات على الجنوب، تاركة للسعوديين حربًا لم تُحسم مع الحوثيين في الشمال.
ويعتبر المصدر الثاني للتوتر هو إسرائيل، فقد نصّب الإماراتيون أنفسهم بوضوح على أنهم الشريك الخليجي الرئيسي لتل أبيب، وتفاخر “العتيبة” بأن الإمارات وإسرائيل لديهما أقوى قوتين عسكريتين في المنطقة، ما أثار دهشة الرياض والقاهرة.
رضوخ وتعب
من ناحية أخرى، أكدت صحيفة الجارديان البريطانية، أن المصالحة الخليجية بين دول الحصار وقطر جاءت تعبيراً عن تعب وليس تنازلاً.
وقالت الصحيفة: “في الوقت الذي اجتمع فيه قادة مجلس التعاون الخليجي لم يكن هناك حديث عن تنازلات أو إنذارات جديدة مثل تلك التي قادت للصدع في العلاقات، مما يعني أن التقارب كان نتيجة للإجهاد وليس التنازلات”.
وأضافت في مقال لمراسلها بالشرق الأوسط مارتن شولوف، أنه لم يكن الحديث عن العلاقات الأخوية وإنهاء هذا الملف إلا من أجل التحضير للإدارة الأمريكية المقبلة وليس عن الواقعية السياسية.
وبحسب شولوف، فإن الجراح ستظل قائمة وسيرى إن كان الحشد ضد العدو المشترك “إيران” كافيا لتجاوز الخلاف الذي نظر إليه في داخل عدد من الدوائر الإقليمية والدولية على أنه عبثي ومضر.
وأشار إلى أن المخاوف تظل قائمة من أن عملية التقارب ما هي إلا محاولة للتغطية على خطوط الصدع التي تعمقت خلال ثلاث سنوات ولم يكن هناك أي داع لها.
نفس وجهة النظر اتفقت معها صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية، التي رأت أنه بالرغم من انتهاء الأزمة الخليجية وإعلان دول الحصار عودة الأمور لسابق عهدها قبل ثلاث سنوات ونصف؛ إلا أن انعدام الثقة لم يختف فجأة، خاصة بين قطر من جهة، والإمارات ومصر من جهة أخرى.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية، أن ما حصل هو تخفيف لحدة التوتر، أكثر من كونه مصالحة إقليمية واسعة النطاق.
فشل تركيع قطر
ونقلت عن الباحثة السياسية باربرا سلافين، قولها: “أشك في أننا نشهد تكثيفاً مفاجئاً للتعاون بين الدول الخليجية التي فشلت حتى في جعل قدراتها العسكرية متوافقة منذ أربعين عاما، والتي لها مصالح وسياسات متباينة تجاه القوى الخارجية”.
كما نقلت الصحيفة عن دي بيمودان، المحلل في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية، اعتباره أن الإمارات هي الخاسرة؛ لأنها استثمرت الكثير في وسائل الإعلام ضد قطر.
في حين أكدت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن بن سلمان رضخ للمصالحة واضطر لها بعد فشله في تركيع قطر وتحويلها إلى “بحرين 2”.
بينما قالت وكالة “رويترز” إن “بن سلمان” يهدف أيضا من تحركه نحو المصالحة إلى وضع السعودية في موضع الشريك المهم للولايات المتحدة في وقت يشهد توترا إقليميا مع إيران.
وأكدت أن السعودية والولايات المتحدة مارستا ضغوطا مكثفة على دول الحصار، لاسيما الإمارات، للقبول بالانخراط في المصالحة.
بينما قال محللون لصحيفة “فايننشال تايمز” إن الإمارات على وجه الخصوص كانت مترددة في ما يتعلق بالتقارب، ويرجع ذلك جزئيا إلى مخاوف أبو ظبي بشأن علاقة قطر المتنامية مع تركيا.
ويظل الترقب لمتغيرات الأحداث هو سيد الموقف بعد توقيع اتفاقية المصالحة وقدرتها على الصمود في ظل خلاف أدى لتراشق إعلامي وتصعيد غير أخلاقي من دول الحصار طوال السنوات الماضية.
اضف تعليقا