قال الكاتب جان بول غنيم، الباحث المتخصص في دول الخليج بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي (IRIS): إن تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن اغتيال جمال خاشقجي في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، رسالة قوية للسعوديين وممالك الخليج وأيضا إسرائيل.
وأوضح الكاتب أنه في 26 فبراير/ شباط، رُفعت السرية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية حول اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، مشيرا إلى أن هذا التقرير، الذي لم يقدم أي استنتاج جديد أو دليل قاطع، يخلص مع ذلك إلى أن هذا العمل لم يكن ليحدث دون موافقة ولي العهد السعودي، وأن الجناة كانوا من حرسه الشخصي.
وأضاف “وفيما فشل التقرير في إثبات أن محمد بن سلمان كان الراعي المباشر لعملية الاغتيال أو أن المهمة التي أوفدت إلى اسطنبول كانت تهدف ضمنًا إلى القضاء على خاشقجي، فإن وجود خبير بالطب الشرعي في فريق اغتيال إسطنبول، يؤكد أن هذا العمل كان بالفعل إعدامًا مع سبق الإصرار.
ونوه الكاتب إلى أن التقرير صدر بعد اتصال هاتفي بين الرئيس جو بايدن والملك سلمان بن عبد العزيز، أكد فيه رئيس الولايات المتحدة من جديد، التزام بلاده بأمن المملكة والحفاظ على علاقات قوية مع الرياض، كما شدد على أن الصفحة قد طويت ومن الآن فصاعدًا ستؤخذ بلاده قضية حقوق الإنسان في الاعتبار، وقواعد اللعبة تغيرت.
سخط في الرياض
كذلك تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان بخطاب مماثل، وأوضح في بيان صحفي أن “الولايات المتحدة لن تتسامح بعد الآن مع أي ترهيب أو هجوم ضد المعارضين السعوديين، سواء داخل المملكة العربية السعودية أو في الخارج”.
ويشير جان بول غنيم إلى أنه بدون استغراب أو دهشة، قوبل رفع السرية عن التقرير الأمريكي بسخط في الرياض، حيث أصدرت وزارة الخارجية بيانا رفضت فيه نتائج تقرير وكالة المخابرات المركزية، وقالت إن الجناة قد حوكموا أمام العدالة السعودية والقضية أغلقت بقبول الحكم من قبل عائلة الضحية التي أعلنت (بحرية؟) أنها راضية.
وأكد أن الجيران والحلفاء الخليجيين كانوا حريصين على تقديم دعمهم للنظام الملكي السعودي، إذ أعربت البحرين والكويت والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وباكستان، وكذلك منظمة التعاون الإسلام (OCI)ومجلس التعاون الخليجي (GCC) وجامعة الدول العربية عن دعمها للرياض.
ويري الباحث الفرنسي أنه في حين لم يضف نشر التقرير شيئًا جديدًا بحد ذاته، إلا أنه يشوه إلى حد كبير صورة محمد بن سلمان كأمير إصلاحي وصاحب رؤية، حيث ظهر ولي العهد للجمهور السبت 27 فبراير/ شباط، اليوم التالي لنشر التقرير، في سباق “الفورمولا إي” الذي أقيم في الدرعية – الواقعة على أطراف الرياض- مسقط رأس سلالة آل سعود.
“فرقة النمر”
كما ذكّر بأن ولي العهد لم يُستهدف بشكل مباشر من خلال العقوبات الأمريكية المعلنة والتي شملت بشكل مباشر جميع الأشخاص السبعة عشر الذين تم تحديدهم ويشار إليهم باسم “فرقة النمر” المشاركين في العملية، إذ كانت العقوبات عبارة عن تجميد أصولهم في أمريكا، كما يواجه 76 شخصًا حظر الدخول للولايات المتحدة.
لكن وفقا للخبير المتخصص في الشأن الخليجي، الولايات المتحدة تعلم أن هامشها ضيق، وأيضًا أنها لن تستطيع أن تزدري بشكل دائم وعميق أكبر قوة إقليمية لها تأثير حقيقي على حلفائها بالمنطقة.
ويبين أنه من خلال القيام بذلك، يمكن القول إن واشنطن أرادت التخفيف من الوضع السام الذي نشأ خلال عهد رئاسة دونالد ترامب، كما ترسل إدارة بايدن إشارة قوية لإسرائيل، مفادها أن سياساتها في المنطقة لن تمليه أية دوافع بخلاف المصالح الأمريكية، حيث كان تقارب إسرائيل مع الأنظمة الملكية الخليجية الذي حدث قرب نهاية فترة ترامب يمليه النفور المشترك من إيران.
فعلى عكس أسلافه، لم يهاتف جو بايدن بنيامين نتنياهو إلا في 16 فبراير/ شباط، كان ذلك بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من تنصيبه الذي أثار تساؤلات في إسرائيل.
ويؤكد ومن ناحية أخرى، لم تتردد إدارة بايدن، مع استمرار انفتاحها على استئناف المفاوضات مع طهران، في ضرب أهداف إيرانية شرق سوريا رداً على الهجمات الموجهة ضد وجودها في العراق.
إهانة لا تغتفر
ومن وجهة نظر جان بول غنيم، من خلال ما حدث فقد خاطر جو بايدن، الذي لا يتعاطف كثيرًا مع السعودية، ومع ذلك فقد سعى إلى طمأنة “حلفائه” الخليجيين بشأن استمرار أمنهم وتعاونهم.
واختتم جان بول غنيم مقاله بالقول: من المرجح أن العلاقة ستتأثر بين البلدين بشدة حتى لو بذل الطرفان قصارى جهدهما للحفاظ على المظهر الخارجي، حيث لن يقبل السعوديون بسهولة فقدهم ماء الوجه بشكل واضح (الأمر الذي يعتبر إهانة في العالم العربي لا تغتفر).
لكن العلاقة القوية، التي تمليها المصالح المشتركة، ستستمر بشكل أو بآخر، غير أن الأمر المؤكد هو أنه: من غير المرجح أن يتم استقبال محمد بن سلمان بالبيت الأبيض في المستقبل القريب.
للإطلاع على النص الأصلى اضغط هنا
اقرأ أيضًا: كيف مثل فيلم “المنشق” تجسيدا حيا للعنف الذي ترعاه دولة بن سلمان؟
اضف تعليقا