رأى سيباستيان بوسوا، الباحث المتخصص في الشرق الأوسط والحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يسعى خلال السنوات الأربع المقبلة مواصلة نفوذه وتجنب النكسات التي تلاحق نظيره السعودي محمد بن سلمان منذ وصول جو بايدن للبيت الأبيض.
وقال بوسوا إن محمد بن زايد، المعروف أيضًا باسم “MBZ” ورجل أبو ظبي القوي، يتوارى عن الأنظار في الوقت الحالي، فهذا الاستراتيجي العسكري قبل كل شيء، سرعان ما شعر بالتغييرات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، مع وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض.
وأوضح أنه خلال الفترة الماضية لم نر هذا الرجل أو نسمع عنه إلا قليلا، وهذا واضح بشكل جيد، لأن كل الأضواء مسلطة على حليفه الإقليمي الرئيسي محمد بن سلمان، الذي يتلقى الكثير من الضربات.
وأشار إلى أن ابن زايد انتهز فترة الاضطراب التي يمر بها نظيره السعودي، للاقتراب من موسكو، حيث استقبل في أبوظبي سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي يوم 9 مارس/ آذار الجاري، للتفكير في مستقبل مشترك.
وأكد الباحث المتخصص في الشرق الأوسط، على أن هناك شيء واحد، على الأقل، أدركه محمد بن زايد خلال الشهرين الماضيين وهو: أنه لم يعد هناك شيك على بياض، في هذه المرحلة، يمُنح لإستراتيجيته الشاملة للاستفزاز والتأثير بالشرق الأوسط، كما كان الحال – بوضوح ووقاحة – لمدة أربع سنوات في عهد دونالد ترامب.
وتابع “لذلك أيقن ولي العهد الإماراتي أنه يجب عليه مرة أخرى تطوير تحالفات قوية تمكنه من متابعة غزوه الإقليمي والعالمي، فبعيدا عن الكاميرات، يراقب الوضع ويعيد نشر قواته وكذلك استراتيجيته، بمنطق لا ينبغي أن يجذب فضول البيت الأبيض بشكل مفرط في الوقت الحالي.
الإسلام السياسي
وبين أنه بينما تركز الإدارة الأمريكية الحالية على إعادة تحديد علاقتها مع المملكة العربية السعودية من ناحية، والمفاوضات مع إيران من جهة أخرى، فإنها تترك النظام الإماراتي الغني مطمئن البال نسبيًا، رغم أنه أثار الفتنة – تمامًا مثل السعوديين- في المنطقة على مدار أربع سنوات.
ونوه بأن هذه الفترة تعد فرصة لولي عهد أبو ظبي من أجل تحريك بيادق إضافية وحشد الدعم الدولي للأغراض الإقليمية، بهدف مواصلة، من بين أمور أخرى، نضاله المستميت ضد الإسلام السياسي ونفوذ أعدائه، وخاصة الأتراك والإيرانيين والقطريين، أحد الأرضيات المشتركة للتقريب بين فلاديمير بوتين ومحمد بن زايد.
وتساءل الكاتب هل ستتغير الأمور في المنطقة مع وصول جو بايدن إلى سدة الحكم؟، مجيبا “أنا لست على يقين من ذلك، فغالبًا ما تعلن الولايات المتحدة، التي أحيانًا تكون استراتيجيتها الإقليمية مشوشة، فك الارتباط تجاه الشرق الأوسط، بينما تسعى للاحتفاظ بوجد لها في المنطقة بطريقة أو بأخرى، لكن ذلك الفراغ لن يخدم الدبلوماسية الأمريكية أبدًا”.
ولذلك، يشير بوسوا، إلى أنه من أجل معاقبة ولي العهد الشاب، وبدون قطع علاقتها بالرياض، قامت واشنطن بجعل الملك سلمان المحاور السعودي الوحيد لها في هذه المرحلة، والكشف عن تقرير يتهم نجله بالمسئولية عن اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، بقنصلية الرياض في إسطنبول.
ورأى أن ذلك، رهان آمن على أن المواقف الأمريكية على الأرض لن تتغير، من سوريا إلى العراق، بما في ذلك إيران والسعودية، أي يجب أن تبقى العلاقة بين واشنطن والرياض كما هي، وكذلك التحالفات في الخليج بشكل عام، بغض النظر عن عداوات بعضهم هذه الدول لبعض.
وشدد على أن محمد بن زايد، الذي غالبًا ما يتصدر عناوين الصحف في المنطقة، قد يكون راضيًا، في الوقت الحالي بتجاهله من قبل واشنطن، يستقبل بعض نظرائه، ويعقد اجتماعات، ويقيم السياسات الإقليمية، وحتى يزور أجنحة معرض الأسلحة الدولي آيدكس – الأكبر في العالم، لكن في الحقيقة ولي العهد الإماراتي ليس مطمئنا.
جنون العظمة
ووفقا له، فإن بن زايد، متوقعا ضربات (محتملة) مستقبلية للإدارة الأمريكية الجديدة، بحاجة إلى حلفاء أقوياء لحماية استقلاله، وفي نفس الوقت يقدم بيادقه تجاه روسيا، وكذلك ربما يكون هذا الوقت هو الخيار الأفضل لتطبيع العلاقات الإقليمية الأخرى.
وهكذا، بمناسبة زيارة سيرجي لافروف قبل أسابيع قليلة، جدد محمد بن زايد رغبته في تطبيع علاقاته مع نظام دمشق، تحت رعاية موسكو، ما يزعج واشنطن، فيما قال بهذه المناسبة إنه يريد إعطاء “الأولوية للسلام والاستقرار والازدهار”.
وبالمثل، فقد حاول تقاربًا خجولًا مع إيران، في صيف عام 2019، من أجل محاولة إعادة 400 ألف إيراني فروا من دبي بعد بدء الحصار على قطر في يونيو/ حزيران 2017، والذي أدخل اقتصاد هذه المدينة في أزمة منذ ذلك الحين.
وبحسب الكاتب فإن “المصالحة” الأخيرة داخل مجلس التعاون الخليجي بين الرياض والدوحة كانت حجة أخرى لمحمد بن زايد لعدم الاعتماد فقط على المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.
وأوضح إلى أن أنه منذ عدة أشهر، كانت الاستثمارات الخاصة الإماراتية في سوريا ضخمة، لكن موسكو وأبو ظبي تريدان الذهاب إلى أبعد من مجرد اتفاقيات جيوستراتيجية “بسيطة” حول تنمية المنطقة.
ففي حين لدى الإمارات أكثر من هدف طموح لغزو الفضاء، فقد أعلنت مؤخرا عن إنشاء مشروع مشترك مع الروس، لإنتاج طائرة أسرع من الصوت، لتتنافس علنًا مع سبيس إكس التابعة لشركة إيلون ماسك الأمريكية التي ترعاها واشنطن، والتي يجب أن تتولى الرحلات الفضائية المأهولة المستقبلية التي يحلم بها الجميع.
ومن المتوقع أن تكشف شركة الطائرات المتحدة الروسية وشركة مبادلة للاستثمار في أبو ظبي عن تصميم هذه الطائرة المستقبلية بحلول نهاية العام.
وأنهى الكاتب حديثه بالقول: يبدو أن محمد بن زايد، وبشكل سري، مصمم على الاستفادة من السنوات الأربع المقبلة لمواصلة صعوده المتسم بجنون العظمة وبلا حدود.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اقرأ أيضًا: لوموند: بالأرقام.. هكذا تزدهر السياحة الجنسية في دبي
اضف تعليقا