دماء من كل اتجاه..
رغم أن قضية الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي الذي اغتيل على يد النظام السعودي بسفارة بلاده في اسطنبول التركية نهاية العام 2018، ظلت مسيطرة على عناوين الأخبار ردحا كبيرا من الزمن، وما زالت هي العنوان الأبرز في شكل علاقة الولايات المتحدة مع الانتهاكات الحقوقية في المملكة العربية السعودية.. إلا أن الواقع أن قضية خاشقجي ليست سوى واحدة من قائمة طويلة من الانتهاكات التي لفت إليها تقرير حديث صادر عن الخارجية الأمريكية.
تقرير حقوق الإنسان لعام 2020 الذي تصدره الوزارة الأمريكية سنويا؛ لتسليط الضوء على الوضع الحقوقي حول العالم، أعاد قضية حقوق الإنسان في السعودية إلى الواجهة من جديد، بعدما سلطت الضوء على عمليات القتل غير المشروعة، من خلال تنفيذ أحكام الإعدام على جرائم غير عنيفة والاختفاء القسري والتعذيب وحالات المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للسجناء والمحتجزين، و القيود الخطيرة على حرية التعبير والصحافة والإنترنت.
واتهمت الخارجية الأميركية الرياض بعدم معاقبة المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بما في ذلك التهديد بالعنف أو الاعتقالات غير المبررة أو الملاحقات القضائية ضد الصحافيين وحجب المواقع، والانخراط في المضايقة والترهيب ضد المعارضين السعوديين الذين يعيشون في الخارج. وأكد التقرير أيضا أن السعودية ارتكبت انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان كالقتل غير المشروع والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي.
وبطبيعة الحال، تطرق التقرير كذلك إلى محاكمة قتلة الخاشقجي، ونقل عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء، وصفه بأنها كانت محاكاة ساخرة للعدالة، حيث قال إن المسؤولين رفيعي المستوى الذين نظموا وقرروا إعدام جمال خاشقجي طلقاء منذ البداية. وأضاف التقرير، الذي صدر الثلاثاء الماضي، وشمل ما يقرب من 200 دولة حول العالم، أن “الرياض استخدمت حملات مكافحة الفساد ذريعة لاستهداف المعارضين السياسيين”.
توجه أمريكي جديد
وعلى عكس ما سعى إليه ترامب من تثبيت أقدام الديكتاتوريات العربية بشكل معلن، فإن مسؤولا أمريكيا في الإدارة الجديدة كشف لوكالة “أسوشيتد برس”، أن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ألغى مخططا دعمه سلفه “مايك بومبيو”، لتقييد نهوض الولايات المتحدة بحقوق الإنسان في الخارج من أجل دعم قضايا يفضلها المحافظون.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير 2021، انتهجت إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” مقاربة أكثر وضوحا بشكل نسبي من مسألة حقوق الإنسان في العالم. ونقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن المسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية قوله، إن “بلينكن يعتزم التعبير عن الرفض بشكل حاسم لتقرير أعده وزير الخارجية السابق مايك بومبيو والذي سعى إلى تقليص عدد الحريات التي تحظى بالأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية”.
وقال وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن خلال تقديمه التقرير السنوي لوزارته حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم: “سنستخدم كل أدوات دبلوماسيتنا للدفاع عن حقوق الإنسان ومحاسبة الذين يرتكبون الانتهاكات”، مؤكدا أنّ إدارة بادين ستعترض على “انتهاكات حقوق الإنسان أينما حصلت ومن دون أن تهتمّ لكون المسؤولين عنها خصوما أو شركاء”.
حبر على ورق
لكن التقرير الأميركي يبقى مجرد حبر على ورق، ويأتي في إطار الانتقادات فقط، من أجل الضغط على المملكة وابتزازها كما يرى المراقبون، حيث أن سلوك إدارة جو بايدن خيبت آمال المدافعين عن حقوق الإنسان بعد المقاربات السياسية للإدارة الأميركية الجديدة التي تجنبت أي شرخ دبلوماسي مع الرياض في قضية خاشقجي رغم الكشف عن التقرير السري الذي يظهر تورط ولي العهد محمد بن سلمان بأنه هو من أمر بقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا.. لكن الأمر لا يقف عند السعودية وحدها، بل يبدو وكأنه توجها عاما لدى الإدارة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، لفت الوزير الأميركي بالخصوص إلى “الإبادة المرتكبة في حقّ الأويغور وغالبيتهم مسلمون” في إقليم شينجيانغ الصيني، وقمع القوات المسلّحة البورمية للمتظاهرين المعارضين لانقلاب فبراير، بالإضافة إلى “اعتقال معارضين” في روسيا، و”العنف ضدّ المتظاهرين في بيلاروسيا”، و”الانتهاكات التي يتعرّض لها سكان اليمن”، و”الفظائع” التي وقعت في إقليم تيغراي الإثيوبي، و”عمليات الإعدام والإخفاء القسري والتعذيب التي ارتكبها النظام السوري”.
لكن ورغم ذلك، لم يعلن بلينكن عن أيّ إجراءات عقابية جديدة، في وقت لم تؤدّ فيه العقوبات الحالية المفروضة على الصين أو بورما، على سبيل المثال، إلى أيّ نتيجة سوى أنّها دفعت ببكين للردّ بعقوبات مماثلة، كما أن بايدن قد فشل في أنظار منتقديه في أحد أول اختباراته في هذا المجال عندما بدا في قضية خاشقجي أنّه يأخذ في الحسبان اعتبارات أخرى تتخطّى اعتبارات حقوق الإنسان.
وانتقد هؤلاء الرئيس بايدن لعدم الذهاب إلى فرض إجراءات عقابية على بن سلمان فيما اكتفت الإدارة الأميركية بتوجيه اللوم والانتقاد لا غير، وغيبت حقوق الإنسان في مقابل المصالح والتحالفات، فالتقرير انتقد أيضا وضع حقوق الإنسان في مصر وقال إن الحكومة المصرية ارتكبت أعمال قتل تعسفي خارج نطاق القانون، لكنه رغم ذلك اعتبر نظام القاهرة “حليفا إقليميا”.
وأثارت هذه “المقاربة السياسية الواقعية” خيبة أمل لدى المدافعين عن حقوق الإنسان وكشفت عن مقاربة حذرة لواشنطن لتجنّب أي شرخ دبلوماسي مع الرياض. ومع ذلك، فقد ميّز الرئيس الديموقراطي نفسه بشكل واضح عن سلفه الجمهوري الذي كان يرفض مجرّد توجيه اتهام علني لوليّ العهد السعودي والذي، على نطاق أوسع، لم يجعل حقوق الإنسان أبداً أولوية في سياسته الخارجية.
اقرأ أيضًا: من جيوب فقراء المملكة.. كيف يهدر آل سعود أموال المواطنين في “هدايا” للأصدقاء؟
اضف تعليقا