• سياسات خارجية متوازنة..

 

في تقرير سابق للعدسة بعنوان ““، أشرنا فيه إلى أن الحراك الخارجي الذي تتبناه السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا يشير إلى تبنيها رؤية خاصة تهدف إلى إحداث حالة من التوازن مع الأطراف الخارجية ذات المصالح في الملف الليبي، وكذلك بهدف فك اشتباك مصالح هذه الدول، من خلال محاولة منح كل منها عددًا من المشاريع التنموية في إعادة الإعمار وغيرها.

وقد رأينا هذه التحركات تجاه فرنسا وإيطاليا ومصر وتركيا، وهي من أكبر الدول ذات التدخلات والمصالح في ليبيا.

والسلطة الليبية إذ تنزَع إلى تبني هذه السياسات، تهدف في النهاية إلى تحقيق الأمن في الداخل الليبي بعد أن ساهمت التدخلات الخارجية في انهياره وترديه.

لكن، ماذا عن روسيا؟ والتي تعد أكثر تلك الدول انخراطًا من الناحية العسكرية -عن طريق مرتزقة شركة فاغنر المقربة من الكرملين-  في الصراع الليبي.

ورغم مؤشرات النجاح النسبي المبدئي من خلال التصريحات والنتائج الإيجابية التي حملتها زيارات رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، إلى باريس والقاهرة وأنقرة، أو زيارة وفود أوروبية إلى مقر الحكومة في طرابلس، وما تبع هذه اللقاءات من إسراع عدد من الدول في الإعلان عن إعادة فتح سفاراتها في العاصمة الليبية، طرابلس، أو الحديث عن التشارك في مشاريع إعادة الإعمار، إلا أن التصريحات والمواقف الروسية تبدو أنها قد تتحول إلى عقبة كبيرة.

 

  • صراع روسي أمريكي..

 

ففي مقابل ارتفاع مستوى اشتباك أو تداخل الولايات المتحدة مؤخرًا في الملف الليبي، حيث باتت تصريحات مسؤولي البيت الأبيض أكثر وضوحًا فيما يتعلق بضرورة إنهاء الصراع في ليبيا ودعوة الأطراف المختلفة إلى المضي قدمًا في دعم السلطة الانتقالية الجديدة، ركزت تصريحات المسؤولين الروس على انتقاد السياسة الأمريكية في الملف الليبي، ومنها تصريحات النائب الأول لممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، التي أكد فيها على موقف بلاده من “الدور السلبي للعمليات العسكرية التي نفذها حلف الناتو في ليبيا خلال عام 2011 م” مضيفًا أنها “حولت ليبيا إلى ما هي عليه الآن”. 

كما اعتبر سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أن تدخل حلف الناتو بقيادة أمريكا في ليبيا عام 2011 “ثقب أسود”، تسبب في نزوح آلاف اللاجئين إلى أوروبا من خلال ليبيا، علاوة على تهريب الأسلحة والمسلحين إلى مناطق الساحل والصحراء.

وفي تصريحات لقناة RT الروسية، أكد الوزير الروسية دعم موسكو لعملية سياسية في ليبيا “ترضي جميع الأطراف”، لكنه تساءل مشككًا في في الجدول الزمني الموضوع من قبل الأمم المتحدة لإجراء انتخابات ليبية، حيث قال: “هل سيكون كافيا أم لا في ظل ظروف ليبيا الحالية؟”. 

وتأتي تصريحات لافروف بعد يومين من مشاركة فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، في مؤتمر، مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وخلال المؤتمر عبر الثلاثة عن أملهم أن تتمكن فرنسا وألمانيا، مع روسيا، من وضع كل ثقلهم لتعزيز العملية الانتقالية، حسب بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية.

وهي خطوة رآها بعض المحللين والأكاديميين السياسيين محاولة أوروبية -بإيعاز أمريكي- لاحتواء أو إضعاف الموقف الروسي في ليبيا.

ولطالما عبرت واشنطن عن تخوفاتها وهواجسها من تزايد التوغل الروسي في الشأن الليبي، من خلال تدخل المئات -وفي بعض تقديرات الآلاف- من مرتزقة شركة “فاغنر” الروسية المقربة من الكرملين، وبصحبتهم أسلحة متطورة ومعدات ثقيلة وطائرات، في مواقع حساسة، لا سيما داخل قواعد عسكرية في سرت والجفرة وسط البلاد.

وهي الهواجس التي يعتبرها مراقبون أنها المحرك والدافع الرئيس للانخراط الأمريكي في الملف الليبي، وقد يكون الدفع بألمانيا لقيادة حراك أوروبي في هذا الإطار أحد أشكال هذا الانخراط، بهدف حشد موقف دولي موحد لعزل روسيا.

 

  • الترحيب الروسي ليس نهاية المطاف..

 

ومع أن موسكو عبرت عن ترحيبها بالسلطة التنفيذية الجديدة واتفاق وقف إطلاق النار والشروع في المسار السياسي، فإنها لا تزال تسعى -في ذات الوقت- إلى تعزيز التواجد العسكري غير المباشر -عن طريق فاغنر- لها في ليبيا.

حيث أكد المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت-الجفرة، عبد الهادي دراه، أن طائرة شحن روسية هبطت، الاثنين الماضي، في مطار القرضابية في مدينة سرت، علاوة على وجود تحليق كثيف مستمر فوق سماء المدينة.

ومن الجدير بالذكر أن استمرار التحرك العسكري الروسي أتى تزامنًا مع استعراض عسكري حضره الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، وهو ما أعطى انطباعًا أو تخوفًا لدى البعض من أن حفتر وحلفاءه لا يحبذون كثيرًا تحقيق أمن واستقرار ليبيا من خلال المسار السلمي.

ومن المهم إدراك أن مجرد تصريح الروس بأنهم يرحبون أو يدعمون المسار السياسي في ليبيا، فإن هذا لا يعني -على الإطلاق- الجزم بأن هذا هو موقفها الفعلي، فلطالما رحبت موسكو بجهود الأمم المتحدة والعملية السياسية في ليبيا، بل إنها تواصلت بالفعل مع حكومة الوفاق الشرعية، لكنها -من ناحية أخرى- كانت تدعم الأطراف المتمردة وحفتر سرًا.

وكما جاء في تقرير العدسة المذكور عاليه، فمن المتوقع أن يزور محمد المنفي روسيا قريبًا على غرار زياراته خلال الشهر الماضي للعواصم الدولية والإقليمية الأخرى.

وفي بدا أنه تمهيد للزيارة المرتقبة، أعرب عبد المجيد كشير، رئيس النقابة العامة للبناء والتشييد والإنشاءات الحكومية، عن ترحيب بلاده بالمشاركة الروسية المرتقبة في عمليات إعادة الأعمار، مؤكدًا في ذات الوقت أن الشركات الروسية “لم تتواصل حتى الآن مع النقابة بعروض تعاون”، وفقًا لتصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية.

من الجدير بالذكر أن الاستعراض العسكري الذي الذي حضره حفتر، ظهرت خلاله طائرات وأسلحة روسية متطورة، وهو ما اعتبره البعض رسالة روسية للساعين لعزلها بأنها لا تزال تمتلك أيادٍ تمكنها من خلط الأوراق في أية لحظة إن لم يُستجَب لمطالبها وتُراعَ مصالحها في الأراضي الليبية.

اقرأ أيضًا: موسكو تخسر حصرية “بانتسير”.. هكذا دفعت روسيا ثمن رهانها على الإمارات في ليبيا