شمرت الإمارات العربية المتحدة عن سواعدها بكل قوة لبناء تحالف آسيوي شرس يواجه الصعود الإسلامي الفاعل في القارة والذي تتزعمه باكستان وتركيا وماليزيا ومعهم عدد من البلاد الإسلامية في البلقان وما حولها كأذربيجان والشيشان، وهو الأمر الذي بات يسبب مصدر قلق مباشر للنظام الحاكم في أبو ظبي والذي يعتبر أي صعود للمسلمين في القارة يمثل تهديدا مباشرا لمصالح حليفه الأبدي، إسرائيل.

وأمام الصعود المتسارع للحلف الإسلامي الجديد بالقارة، اضطرت الإمارات للنبش في صراعات القارة الكبيرة بحثا عن حلفاء يمكن الاعتماد عليهم في بناء تحالف مناهض للحلف الإسلامي الصاعد بالمنطقة، ويبدو أنها وجدت ضالتها أخيرا في الهند، العملاق الآسيوي الذي يواجه صداما مباشرا مع باكستان وتركيا، ويحمل خصومة يمينية متشددة ضد الهوية الإسلامية في ماليزيا وأندونسيا.

ورغم أن الأمر ظل على مدار شهور حديث الساحة الإعلامية، إلا أنه بقي حبيس التحليلات التي تتحدث عن تسريبات من هنا وأخرى من هناك، حتى كشفت دراسة أكاديمية أخيرا عن اقتراب الإعلان عن قيام تحالف جيواستراتيجي جديد بين “إسرائيل” والإمارات والهند لمواجهة الحلف الذي تقوده تركيا وماليزيا.

وبحسب ما أكده معهد الشرق الأوسط الأمريكي لدراسة السياسات، فإن الإمارات تسعى لبناء نظام جديد للإقليم الآسيوي بهدف تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة، لوقف “التمدد الشرس” للحلف الإسلامي الصاعد في القارة والذي يضم بين جنباته كلا من تركيا وماليزيا وأندونسيا وباكستان وأذربيجان وغيرهم، وهو الأمرالذي تعتبره الإمارات ونظامها الحاكم -بحسب المعهد الأمريكي- تهديدا مباشرا لمصالح إسرائيل. 

تقرير المعهد اعتبر أن هذا الحلف الـ”هندو-إبراهيمي” يعتبر هو الجائزة الكبرى لإسرائيل في قارة آسيا بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال، لا سيما مع سعي تركيا لسياسة خارجية أكثر قوة بالقارة، وتباعد المسافة بشكل متزايد بين باكستان والإمارات بسبب دعم الأخيرة للهند في حربها الكشميرية والتي تعتبرها باكستان خطا أحمرا وفوق العبث أو التفاوض حوله بأي طريقة.

لكن إقامة تحالف بهذا الشكل -وإن كان يصب في مصلحة القارة الأوروبية العجوز لوقف التمدد التركي، إلا أنه أيضا يسبب انزعاجا من صعود العملاق الهندي -أو الصين الصغرى على حد وصف كثير من منصات الإعلام اليميني في أوروبا- وبناء علاقات متجذرة مع دولة الكيان الصهيوني الذي لا تأمن أوروبا نفسها جانبها، وتعرف بأنها في حال وجدت حليفا جديدا يمكن الوثوق به، فإنها سرعان ما ستتخلى عن أوروبا بشكل فوري.

لكن هذا التخوف الغربي سرعان ما يتبدد بسبب الحضور الإماراتي في بناء الحلف، إذ يعرف الأوروبيون أن النظام الإماراتي هو حليف يمكن الوثوق به، لأن عدواته للصعود الإسلامي في المنطقة ليس نابعا من رؤية سياسية محايدة، وإنما من موقف راسخ يتعلق باستمرارية النظام الإماراتي نفسه في موقعه، وبالتالي فإن المجتمع الغربي يدرك تماما أن الإمارات لن تسمح لأي تغير في مسار الحلف الجديد يبعده عن معاداة الصعود الإسلامي بالقارة.

التفهم الأوروبي للتحالف الإماراتي الإسرائيلي الهندي بدا واضحا في عدة مواقف، أشهرها حين دعت اليونان إلى إقامة حوار ثلاثي مع الهند والإمارات، ويبدو من المحتمل أن يتم توسيعه ليشمل دولة الكيان الصهيوني أيضا؛ “نظراً لدورها الأساسي في موقف اليونان في غاز شرق البحر المتوسط” بحسب تقرير المعهد، وهو ما يمثل إشارة إلى الرضا الغربي عن بناء الحلف الجديد الذي يصب مباشرة في تقويض التوغل التركي -الخصم المباشر لليونان وأوروبا بشكل عام- في شرق المتوسط، وهي القضية الأكثر مساسا للجانب اليوناني مع تركيا هذه الأيام.

أما حلفاء التحالفات، أو بلغة أخرى “الحلفاء اللاحقون بالمعادلة”، فتأتي السعودية في حلف الإمارات، لتقابلها باكستان في الحلف الإسلامي، إذ يبدو واضحا أن العلاقات الباكستانية السعودية سرعان ما تدهورت نتيجة لـ “التخلي” السعودي عن باكستان في قضية كشمير، والتقارب الواسع بين نظام ابن سلمان في السعودية ونظام مودي اليميني المتطرف ضد المسلمين في الهند.

ولذلك، ترحب السعودية بلا مجال للشك بهذا التحالف الإماراتي الجديد، لأنه يحقق أهدافها في التقارب الواسع مع النظام الهندي، وكذلك يوفر فرصة مثالية لبناء تحالف تطبيعي مع دولة الاحتلال الصهيوني، وفي الوقت نفسه يقوض من التوغل التركي في المنطقة، ويمثل عقابا رادعا لباكستان عن تغير مزاجها من النظام السعودي الذي لطالما اعتبر باكستان حديقة خلفية لقراراته، منتظرا منها أن تكون البحرين الأخرى التي تصفق لقراراته وتهلل لها على الدوام، وهو الأمر الذي ربما فطنت له باكستان متأخرا حين قررت سحب جنودها من المأزق اليمني والكف عن قتل الشعب اليمني ضمن تحالف السعودية والإمارات هناك.

وبخصوص أذربيجان وما حولها من دول ستان السوفياتية السابقة، فإن الأمر في حالتها يبدو مباشرا وبسيطا، إذ لا يمكنها الوثوق سوى في تركيا التي دعمت قواتها بشراسة في حربها لاستعادة إقليم قره باغي بالقوقاز، والذي لولا الدعم التركي ما كانت أذربيجان لتحظي بالسيطرة عليه بأي طريقة ممكنة بعدما ظل الملف الخاص به مجمدا منذ عشرات السنوات.

أما تركيا، اللاعب الأهم في تلك المعادلة، فتمضى قدما في تحالها مع باكستان التي تنظر إلى تركيا باعتبارها شريكاً أمنياً موثوقاً ومورداً للأسلحة، خاصة بعد صعود الطائرات التركية بدون طيار، كما تدعم تركيا عضوية باكستان في مجموعة موردي المواد النووية، وعارضت سابقاً عضوية الهند في المنظمة بناءً على طلب باكستان، وهو الأمر الذي تجله الأخيرة لتركيا ونظامها، ولا زالت تحتفظ لها به بموقع الصدارة في بناء تحالفتها في قارة مشتعلة رغم جوها القارس.