قبل أيام، أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا مفاجئًا بوقف منح بطاقات دعم المواد الغذائية للمتزوجين حديثًا، معلنًا أن الدعم كان سبب تأخر الدولة في التنمية. لسوء الحظ، سبق هذا القرار قبل أربعة أشهر قرار مماثل بقطع الدعم عن الخبز، وبالتالي رفع سعر السلعة التي تشكل غذاءً أساسيًا للفقراء في مصر.

وبدا السيسي منزعجًا جدًا من حجم الأعباء التي تتحملها الحكومة، وطالب فقراء البلاد -كالعادة- بتحمل التكاليف المترتبة على رفع الدعم، وهم مطالبون بذلك من أجل تقدم الشعب. ومع ذلك، يبدو أن شعارات التقشف التي يرفعها السيسي موجهة للفقراء فقط، فهي لا تعني له شيئًا، فهو مستمر في الاستمتاع بأموال الناس، وشراء طائرات جديدة، وبناء قصور فخمة.

طائرة رئاسية جديدة

وقبل بضعة أشهر، اشترى السيسي طائرة بوينج B747-8 الفاخرة العملاقة، طائرة جامبو جيت، والتي تكلف حوالي 418 مليون دولار لتحل محل طائرة الرئاسة الحالية.

 تعمل طائرة السيسي الجديدة في مطارات بوينج منذ عام ،2012 بعد أن ألغت شركة لوفتهانزا الألمانية طلب شرائها، حيث كانت جزءًا من صفقة أبرمتها لوفتهانزا مع شركة بوينج لتزويدها بـ20 طائرة، قبلت الشركة الألمانية 19 منهم ورفضت هذه الطائرة.

وفقًا لموقع German Flag Review المتخصص في الطائرات، فإن سبب إلغاء شركة لوفتهانزا لشراء طائرة Boeing B747-8 يرجع إلى سببين، الأول، أن شركة بوينج قامت بإدراج الطائرة في اختبارات الطيران بشكل مكثف أكثر مما تم الاتفاق عليه في العقد، والثاني، هو وجود تغييرات فنية غريبة في الطائرة.

 تم تضمين الطائرة B747-8 في طلبات مبيعات بوينج في فبراير الماضي حتى بدأ فنيو الشركة في تشغيل الأنظمة الميكانيكية في يوليو. ثم أقلعت الطائرة في أغسطس مباشرة إلى مطار بوينج في إيفريت بواشنطن، حيث ظهرت على مدرج المطار تحت اسم “SU-EGY”، مما يشير إلى أنها أصبحت تابعة للحكومة المصرية.

وللمفارقة، فإن قيمة هذه الطائرة أقل بقليل من سعر 14 طائرة اشترتها الرئاسة خلال 30 عاما من حكم الرئيس الراحل حسني مبارك. وبلغت قيمتها الإجمالية 507 ملايين دولار، فيما امتلك السادات طائرتين من طراز بوينج 707 أهداهما الشيخ زايد بن سلطان حاكم الإمارات، كما أعطاه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر طائرة هليكوبتر. من ناحية أخرى، فضل جمال عبد الناصر استئجار طائرة لنقله، ولم يشتر طائرة رئاسية خلال سنوات حكمه الطويلة.

 وستحل الطائرة B747-8 محل طائرة الرئاسة المصرية الحالية من طراز إيرباص A340-200 SU-GGG في الخدمة منذ عام 1995.

 وهذه خامس طائرة رئاسية يشتريها السيسي منذ توليه منصبه، فكان قد اشترى سابقًا أربع طائرات فاخرة في عام 2016 من طراز “فالكون 7 إكس” التي أنتجتها شركة داسو الفرنسية للطيران، في صفقة بلغت قيمتها 300 مليون يورو (354 مليون دولار).

 يبلغ طول الطائرة 23.2 مترًا وعرضها 2.34 مترًا وارتفاعها 1.88 مترًا. يمكن أن تحمل ثمانية ركاب، بخلاف طاقم الطائرة، ويمكن أن تطير حوالي 11000 كيلومتر، كما أنها مجهزة بالعديد من الخدمات مثل الهواتف الفضائية، وماكينات صنع القهوة، وأفران الميكروويف لتسخين الطعام، ومساحات فسيحة للجلوس والنوم.

تم إبرام هذه الصفقة بينما كانت مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة. فقبلها ثلاثة أشهر فقط، قررت الحكومة تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع أسعار المنتجات البترولية، ورفع الدعم عن الكهرباء والمواد الأساسية الأخرى في نوفمبر 2016.

 وهكذا، خلال سبع سنوات فقط، في فترة حكمه، اشترى السيسي طائرات بقيمة 774 مليون دولار. ثم يأتي ليخفض الدعم التمويني والخبز بحجة عدم وجود مال، ويطالب الشعب بتحمل هذه القرارات، لكنه لا يتحمل استخدام الطائرات الرئاسية التي تعود إلى عصور الأنظمة السابقة.

 ثلاثة قصور رئاسية جديدة

منذ عام 2014، شيد السيسي ما لا يقل عن ثلاثة قصور رئاسية جديدة، وأكثر من 10 فيلات رئاسية لتضاف إلى 30 قصرًا تاريخيًا واستراحات رئاسية تمتلكها مصر بالفعل.

 تبلغ مساحة مجمع قصر السيسي الضخم الذي يتم بناؤه في العاصمة الإدارية الجديدة حوالي 2.5 مليون متر مربع.  تعادل هذه المساحة بالكامل حوالي 607 فدانًا من الأراضي الزراعية، أما المقر الرئاسي، فيقدر بنحو 50 ألف متر مربع، أي عشرة أضعاف مساحة البيت الأبيض، والذي تبلغ مساحته 5000 متر مربع فقط.

 يقوم السيسي ببناء قصر فخم آخر، على طراز البيت الأبيض، على شاطئ البحر في مدينة العلمين الجديدة، والذي قرر جعله منتجعًا صيفيًا للحكومة للاستمتاع بهواء البحر الأبيض المتوسط ​​البارد، بدلًا من  جو القاهرة الحار.

 بنى السيسي القصر الثالث في بداية عهده في منطقة هيكستب العسكرية، وهو قصر فخم يحتوي على مهبط للطائرات وحدائق خضراء ومباني إدارية، ويوجد بجانبه أربع فيلات فاخرة تحتوي على حمامات سباحة خاصة، قيل إنها مخصصة لكبار مساعدي السيسي العسكريين.

 ولا ينكر السيسي أنه بنى كل هذه القصور، فقد قام بإلقاء خطاب في 14 سبتمبر 2019، واعترف فيه قائلًا: “نعم، لقد بنينا قصورًا وسنبني المزيد، ولكن ليس لنفسي، فأنا أعمل على بناء مصر جديدة”.

ونتيجة لذلك، أصبحت مصر، الدولة الكبيرة كما يصفها السيسي، بينما تواجه انتقادات لإنفاقها مليارات الجنيهات من المال العام على القصور الرئاسية لنفسه ولأسرته، فقيرة بشكل متزايد مع عدم كفاية الأموال لدعم أو إعالة مواطنيها.