قالت وكالة “بلومبيرغ”، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن انجذب على مضض إلى علاقات أوثق مع محمد بن سلمان (الملك المنتظر للسعودية)، حيث أجبره الغزو الروسي لأوكرانيا على إعادة التفكير في نهج المواجهة، في الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة للحد من أسعار النفط المرتفعة. ورأت الوكالة أن ولي العهد السعودي ليس مستعدا للعب على هذا النحو.
وأشارت إلى أن الموقف الأمريكي اللين، كما وصفه عشرات الأشخاص المطلعين على النقاش، جاء بعد شهور من الجهود التي بذلها بعض كبار مسؤولي الإدارة لإقناع بايدن بأن تجاهل الزعيم السعودي الفعلي يعيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وأوضحت أن الحاجة إلى عزل موسكو أعطت دفعة جديدة لمسؤولي الإدارة الأمريكية، حيث وصف أحد المسؤولين العدوان الروسي بأنه حدث يغير النموذج الذي يغير الطريقة التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية.
وبينت أن “هذا التحول هو في جزء منه اعتراف بأن بايدن وضع نفسه في زاوية خلال حملته الرئاسية، من خلال وصف المملكة العربية السعودية بأنها “منبوذة”، وهو انعكاس لاشمئزازه من مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018، ورغبته في التراجع عن علاقات سلفه المريحة.
واعتبرت أن المحادثات مع أشخاص في الرياض وواشنطن، ترسم صورة لإدارة تدرك أنه يجب الحفاظ على شراكة عمرها عقود، تضمن نفوذا للولايات المتحدة في أكبر منطقة مصدرة للطاقة في العالم، وتريد أيضا معاقبة الأمير محمد بن سلمان على حقوقه الإنسانية.
وقال أشخاص مطلعين على الأمر إن الجانبين كانا يحاولان ترتيب مكالمة بين بايدن وولي العهد للمرة الأولى، لكن التوترات أصبحت الآن عميقة، لدرجة أن الأمر سيستغرق بعض الوقت.
ونفت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، إميلي هورن، أن البيت الأبيض قدم طلبًا رسميًا لإجراء مكالمة مع ولي العهد السعودي، مشيرة إلى أنه لم تكن هناك مناقشات حول الدعوات اللاحقة على مستوى الرئيس؛ نظرا للمشاركة المنتظمة والمستمرة بين الطرفين، وفق قولها.
وأفاد مسؤول أمريكي، بأن السعوديين يتفقون مع بروتوكول الرئيس الذي يتحدث مع نظيره الملك، مؤكدا أن بايدن كان منفتحا على المحادثات مع ابن سلمان.
ورأت الوكالة أن بايدن وضع نفسه لمواجهة تحد خطير بعد توليه منصبه في يناير2021، من خلال الوعد بإعادة توجيه سياسته الخارجية بعيدا عن الشرق الأوسط، وجعل حقوق الإنسان أولوية أكبر.
ونبهت إلى أن الولايات المتحدة تعتمد على السعودية في 7٪ من وارداتها النفطية، وهو رقم لن يتزحزح كثيرا، كما أن الرياض تعد ثقلا إقليميا مهما في مواجهة إيران، التي يشن وكلاؤها المسلحون هجمات شبه يومية على حلفاء الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ولفتت إلى أن إدارة بايدن لقيت استقبالا سيئا بسبب سعيها إلى إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي من شأنه أن يمنح الجمهورية الإسلامية مكاسب نفطية غير متوقعة، دون معالجة مثل هذه المخاوف الأمنية.
وأشارت إلى أن السعودية رفضت تحميلها المسؤولية عن أي نقص نفطي في الأسواق العالمية طالما أن منشآتها للطاقة تواجه هجومًا من الحوثيين المدعومين من إيران، وحثت المجتمع الدولي على بذل المزيد لتأمين الإمدادات.
وشددت “بلومبيرغ” على أن الغزو الروسي لأوكرانيا يضيف مزيدا من التعقيد، إذ ساهمت في ارتفاع أسعار البنزين، وهو ما تحرص إدارة بايدن على خفضه قبل أن يتوجه الناخبون إلى انتخابات التجديد النصفي التي قد تسلم السيطرة على الكونغرس إلى الجمهوريين.
لكن إعادة بناء العلاقات لن تكون سهلة. يُنظر في الرياض إلى قرار بايدن تجاوز الأمير محمد والتعامل مع والده المسن فقط على أنه إهانة شخصية، وهي إهانة لن تُغفر بين عشية وضحاها، كما يشعر قادة السعودية بالاستياء من الاهتمام الذي أولته الولايات المتحدة لجارتها الصغيرة قطر، وهم يدركون أن الولايات المتحدة تتصل فقط عندما تحتاج إلى خدمة، وفق “بلومبيرغ”.
وتريد السعودية، إلى جانب إسرائيل والإمارات، من الولايات المتحدة معالجة المخاوف طويلة المدى بشأن دعم إيران للجماعات المسلحة، وتقديم ضمانات أمنية دائمة قبل أن يحتشدوا وراء جهود بايدن لعزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإرخاء أسواق الطاقة.
في إشارة إلى أن الرسالة تتسرب من خلالها، أدانت الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة، وتعهد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن الولايات المتحدة “ستدعم بالكامل شركائنا في الدفاع عن أراضيهم”.
ونقلت الولايات المتحدة عددا كبيرا من صواريخ باتريوت الاعتراضية المضادة للصواريخ إلى السعودية في الأسابيع الأخيرة، بناءً على طلبات عاجلة وسط توترات في العلاقة، وفق ما أفاد به مسؤول مطلع لوكالة “بلومبيرغ”.
ووصف شخص مطلع على موقف الإدارة، طلب عدم نشر اسمه، ولي العهد السعودي بأنه “عابس”، وهو وصف يشير إلى موقف الولايات المتحدة من حليف رئيسي في وقت الأزمات الدولية.
وقال كوري شاك، مدير دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايز، إن “الأمور لا تسير على ما يرام، وليس من المرجح أن تسير على ما يرام”. وأضاف: “هناك ميل قوي في السياسة الخارجية الأمريكية إلى توقع تخلي أي شخص آخر عما يفعله، وتحويل انتباههم على الفور إلى مساعدتنا في معالجة كل ما يقلقنا”.
ووفقا لأشخاص مطلعين، يشعر بايدن بالقلق إزاء رد الفعل السلبي في واشنطن، بما في ذلك من جانب الديمقراطيين في الكونجرس، الذين وصفوه بأنه ناعم للغاية، ومن صحيفة واشنطن بوست، الصحيفة المؤثرة التي نشرت أعمدة خاشقجي.
ويشعر بلينكن بالقلق من أن محمد بن سلمان لا يزال يفعل أشياء تستدعي الإدانة، حيث أعدمت السعودية مؤخرا 81 شخصا، وتزايد عدد الضحايا المدنيين في اليمن، حيث قصفت السعودية الحوثيين منذ أن أطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليا في عام 2015.
اضف تعليقا