مع دخول شهر رمضان المبارك فرض ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عدة قيود على المساجد الذي يفترض الالتزام بها منها جعل الأدعية قصيرة وعدم استخدام مكبرات الصوت في الصلاة، علاوة على ذلك، فقد مُنعت المساجد من بث الصلوات على وسائل الإعلام.
جدير بالذكر أن صلوات الحرم المكي تمثل جزء روحاني لدى جميع مسلمي العالم، فلماذا يفرض ولي العهد هذه القيود في هذا الشهر الفضيل؟! أم أن الأمر جاء على محض المصادفة؟ وإن لم يكن كذلك فما الذي يسعى إليه بن سلمان من خلال فرضه لتلك الأوامر الصارمة؟!.
السعودة مقابل الأسلمة
منذ مجيئ “محمد بن سلمان” لسدة الحكم وهو يسعى بشكل مباشر لتفريغ المملكة من المظاهر الإسلامية، والتي يبدو أنها مدفوعة بالرغبة في إبعاد الإسلام عن المجالات السياسية والاجتماعية في السعودية، ومن ثم إعادة تعريف الهوية السعودية كهوية قومية خالية من الحماس الديني الذي كان سمة مميزة للسعودية على مدار الـ90 عاما الماضية، ولذلك فإن قرار منع مكبرات الصوت بالمساجد أو عدم إذاعة الصلوات والاقتصار على أدعية قصيرة جاءت فقط لتكمل ما بدأه بن سلمان لتفريغ بلاد الحرمين من الهوية الإسلامية.
لم يكتف بهذا القدر فقد سعى في خطة ممنهجة لتحقيق ذلك بدءًا من دعوة الفنانين غير المحتشمين لعقد الحفلات الموسيقية، كذلك وجهت الهيئة العامة للترفيه التي يقودها “تركي آل الشيخ” والمقرب من “بن سلمان”، دعوة للمغنيتان “نيكي ميناج” و”ماريا كاري” لإحياء الحفلات في المملكة في عام 2019، كما دُعي “ديفيد جيتا” و”بيتبول” لإحياء سلسلة حفلات في الصحراء في عام 2021، وافتتحت جدة مؤخرا أول شاطئ بيكيني، وبدأت الحكومة في الضغط من أجل إنشاء ثقافة ملاهٍ ليلية رسمية، كما سعت المملكة أيضًا لاستضافة الفعاليات الرياضية رفيعة المستوى من أجل تقديم صورة للمملكة بـ “الانفتاح”، وتشمل هذه الفعاليات استضافة سباق “الفورمولا 1 جراند بريكس”، وبطولات الجولف الدولية، و”مصارعة “WWE، إضافة لذلك إلى دور السينما والمسرح وحفلات الرقص الصاخبة التي جميع المظاهر التي أطلق عليها “مظاهر تغريب المملكة”، إضافة لذلك فقد تم افتتاح أول ملهى ليلي في المملكة الذي يتبع ملهى “وايت دبي بالإمارات”.
إذًا ما سعى إليه بن سلمان اجتماعياً هو وضع هوية جديدة عبر محو أسلمة السعودية.
بن سلمان يغير المناهج التعليمية
عمل بن سلمان على تغيير الجانب الديني ثم الجانب الإجتماعي في المملكة، كي ينشئ جيلاً ينصاع إلى أفكاره، فقد عمد إلى تغيير المناهج التعليمية، فقد قلصت وزارة التعليم من الساعات التي تنفق بشكل كبير على دراسة تعاليم الإسلام والقرآن واللغة العربية، لصالح الموضوعات التي يعتقد “بن سلمان” أنها ترتبط أكثر بـ”التفكير النقدي”، إضافة لذلك فقد أعلن “بن سلمان” عن عطلة وطنية جديدة للاحتفال بتأسيس المملكة، وبدلا من الاعتراف بأن عام 1744 هو عام تأسيس المملكة السعودية الأولى الذي اتفق عليه المؤرخون اعتمد بن سلمان تاريخ 1727، مما يرجع تأسيس المملكة إلى ما قبل ظهور الشيخ “محمد بن عبد الوهاب”، الذي أدى تحالفه مع حاكم منطقة الدرعية إلى تحول في شبه الجزيرة العربية، وهذا يدل على سعيه لمسح الدور الديني للشيخ “محمد بن عبد الوهاب” والتأكيد على أن إنشاء المملكة كان مسعى قومي فريد قام به سلفه “محمد آل سعود”.
إصلاحات بن سلمان الوهمية
اشتملت إصلاحات “بن سلمان” على أعمال الترفيه التي ذكرناها آنفاً، لكن يبقى أن نشير أنه أي من الفئات يستهدف بتلك الإصلاحات، المجتمع السعودي أم المجتمع الدولي ؟!.. والحقيقة أنه يستهدف الاثنين، بمعنى أنه يظهر بدور المنقذ الذي يخفف القيود عن أبناء الشعب ويسعى لانفتاح السعودية على العالم الخارجي والتجديد الفكري، كما يسعى أن يظهر بدور الحاكم المنفتح الذي يحارب وسائل التشدد، وفي التوقيت ذاته فهو يغطي عن جرائمه الداخلية من اعتقالات وتنكيل بالمعارضين.
قبيلة فازت بالحكم
برزت تلك المظاهر التي سعى لها “محمد بن سلمان” في تصريحات السفير السعودي لدى لندن، الأمير “خالد بن بندر بن سلطان”، الذي قال إن قيادة المملكة ليست دينية، وإنها وصلت إلى الحكم بعد انتصارها على قبائل أخرى، وهذا يدل على فكر آل سعود الجديد الذي يسعى لتفريغ المملكة العربية السعودية من دورها الريادي في العالم الإسلامي.
خلاصة القول، بن سلمان يسعى جدياً لمحو الثقافة الإسلامية للسعودية ويسعى لتغطية جرائمه الداخلية من خلال أن يلعب دور الحاكم المنفتح الذي يحقق الترفيه لشعبه الذي يوفر مظاهر الرفاهية، وعلى النقيض فهو يضيق على المعالم الإسلامية رويدا رويداً، حتى أن ذلك ظهر جلياً في الشعار الذي اختاره “بن سلمان” لإحياء ذكرى التأسيس الذي لا يتضمن أي إشارة إلى الإسلام، حتى أن “الإنفوجراف” الذي روجت له الحكومة يقدم صورة للعاصمة التاريخية “الدرعية” تبدو فيها خالية من أي مآذن إسلامية، في سابقة أولى من نوعها منذ تأسيس المملكة.
اضف تعليقا