يرى محللون أن رفض السعودية مساعدة الولايات المتحدة في معاقبة روسيا على غزو أوكرانيا، وقيام ولي العهد شخصياً ضخ ملياري دولار إلى صندوق استثمار جديد -لا يمتلك خبرة- يديره صهر ترامب جاريد كوشنر، يرسل إشارات قوية أن المملكة تراهن على عودة دونالد ترامب إلى السلطة.
في سعيها لإقناع الرياض بزيادة إنتاج النفط من أجل خفض الأسعار بنسبة تصل إلى 30٪، وبالتالي الحد من إيرادات الحكومة الروسية، تبحث إدارة بايدن عن طرق لإقناع الحكومة السعودية بأنها لا تزال تهتم بأمن المملكة، خاصة بعد العقبات والأزمات التي تخللت علاقة البلدين، بعد رحيل ترامب، بسبب سجل الدولة الخليجية السيء في مجال حقوق الإنسان.
يُقال حالياً إن البنتاغون يعمل على مسودة بيان جديد للترتيبات الأمنية الأمريكية السعودية، لكن المراقبين يقولون إنه من المرجح ألا ترقى إلى مستوى الضمانات التي يطالب بها السعوديون ودول الخليج الأخرى.
في سياق متصل، ورد أن الحاكم الفعلي للمملكة، محمد بن سلمان، رفض تلقي مكالمة من جو بايدن الشهر الماضي، مما يُظهر استيائه من القيود التي تفرضها الإدارة على مبيعات الأسلحة؛ كما أنه يرى أن الرد الأمريكي غير كافي على الهجمات التي تشنها قوات الحوثي على السعودية في اليمن، فضلاً عن نشر الإدارة تقريراً عن مقتل المعارض جمال خاشقجي على يد النظام السعودي عام 2018 يشير إلى تورط بن سلمان شخصياً؛ والأهم من ذلك، رفض بايدن التعامل شخصيا مع ولي العهد.
من جهة أخرى، يظهر بن سلمان إشارات على رهانه على عودة ترامب إلى السلطة مرة أخرى في انتخابات 2024، وبالتالي استئناف علاقة إدارة ترامب الحميمة مع الرياض.
كانت هناك دعوات لإجراء تحقيق في الاستثمار الضخم الذي قام به صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يسيطر عليه محمد بن سلمان شخصياً، في شركة Affinity Partners ، وهي شركة ملكية خاصة أنشأها جاريد كوشنر بعد شهور من مغادرته البيت الأبيض وعمله كمستشار خاص لترامب، والد زوجته.
بناء عليه، تجاهل الحاكم الفعلي للمملكة تحذيرات اللجنة الاستشارية للصندوق السعودي، والتي كانت قلقة بشأن قلة خبرة Affinity . كان كوشنر يعمل في العقارات قبل توليه مهام البيت الأبيض، وكان سجله الحافل بالاستثمارات يعتبر على نطاق واسع غير جيد كي يطمئن اللجنة، لذلك أعربت عن قلقها لأن العناية الواجبة من جانب الشركة الجديدة بشأن العمليات كانت “غير مرضية من جميع الجوانب”، وأنها كانت تفرض رسوماً “مفرطة”، وفقاً لتقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز.
في تصريح خاص، قال بروس ريدل- مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية ومدير مشروع المخابرات بمعهد بروكينغز- يتلخص الأمر في شيء بسيط للغاية… السعوديون – أي محمد بن سلمان – اختاروا ترامب على بايدن، وهم متمسكون برهانهم”.
وأضاف “رهان بن سلمان معقولاً بنسبة… لقد منحهم ترامب كل ما يريدونه: دعم كامل في اليمن، الحماية بعد قتل جمال خاشقجي، تقديم كل ما يريدونه للوصول إلى صلاحيات مع الولايات المتحدة “.
أما جون جينكينز، سفير المملكة المتحدة السابق في المملكة العربية السعودية، قال حول هذا الرأي “أعتقد أن ولي العهد يراهن على فوز الجمهوريين في الانتخابات النصفية ثم استعادة الرئاسة – سواء بترامب أو بدونه”.
وتابع: “ربما يعتقد [بن سلمان] أن بايدن ضعيف سياسيًا وبالتالي لا يخشى ازدرائه… هذا يرسل إشارة ليس فقط إلى الديمقراطيين، ولكن أيضًا إلى الحزب الجمهوري”.
يُذكر أن رد فعل كبار الديمقراطيين كان غاضبًا عند الكشف عن الاستثمار السعودي في صندوق كوشنر، حيث دعت السناتور إليزابيث وارين وزارة العدل إلى “إلقاء نظرة فاحصة حقًا” على ما إذا كانت هذه العملية غير قانونية.
في الأشهر الأولى من إدارة ترامب، لعب كوشنر دورًا أساسيًا في تحويل دعمه المقدم إلى ولي العهد السابق، محمد بن نايف، إلى محمد بن سلمان الأصغر سنًا والأقل خبرة، والذي أقام معه صهر الرئيس علاقة شخصية متعمقة عبر “واتساب” بعد مقتل خاشقجي، حيث كان كوشنر أيضًا أقوى مدافع عن ولي العهد.
أما بالنسبة لإدارة بايدن، فهناك دعاة داخلها لاسترضاء ولي العهد السعودي في السعي لتحقيق الهدف الشامل المتمثل في خفض أسعار النفط – لتأثيره على خزائن الكرملين وعلى السعر الحساس سياسيًا في المضخة.
حول هذا الموضوع قال دبلوماسي أوروبي: “هناك حجة حقيقية في الوقت الحالي مفادها أنه يمكنك إقامة صداقة مع أي شخص إلا روسيا… عقد البنتاغون مؤخرًا اجتماعات تهدف إلى صياغة بيان حول الترتيبات الأمنية الأمريكية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى”.
ومع ذلك، قالت كيرستن فونتنروز، المديرة السابقة لمنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي، إنه من غير المرجح أن تقترب الإدارة من المطالب الإقليمية بضمانات أمنية مشابهة لما ورد في المادة 5 من مادة الناتو للدفاع المتبادل.
قال فونتنروز، وهو الآن زميل بارز في أتلانتيك كاونسل: “كان هناك ضغط كبير من أجل المادة 5 من قبل الكثير من هذه البلدان مؤخرًا…. لكن ليس هناك فرصة لأن يحصلوا عليها.”
ولم يعلق البنتاغون على تقاريره حول إعادة صياغة الترتيبات الأمنية الخليجية، فيما قال المتحدث باسم الجيش الرائد روب لودويك: “وزارة الدفاع لا تزال ملتزمة بالمساعدة في تعزيز أمن المملكة العربية السعودية ضد التهديدات الخارجية الخطيرة”.
وأضاف “نحن نقوم بذلك من خلال التعاون الدفاعي، ونقل الأسلحة وما يتعلق بمعدات الدفاع، وتوفير التدريبات، وتقديم الدعم اللوجستي، إلى جانب المشاركة في الحفاظ على حقوق الإنسان وتخفيف الأضرار المدنية.”
حتى لو أرادت الإدارة تقديم مثل هذه الضمانات، فليس هناك من سبيل لمثل هذا الاتفاق أن يحظى بموافقة الكونغرس، حيث يريد الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي من بايدن أن يكون أكثر صرامة مع الرياض، لا سيما في ظل عدم تعاونها بشأن زيادة إنتاج النفط، والتصدي لروسيا.
تواصل الولايات المتحدة تقديم أنواع معينة من المعدات للسعودية، لقد أعلنوا عن العديد من مبيعات الأسلحة خلال العام الماضي، حيث قال سيث بيندر، مدير المناصرة في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: “هناك دعم لوجستي وصيانة لم يتوقفوا…. كل هذه الأشياء في ذهني يجب أن تكون مطروحة على الطاولة، خاصة إذا استمر هذا النظام السعودي في زيادة هذا النوع من الضغط العام على إدارة بايدن”.
يعتقد العديد من المراقبين، مع ذلك، أنه من غير المرجح أن يتأثر بن سلمان بسياسات الترهيب أو الترغيب التي يتبعها معه بايدن وإدارته، لأن أسعار النفط المرتفعة تعزز ميزانيته، خاصة وأنه لن يتنازل عن مطلبه من الأمريكيين: إدارة أكثر مرونة في التعامل معه.
قال راديل: “لا أرى أن الأمر يتغير كثيرًا… السعوديون اختاروا الذهاب مع بوتين والحفاظ مستوى إنتاج النفط الذي يريدونه، والاقتصاد العالمي يتكيف مع ذلك…لا أعتقد أن هناك مجالًا كبيرًا للمناورة لبايدن أيضًا … أعتقد أن هناك قوى قوية ضد ذلك.”
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا