العدسة – منذر العلي:

لقاء سري كشفت عنه الصحافة العبرية، جمع رئيس حكومة الوفاق الفلسطينية بوزير إسرائيلي، في خطوة ربما تمثل طعنة من الخلف للمصالحة الوطنية الفلسطينية الموقعة قبل أسابيع في القاهرة بين حركتي فتح وحماس.

وعلى الرغم من الطابع غير السياسي للقاء وتركيزه على الجانب الاقتصادي، فضلًا عن كونه حلقة من سلسلة لقاءات وتنسيقات سابقة، فإنه يلقي بظلال سلبية على الأجواء العامة للقضية الفلسطينية، التي بدأت تأخذ منحًى إيجابيًا.

كما يعد هذا اللقاء هو الأول من نوعه منذ توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في 12 أكتوبر 2017.

ومما زاد من تعكير صفو الأجواء، تزامن اللقاء مع القصف الإسرائيلي الذي استهدف نفقًا في غزة، الأحد، وأسفر عن استشهاد 7 فلسطينيين بينهم مقاومون من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

رغبة ترامب تحكم

وكان لافتًا بشدة التدخل الأمريكي الذي أفصحت عنه تقارير إعلامية، من أجل عقد هذا اللقاء، حيث قالت الإذاعة العسكرية الإسرائيلية: إن اللقاء “السري” الذي جمع بين وزير الاقتصاد الإسرائيلي، موشيه كحلون، ورئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، جاء “في أعقاب ضغوط أمريكية مورست على إسرائيل”.

ليست مجرد ضغوط أمريكية فحسب، بل إن الصحيفة الإسرائيلية التي كشفت عن اللقاء، ذكرت أنه جرى بناء على رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يريد أن يرى تقدمًا في الاتصالات الإسرائيلية- الفلسطينية.

الحرص الأمريكي على إيجاد هذا التواصل عززه لقاءان سابقان، جمع أحدهما بين مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، “جيسون جريبنلات”، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وآخر قبله بين وزير الخزانة الأمريكي “ستيفن منوتشين” ونتنياهو.

الصحيفة الإسرائيلية قالت: إن ترامب أدرك أن التقدم على صعيد العلاقات السياسية بين الاحتلال والفلسطينيين، سيكون صعب المنال في القريب، خاصة بعد توقيع اتفاق المصالحة، فضغط لإحداث تقدم على صعيد العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.

أمريكا تنسف المصالحة

وبعيدًا عن كون الاحتلال الإسرائيلي هو المتضرر الأول من إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة على الأرض، فإن ثمة شواهد تجعل الربط بين اللقاء سالف الذكر واتفاق المصالحة منطقيًّا.

فاللقاء يأتي بعد انتقاد إسرائيلي واسع لاتفاق المصالحة الفلسطينية، وإعلان المجلس الوزاري الأمني “الكابينت” قبل أيام، أن إسرائيل لن تجري مفاوضات مع حكومة الوحدة بين فتح وحماس.

وعرض المجلس الوزاري “عدة شروط” أمام الفلسطينيين لكي يوافق على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفلسطينية، أبرزها: اعتراف حماس بإسرائيل و”وقف الإرهاب”، وتفكيك سلاح الحركة وانفصالها عن إيران، وإعادة جثتي الجنديين، وإعادة الإسرائيليين المحتجزين في غزة.

وفي الشأن ذاته، نقلت صحيفة “هآرتس” العبرية، الأحد الماضي، عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تعهداته لمسؤولين إسرائيليين قابلوه بـ”عدم تعيين وزراء ينتمون إلى حركة حماس في الحكومة الفلسطينية في إطار اتفاق المصالحة، إلا إذا أعلنوا صراحة وعلى الملأ اعترافهم بإسرائيل”.

وكما كانت الضغوط أمريكية لعقد اللقاء بين “الحمد الله” والوزير الإسرائيلي، كانت حاضرة أيضًا وراء موقف عباس، حيث كشفت الصحيفة أن تصريحه هذا يأتي “في أعقاب ضغوط أمريكية لإقامة حكومة وحدة فلسطينية تعترف بإسرائيل، أو أن لا تضم وزراء لا يعترفون بها”.

هذه المعادلة تكشف إلى حد كبير أبعاد الدور الأمريكي، الذي يمكن أن يصل لدرجة التواطؤ في نسف المصالحة الفلسطينية، التي لم تُورِد فكرة الاعتراف بإسرائيل من عدمه في بنودها كشرط لتشكيل حكومة الوحدة.

نزاع تراقبه مصر

إلا أن هذا الدور الأمريكي يعضده دور فلسطيني آخر، تقوده حركة فتح، أحد ضلعي المصالحة ورئيسها عباس، وهو الأمر الذي كشفه التقرير السابق، فضلًا عن فضيحة التسريب المخابراتي، الذي أماط اللثام عن خطة فتحاوية شيطانية لنسف المصالحة وتصفية حركة حماس.

تفاصيل الوثيقة المسربة التي نشرها وحللها (العدسة) تشير إلى نية السلطة الفلسطينية عدم رفع العقوبات التي أصدرها عباس بحق غزة في الوقت الحالي، رغم أن اتفاق المصالحة نص في صدارة بنوده على رفع كافة الإجراءات العقابية التي اتخذها عباس بحق القطاع.

وفي مقدمة تلك الإجراءات فصل موظفين تابعين للسلطة، وخفض الرواتب، ووقف دفع مخصصات السولار، الذي يشغِّل محطات الكهرباء بالقطاع.

الرغبة الفتحاوية في السيطرة على قطاع غزة بالقوة، وتخطيطها لنزع سلاح حماس يتعارضان أيضًا مع اتفاق المصالحة الذي قضى بنشر 3 آلاف شرطي تابعين للسلطة في غزة، كما يصطدمان بموقف مصري رافض لمجرد طرح موضوع سلاح المقاومة قبل حل القضية الفلسطينية ككل.

مقابل هذا كان الإصرار المصري على إتمام المصالحة واضحًا للغاية، وعبرت عنه تصريحات الوزير خالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة، لدى وصوله إلى غزة 3 أكتوبر 2017، لحضور أول اجتماع لحكومة الوفاق في القطاع تمهيدًا لاتفاق المصالحة.

“فوزي” ربط بين إتمام المصالحة الفلسطينية والأمن القومي المصري، وفي الوقت ذاته أطلق تصريحًا في منتهى الخطورة، حيث قال: “لا يغيب عن أذهاننا ما تقوم به بعض الأطراف لعرقلة التوصل إلى الوفاق الفلسطيني”.

ومن هنا لا يبدو أن القاهرة ـ التي ألقت بثقلها السياسي والأمني والتاريخي والجغرافي من أجل الوصول لتوقيع اتفاق المصالحة ـ ستكون مسرورة لكل تلك العراقيل التي توضع أمام الاتفاق، سواء ما كان منها بيد فلسطينية أو حتى إسرائيلية، رغم التقارب غير المسبوق بين نظامها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي وبين الاحتلال.

تصورات ردة الفعل المصرية، وسيناريوهات ما قد تلجأ إليه في وجه محاولات نسف المصالحة، تناولها (العدسة) بالتفصيل في تقرير سابق، إلا أن استمرار الدفع في اتجاه مضاد للجهود المصرية يعزز من تلك الاحتمالات.