قبل أسابيع قليلة، تم الإعلان عن خبر وفاة الاقتصادي الليبرالي البارز أيمن هدهود بعد فترة من اختفائه قسرياً على يد السلطات المصرية.

أسباب اعتقال أيمن هدهود غير معلنة، لكنه كان من أبرز نقاد النظام الحالي في البلاد، كذلك كان يبحث بعض الموضوعات الحساسة سياسياً مثل دور الجيش في الاقتصاد قبل أن يختفي بفترة قصيرة في أحد مقار الاحتجاز التابعة لقوات الأمن الوطني في مصر أوائل فبراير/شباط.

بعد شهر من اختفائه، توفي هدهود فجأة في ظروف غامضة أثناء احتجازه، لكن المسؤولين لم يخبروا عائلته بأنه توفي إلا بعد فترة من موته، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة في 5 مارس/آذار وفقاً للأوراق الرسمية، وادعت السلطات أن الوفاة حدثت لأسباب طبيعية رافضين الإشارة إلى ارتكاب أي انتهاك بحقه.

قال عمر هدهود، الأخ الأكبر لأيمن، والذي استلم جثته من المشرحة، رداً على تصريحات الدولة: “هذه أكاذيب”، وقال إنه رأى آثار تعذيب على جسد أخيه، مضيفاً “من الواضح جدا أن رأسه مكسور، وإلا فلماذا يخفونه؟!”

أظهرت صور جثة أيمن، التي تم التقاطها من داخل مشرحة مستشفى الطب النفسي بالعباسية -حيث توفي- وحصلت على نسخة منها صحيفة نيويورك تايمز، إصابات في الجزء العلوي من جسده، بما في ذلك ما قال خبراء الطب الشرعي إنه ربما كان نتيجة صدمة شديدة، بالإضافة إلى وجود حروق على وجهه ورأسه، كما قال عمر هدهود إن جمجمة شقيقه بدت مكسورة.

قال شخص آخر- طلب عدم ذكر اسمه خوفا من ملاحقة الحكومة- رأى الجثة في المشرحة وشاهد الصور الملتقطة إنه لاحظ أيضاً وجود إصابات ظاهرة وبقع على الجلد متغيرة اللون، وبقع صغيرة حمراء/ بنية اللون حول وجهه ورأسه.

أثارت الصور الشكوك بأن أيمن (48 عاما) تعرض للضرب والتعذيب قبل وفاته، وبناء عليه طالبت عائلته وجماعات حقوق الإنسان بإجراء تحقيق كامل ومستقل حول ملابسات الوفاة.

أصر وزير الداخلية والمدعي العام في مصر، اللذان يكاد لا يعترفان بأي خطأ في مثل هذه الحالات، على أن تحقيقهما السريع وجد بشكل قاطع أن الوفاة نتجت عن “هبوط حاد في الدورة الدموية، وسكتة قلبية”، وربما بسبب “فيروس كورونا”، مؤكدان أن السلطات لا تتحمل أي مسؤولية.

تمتلك الشرطة والأجهزة الأمنية المصرية سجلاً طويلاً في الاعتقال التعسفي وتعذيب المواطنين، خاصة المعارضين السياسيين، وقد أثار سجل حقوق الإنسان في البلاد إدانات وتداعيات دولية واسعة النطاق، حيث منعت الولايات المتحدة 130 مليون دولار من حزمة مساعداتها السنوية لمصر هذا العام.

الأمثلة كثيرة على ما حدث لآخرين مثل أيمن هدهود من قبل الأمن المصري، كما حدث مع طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، والذي تم العثور على جثته مشوهة -بعد فترة من الاختفاء القسري- ملقاة على جانب الطريق.

وبالطبع لا يمكن التغافل عن أن انتهاكات أجهزة الأمن المصري كانت سبباً في إشعال ثورة يناير 2011، وما تبعها من ثورات الربيع العربي في ذلك العام.

أنور السادات، النائب البرلمان السابق، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، الذي ينتمي إليه أيمن هدهور، قد قدم المشورة بشأن السياسة الاقتصادية، رفض تفسيرات السلطات ووصفها بأنها “إجابات معتادة لا ترضي أحدا”.

ودعا السادات -نجل شقيق الرئيس السابق الذي يحمل نفس اسمه- إلى إجراء تحقيق فيما يحدث في مستشفيات الأمراض العقلية في مصر، وما تعرض له هدهود، خاصة وأن هناك فجوة تزيد عن شهر بين تاريخ شهادة وفاة أيمن والإقرار الرسمي بها، مضيفاً “هناك الكثير من علامات الاستفهام”.

أثارت قضية أيمن هدهود مقارنات مع حالة جوليو ريجيني، الذي اختفى أثناء إجراء بحث عن النقابات العمالية في مصر وتم العثور على جثته مليئة بعلامات التعذيب.

قال أيمن نور، أحد زعماء المعارضة البارزين الذي يعيش في المنفى وكان صديق أيمن هدهود: “هذا يحدث مرارًا وتكرارًا في مصر…أي شخص في مصر معرض لمثل هذه الممارسات”.

من جانبه، قال شقيق هدهود إنه [أيمن] كان يعمل في العديد من الموضوعات الحساسة سياسياً في العام الذي سبق وفاته، وشملت الملفات التي كان يحاول إثارتها انتشار الفساد والرشوة بين المسؤولين، وخاصة أعضاء البرلمان، وكذلك كيف أصبح الجيش يهيمن على الاقتصاد المصر، وسعيه لقمع المنافسة بين القطاع الخاص وجني الإيرادات لنفسه على حساب ميزانية البلاد.

كثيرا ما تحتجز السلطات المصرية أشخاصا بسبب حديثهم علنا ​​على وسائل التواصل الاجتماعي أو لإجراء أبحاث لها أبعاد سياسيا.

قال عمر هدهود: “كان أيمن يعتقد أن على شخص ما كسر حاجز الصمت”، مضيفًا أن الأصدقاء والعائلة حذروا شقيقه مرارًا وتكرارًا من أن أبحاثه خطيرة، وتابع “لم تكن هناك خطوط حمراء تردع أيمن عن مواصلة بحثه… وقد دفع ثمن ذلك بحياته “.

وحول بداية الاعتقال، قال عمر هدهود إن التواصل قطع بينه وبين العائلة في 6 فبراير/شباط، عندما تأخر في العودة إلى المنزل.

في تصريحات في 10 و 12 أبريل / نيسان، زعمت السلطات أن أيمن هدهود قُبض عليه وهو يحاول اقتحام شقة في الزمالك، أحد أحياء القاهرة الراقية، في الليلة التي فُقد فيها، بالرغم من أن سجله الجنائي نظيف.

وأكد بيان صدر في 12 أبريل / نيسان من النيابة العامة أن أيمن مصاب بالفصام، ويعاني من “ضعف التركيز والانتباه، وأوهام الاضطهاد، وأوهام العظمة، والهذيان بشكل غير مفهوم”، لكن شقيق أيمن ومعارفه أكدوا بأنه لم يكن يعاني من أي مرض عقلي.

في 8 فبراير/شباط، بعد يومين من اختفائه، علمت الأسرة بالمكان الذي تم أخذ أيمن إليه عندما أبلغهم جهاز أمن الدولة المصري بأنه محتجز لديهم، واستدعى شقيقًا آخر للاستجواب حول أنشطة أيمن وعمله وعائلته.

ولكن بحلول ذلك الوقت، وفقًا لبيان النيابة في 12 أبريل / نيسان، كان الضباط قد نقلوا أيمن إلى مستشفى العباسية للصحة العقلية في القاهرة، ومع ذلك، لم تخبر السلطات عائلته بأنه نقل للمستشفى، ولم يعلموا هذا إلا بعد أكثر من شهر من نقله.

سمعوا في النهاية من خلال أصدقاء لهم علاقات مع مسؤولين في نظام الرعاية الصحية في مصر أنه كان في مستشفى العباسية، وقال شقيقه إنه عندما ذهب أفراد الأسرة إلى المستشفى بشكل متكرر، إما أنكر العاملون بالمستشفى وجود أيمن، أو قالوا إنهم سيحتاجون إلى تصريح كتابي من النيابة لزيارته.

لم تعترف السلطات رسميًا بأن هدهود نُقل إلى المستشفى إلا في 09 أبريل/نيسان، عندما طلب ضابط شرطة من العائلة الحضور لأخذ جثته، لكن شهادة وفاته، التي قدمها شقيقه، قالت إنه توفي قبل أكثر من شهر، تحديداً في 5 مارس / آذار.

ولم تقدم السلطات أي تفسير لهذا التناقض.

قال جون هورش، مدير برنامج الديمقراطية في العالم العربي الآن، وهي منظمة حقوقية مقرها الولايات المتحدة، والتي حصلت على نفس الشيء الصور بشكل مستقل.

عندما وصل عمر هدهود إلى المستشفى في 10 أبريل / نيسان، قال إنه قيل له في البداية إنه قد يأخذ جثة شقيقه لدفنها في نفس اليوم، ولكن بعد ذلك قيل له إن السلطات أمرت فجأة بتشريح الجثة بعد بضعة أيام، مضيفاً  أن أفراد عائلته وكذلك الخبير المستقل مُنعوا من مراقبة التشريح.

والتقطت صور جثة أيمن بعد تشريح الجثة، لكن عمر هدهود وشخص آخر رأوا الجثة قبل التشريح، قالوا إنهم رأوا الإصابات ولم تكن ناجمة عن التشريح.

معظم خبراء الطب الشرعي الذين رأوا الصور -والذين أكدوا أنها ليست عالية الدقة- اتفقوا على أن الصور أظهرت إصابات في الجزء العلوي من جسده يمكن أن تكون ناجمة عن الضرب والحرق.

قالت الدكتورة كارين كيلي، الأستاذة المساعدة في علم الأمراض في جامعة شرق كارولينا، إن الصور تظهر على ما يبدو أنه قبل وفاته، أصيب السيد هدهود بعدة حروق صغيرة في وجهه، ربما من السجائر، وربما ضُرب على وجهه.

وأضافت كيلي: “حدث له شيء قبل وفاته – ربما التعذيب… أشك أنه تعرض للتعذيب”.

وقالت أيضاً إن ما يبدو أنه شق صغير نسبيًا في صدر السيد هدهود في صور ما بعد تشريح الجثة يشير إلى أنه تم إجراء تشريح جزئي وغير مكتمل للجثة، وهو تشريح لم يكن ليكشف عن دليل على تعرضه للضرب.

يُذكر أنه حتى الآن، ترفض السلطات المصرية طلبات عائلة أيمن لتسليم تقرير التشريح.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا