العدسة _ مؤيد كنعان

“الفريق …….. لا يمانع في الترشح للرئاسة شريطة وجود إرادة شعبية”، ضع مكان النقط عبد الفتاح السيسي في مصر أو خليفة حفر في ليبيا، هذه هي المفارقة التي حدثت بالفعل، منذ ساعات، وفق ما أعلن الناطق باسم الجيش الليبي، العميد أحمد المسماري.

تصريحات “المسماري” التي قالها، في حواره مع صحيفة “الشرق الأوسط”، صباح الثلاثاء 30 أكتوبر، تشي بأن السيناريو المصري في طريقه للتطبيق بحذافيره في ليبيا خلال الفترة المقبلة، العبارات نفسها التي أطلقها متحدث ما يعرف في “بعض” وسائل الإعلام العربية، لا سيما المصرية والإماراتية، بـ “الجيش الليبي”، هي التي كان السيسي ورفاقه يقولونها، قبيل عزل مرسي بأسابيع قليلة.

تحليل ومقارنة

قد يكون من المهم هنا تحليل العبارات التي وردت في حوار “المسماري” ومقارنته بتصريحات أطلقها السيسي أو محسوبون على الجيش المصري، قبل وبعد عزل مرسي، لنتأكد من الأمر.

المسماري: “مطلب ترشح الفريق خليفة حفتر إلى الرئاسة جاء من رحم معاناة الشعب، ونحن كعسكريين مهمتنا هي إنهاء تلك المعاناة لكي تعود الأمور إلى جادة الصواب، وبعد ذلك من يسعى للحكم، فليأت إلى حكم ليبيا عن طريق صناديق الاقتراع”.

بيان للقوات المسلحة المصرية، قبل ساعات من عزل مرسي: “لقد عانى هذا الشعب ولم يجد من يحنو عليه”.

المسماري: “في البداية حين انطلقنا، لم يكن لدينا طموح للرئاسة ولا الوصول لمنصب. كان الطموح الأوحد هو القضاء على الإرهاب..”.

اللواء أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني، خلال حوار إعلامي، في يناير 2014: “شفتوا سيادة الفريق عبد الفتاح السيسي خد نجمة زيادة.. هل الفريق عبد الفتاح السيسي خد منصب، بقى رئيس وزارة، بقى رئيس جمهورية، إحنا مخدناش حاجة زيادة بل بالعكس شايفين الويل كله عشان البلد”.

المسماري: “بعد أن دخلت مصر والإمارات على الخط، وهما دولتان نحترمهما ونقدرهما، تواصل السيد المشير مع السيد السراج، ولكن لم يصلا إلى نتيجة. لقد وافق السراج على كل شروط المشير في الإمارات، وبعد ذلك تملص منها، وفي باريس وافق أمام المجتمع الدولي، وبعد ذلك تملص، وبالتالي نحن لدينا قناعة أن السراج لا يستطيع السيطرة على شيء، ولا يتحكم في أي شيء على الإطلاق، ولكن هناك قوى أخرى تعمل خلف السراج”.

السيسي في تصريحات إعلامية: الرئيس السابق (محمد مرسي) وافق على اقتراح القوات المسلحة بالدعوة لانتخابات مبكرة، بما يعني الاستفتاء على شرعيته، واتفقنا أن تصدر القوات المسلحة بيانا يؤيد دعوته، لكننا فوجئنا بتراجعه عن كل شيء في خطابه الشهير وتمسكه بشرعيته، وهنا علمنا أنه ليس هو من يحكم.

المسماري: “حتى هذه اللحظة، يجري الحوار في تونس بمشاركة البرلمان الليبي، لكن نحن كعسكريين مهمتنا حماية الوطن والمواطن. المواطن بدأ وضعه الآن يتردى جداً. وبالتالي أعطيناهم 6 أشهر، ستنتهي في مارس المقبل، وبعد ذلك ستكون لنا كلمة لإنقاذ الوطن وكف العبث بأمن المواطن. والشعب الآن، في كل أنحاء البلاد، لا يرى مستقبلاً لليبيا إلا بين يدي الجيش”.

الجيش المصري، في بيان، يمهل الأطراف السياسية ومؤسسة الرئاسة يوم 23 يونيو 2013 أسبوعا للوصول إلى توافق، محذرا أنه “لن يظل صامتا أمام انزلاق البلاد في صراع يصعب السيطرة عليه”، ثم مهلة أخرى يوم 1 يوليو 2013 لمدة 48 ساعة، ثم التدخل وعزل “مرسي” يوم 3 يوليو.

المسماري: “نحن مستعدون لتنفيذ أمر الشعب في أي لحظة، على المستوى العسكري والسياسي”.

السيسي، في تصريح: “الشعب في 30 يونيو أمر ولبينا النداء”، وفي تصريح آخر: “أنا بطلب من الشعب ينزل يديني تفويض وأمر إني أواجه العنف والإرهاب المحتمل”.

تجربة ملهمة

هل مثلت تجربة عبد الفتاح السيسي في إزاحة جماعة الإخوان عن المشهد بالقوة وعزل الرئيس الأسبق، ثم إزاحة باقي خصومه، حتى من شاركوه في عداء الإخوان والتحرك ضدهم، وصولا إلى تحقيق السيطرة الكاملة على مصر، والاستعداد لحكم البلاد لفترة جديدة، إلهاما لأطراف أخرى بالمنطقة.

واقعيا، وأمام تلك الأطراف، نجح السيسي في كل ما يريد، أقصى خصومه وسيطر على الأمور، ولم يصطدم بسيناريو شديد الدموية كالذي اصطدم به رئيس النظام السوري بشار الأسد، المفارقة أنه رغم شلالات الدماء التي تدفقت على يد “الأسد” في سوريا فإنه لا يزال باقيا، بل وتتجه القوى الدولية والإقليمية الآن إلى الإبقاء عليه وعلى أركان نظامه، مقابل تفاهمات وتقسيمات محددة.

محللون رصدوا بالفعل توجها سعوديا لتقليد السيسي في تجربته السياسية والاقتصادية، باعتبارها ملهمة. (طالع تحليلا سابقا لـ “العدسة” في هذا المجال).

ليست الأمور سهلة

لكن ثمة فروقات بين تجربة السيسي في عزل مرسي وإزاحة الإخوان من مصر، والتي كانت تحظى بدعم أوروبي وروسي واضح، وأمريكي مستتر، وإسرائيلي مُلِح، ووضع حفتر الذي لا يحظى بنفس الدعم الدولي، وتعد القاهرة وأبو ظبي أبرز حلفائه، بالطبع قد تدخل معهم الرياض الآن، مدفوعة باعتبارات المثلث التحالفي الذي ظهر بين “بن سلمان” و “بن زايد” و”السيسي”، وإن كانت البوصلة الأمريكية هي الموجهة لخيارات الرياض في ليبيا.

هذه الفروقات تتلخص في الآتي:

أولا: المجتمع الدولي لا يزال داعمًا، ولو بشكل جزئي، لحكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، وقد دعا “السراج”، منذ أسابيع المجتمع الدولي من على منبر الأمم المتحدة إلى التدخل لدعم مساعيه بتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية “تحت سلطة مدنية”.

ثانيا: العلاقة الآن بين أوروبا والسيسي ليست على ما يرام، ويدعم ذلك الأمر شواهد من ضمنها إلغاء ألمانيا لجوء من اتفاقية أمنية مع مصر (طالع هذا التحليل لـ “العدسة” حول الأمر)، وإلغاء فرنسا صفقة الرافال الجديدة، وانتقادات أوروبية للتحالف الذي انخرطت فيه القاهرة مع الرياض وأبو ظبي ضد الدوحة، وبالتالي ليس من المتوقع أن تتجاوب أوروبا مع أي حراك لـ “حفتر” في ليبيا، باعتباره جزءًا من حراك التحالف المصري الإماراتي السعودي، والذي لم تعد تنظر له بعين الارتياح، وترى أنه أشعل أزمة في الخليج، وفي طريقه لإشعال أزمة في شمال أفريقيا، والتي تعد العمق الأمني للسواحل الأوروبية.

ثالثا: الأطراف المتنافسة في ليبيا مسلحة بشكل متطور، والأمور مختلفة عن مصر، وقد يكون السيناريو أشد من السيناريو السوري، في حال أقدم حفتر على تفجير الأوضاع بدعم مصري وإماراتي.

رغم كل ما سبق، يبدو أن “حفتر” بات مؤمنا بنجاعة تجربة السيسي في إدارة المعركة مع الخصوم والسيطرة، أو أنه مدفوع لها دفعا بتوجيهات من السيسي نفسه، وفي كلتا الحالتين، فإن التبعات لن تكون بالأريحية التي صاحبت السيسي.