“توني بلير في بريطانيا ودحلان في الشرق الأوسط”..

هكذا جرى توزيع الأدوار بشكل متقن بين وكلاء اللوبي الإماراتي حول العالم، سياسيا وإعلاميا، حتى شكلوا الشبكة العربية الأكثر تأثيرا في أمريكا وأوروبا، والأكثر تآمرية على دول الربيع العربي بشكل خاص، حتى وصفها فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة بـ “تنظيم الأيادي السوداء”.

مجلة “فورين بوليسي” وصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركيتان، في صدارة وسائل الإعلام داخل هذه الشبكة المفضلة لدى اللوبي الإماراتي في الغرب، والتي يلعب فيها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، وسفير أبوظبي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، دور الأصيل والوكيل بين أوروبا وأمريكا.

فدحلان يمثل أحد أهم رجال هذا اللوبي بما لديه من نفوذ كبير وسيطرة على العديد من المليشيات التي يوظفها في بعض البلدان العربية، فضلاً عن كونه أحد الذين يعادون التيارات الإسلامية ويعتبرهم العدو الأساسي في المنطقة، وهو ما يتطابق مع انحيازات سلطة أبوظبي.

محمد دحلان “

قرر الإماراتيون توظيف دحلان لرسم هيكلة العمل لجهاز أمن الدولة الخاص بهم، واستغلوا في ذلك علاقاته الوثيقة بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، جورج تينيت، ليتطور المشروع الأمني إلى آخر إعلامي، تمثل “الغد العربي” أحد أهم أذرعه.

بداية التأسيس

ويعود تأسيس القناة إلى اجتماع ثلاثي عقد في دبي بحضور المرشح الخاسر بانتخابات  الرئاسة المصرية بعد ثورة يناير، الفريق أحمد شفيق، وقائد شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، إضافة إلى دحلان؛ لإقرار مجموعة من الخطوات التي تستهدف إضعاف حكم الرئيس المصري آنذاك (محمد مرسي) عبر تقديم تغطية إعلامية من شأنها المساهمة في إشعال موجة من الاضطرابات ضده.

وأقر الاجتماع تكثيف الحملات الإعلامية ضد الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين، وضخ ملايين الدولارات لدعم مجموعة من الإعلاميين المعادين للجماعة الحاكمة آنذاك.

واتخذت القناة منذ انطلاقها مقرا لها في العاصمة البريطانية (لندن)، بالإضافة إلى مكاتب أخرى في كل من: القاهرة وبيروت وعواصم عربية أخرى، بتمويل قُدر بـ200 مليون دولار، واتسمت منذ انطلاقها بعدائها لثورات الربيع العربي وتيارات الإسلام السياسي.

الاستوديوهات التابعة للقناة بأحد أرقى الأحياء غرب لندن لا تقل عن تجهيزات أهم محطات التليفزيون في بريطانيا، مثل “سكاي نيوز”، و”بي بي سي”، وتأسست في البداية لتكون منافسا لقناة الجزيرة القطرية.

لكن فشل القناة الذريع في تحقيق هذه المنافسة دفع مموليها إلى تحويلها لمركز “دعم وتوجيه مباشر” لعدد من الأذرع الإعلامية الأخرى، ذات الطابع المحلي، التي تعمل في إطار التبعية للوبي الإماراتي، خاصة داخل الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي.

تركيز مصري

حظيت مصر بنصيب الأسد من هذا التوجيه، فعلى الرغم من سيطرة الإمارات على توجهات وسياسات العديد من وسائل الإعلام بالقاهرة، إلا أنها فرغت “الغد العربي” لاستضافة رموز الثورة المضادة، وعلى رأسهم أحمد شفيق وبعض عناصر “جبهة الإنقاذ الوطني” التي دعمت الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب فيما بعد.

واعتمدت استراتيجية اللوبي الإماراتي في كسب حصة الأسد بسوق الإعلام المصري على عمليات شراء ممنهجة شملت قناة “أزهري” وموقع “رؤيا” التي كان يملكهما أحمد قذاف الدم، ابن عم الرئيس الليبي السابق، معمر القذافي.

” أحمد قذاف الدم “

وبعد الشراء، تولت إدارة القناة والموقع عمل حملة إعلامية لتشويه الإسلاميين في مصر برعاية محمد دحلان شخصيا، وفقا لما كشفه إبراهيم الدراوي، مدير مركز الدراسات الفلسطينية آنذاك (تم اعتقاله بعد الانقلاب العسكري).

بعد ذلك انطلق طوفان الشراء الإماراتي ليجتاح العديد من القنوات والصحف المصرية، سواء بامتلاك جميع أسهمها أو بعضها، ومنها: جريدتي الوطن والمصري اليوم وقنوات CBC والنهار، بالإضافة لجريدة “اليوم السابع”، التي زار دحلان شخصيا مقرها بالقاهرة.

ولم يكن بسط النفوذ الإماراتي بمعزل عن “الدولة العميقة” في مصر، وهو ما يمكن قراءته من اجتماع لاحق جمع ضباط بالمخابرات الإماراتية مع مسؤولين بالمخابرات المصرية، في مكتب عباس كامل (مدير مكتب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي)، في ديسمبر من العام 2016، لتنسيق التعاون بين الجهازين فيما يتعلق بالمشروعات الإعلامية التي تموّلها الإمارات في مصر.

وخلال الاجتماع، قدم الجانب المصري تصوره الخاص بإدارة تلك المشروعات، الذي يشمل الاستغناء عن كل الكوادر الصحفية ذات الميول الثورية، واستبدالها بعناصر أخرى من الموالين بوضوح لنظام السيسي.

مردوخ القاهرة

وهنا ظهر اسم “أحمد أبوهشيمة” كإمبراطور لإعلام العهد الجديد في مصر، وبصورة شبيهة بتلك التي يمثلها رجل الأعمال الأمريكي، روبرت ماردوخ، للإعلام الغربي، حيث يمثل رجل الأعمال الشهير “واجهة” لملكية المخابرات المصرية مع لوبي الإمارات الإعلامي الناطق بالعربية.

” أحمد أبو هشيمة “

وتقدم هذه العلاقة الوظيفية غير المباشرة بين أبوهشيمة، من جانب ودحلان من جانب آخر، تفسيرا لحملة الاستغناءات التي أقامت بها إدارة مجموعة قنوات ON TV، وشملت نحو 200 صحفي ومعد برامج في عملية تشبه “التطهير”.

المذيعة المعروفة بمعارضتها للسلطة في مصر، ليليان داوود، كانت أبرز الأسماء التي تعرضت للفصل من القناة بعد شهر واحد من استحواذ أبو هشيمة عليها، ليتم ترحيلها من مصر لاحقا بحجة انتهاء مدة إقامتها.

” ليليان داوود “

ومن أبرز المشروعات التي استحوذت الإمارات عليها في مصر بمساعدة المخابرات المصرية: موقع وجريدة الدستور، برعاية اللواء عباس كامل، الذي أبلغ إدوارد تليفونيا بأنه لا مفر من بيع الجريدة للإماراتيين، ليوافق الأخير على الفور.

سكاي نيوز

وبالطريقة ذاتها، نسج دحلان شباكه في تركيا، عبر توطيد علاقة لوبي الإعلام الإماراتي بالصحف والمواقع والقنوات المحسوبة على تيار فتح الله جولن، الذي اتهمته السلطات التركية بالضلوع في التخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة.

وفي هذا السياق، لعبت قناة سكاي نيوز عربية الذراع الإعلامية الأبرز للوبي الإماراتي، دورا كبيرا في تقديم تغطية منحازة للانقلابيين، حيث انفردت بتأكيد نجاحهم وأفردت مساحة واسعة لتغطية بيانهم الأول.

وبرز دور القناة، التي تمثل استثمارا مشتركا بين شركة أبوظبي للاستثمار الإعلامي وبين مؤسسة سكاي الإعلامية الرائدة في بريطانيا، على السطح بشدة خلال التغطية بالاشتراك مع قناة “العربية” السعودية، ما اعتبره مراقبون أكثر النماذج كشفا لدور القناة في سياسة اللوبي الإماراتي حول العالم كمنافس لقناة الجزيرة القطرية.

وصلت تغطيات القناة إلى درجات غير مسبوقة من انعدام المهنية في الآونة الأخيرة، وهو ما يرجح العديد من المراقبين كونه السبب في تقديم مديرها العام الأردني نارت بوران، لاستقالته، وذلك بعد أسابيع من إعلان استقالة أخرى مماثلة للصحفي الأردني: عرار الشرع، الذي كان يشغل منصبا رفيعا في القناة، ليعلن تركه لأبوظبي نهائيا، حيث انضم إلى قناة الحرة الأمريكية.

” نارت بوران “

و بوران صحفي من أصول شركسية كان قد تولى إدارة التلفزيون الأردني، وعمل في وكالة “رويترز” لعدة سنوات، وسبق أن درس في الولايات المتحدة، قبل أن ينتهي به الحال مديرا عاما لقناة “سكاي نيوز عربية”

ذراع محلي

وعلى التوازي، وفي إطار دورها، سالف الذكر، جاءت تغطية “الغد العربي” لمحاولة الانقلاب التركية شبيهة بتغطية سكاي نيوز عربية، لكن بطابع محلي أكثر صراحة في تأييده للانقلابيين.

فبعد فشل المحاولة الانقلابية، روجت القناة رواية مفادها أن السلطات التركية تروج لـ “انقلاب مزعوم” للتغطية على انتهاكاتها الحقوقية وفشلها في العديد من الملفات على صعيد السياسة الخارجية.

كما أجرت القناة لقاءً مع جولن كذب فيه رواية السلطات التركية بشأن محاولة الانقلاب تهدف إلى ممارسة ضغوط على دولٍ عدة لإدراج منظمته (جماعة الخدمة) على لائحة التنظيمات الإرهابية.

” فتح الله جولن “

الصحفي البريطاني الشهير، ديفيد هيرست، يفسر هذه التغطية بضلوع دحلان شخصيا في دعم محاولة الانقلاب في تركيا ماليًا، فضلاً عن إدراته لأعمال مظلمة وعلاقات مشبوهة في الشرق الأوسط.

ويعزز من مصداقية المعلومات التي أوردها هيرست في مقال له بموقع “ميدل إيست آي”، تحذيره السابق من تمويل إماراتي لتحرك انقلابي في أنقرة قبل حدوثه، من خلال محرك أذرع اللوبي الإعلامي، محمد دحلان.

أجندة صهيونية

وإزاء هكذا توجه، يمكن قراءة تبني القناة لسياسة تحريرية تركز على أحداث وفعاليات ثقافية وإعلامية وسياسية تنظمها شخصيات ومؤسسات مؤيدة لإسرائيل بشكل مطلق.

هذا الجانب من توظيف القناة فضحه رئيس الحركة الإسلامية داخل فلسطين 48، الشيخ رائد صلاح، حين لفت إلى شراء الإماراتيين منازل في القدس بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية.

ونوه المناضل، الذي يقبع بالسجون الإسرائيلية حاليا، إلى أن فادي السلامين (أحد المقربين من محمد دحلان) أحد أبرز من يقومون بعمليات الشراء الإماراتية في القدس ومحيطها.

ووفق هذه المعلومات فإن “الغد العربي” وشبكة الأذرع الإعلامية التي يديرها دحلان ليست سوى جزء من الإدارة المركزية للوبي الإماراتي حول العالم، التي يقودها سفير أبوظبي لدى واشنطن، يوسف العتيبة.

وقد كشفت الرسائل الإلكترونية، التي سربها موقع “ذي إنترسبت”، الكثير من الأسرار، أهمها أن شبكة “الإعلام الدحلاني” الناطقة بالعربية على علاقة وثيقة بأخرى “عبرية” يديرها “العتيبة” في واشنطن.