القاهرة – موسى العتيبي
لعبة أطفال تثير جدلًا في القاهرة.. ابتكارات مصرية في الاستهزاء بالسلطة.
السخرية من الرؤساء والحكام، عن طريق النكات والألفاظ المهينة، طريقة معروفة ومعهودة على المصريين عبر تاريخهم الطويل مع الأنظمة المختلفة.
ويزاد حجم السخرية مع ازدياد حجم القمع والقهر، إذ إن كثيرًا من المواطنين يلجأون للتعبير عما يدور في أذهانهم باللفظ أو بالنكتة التي يكون محورها النظام أو السلطة.
ويرى علماء الاجتماع أن تلك النكات الساخرة والألفاظ المهينة هي نوع من أنواع المعارضة الشعبية المستترة، يعبر فيها المواطن عما يجول في خاطرة من استهجان وغضب من تصرفات السلطة، ويسعى لتنفيس حالة القهر والكبت التي يعيشها دون أن يصطدم بشكل مباشر معها ولا يتعرض للتضييق الأمني أو يقع تحت طائلة القانون.
السيسي وبداية السخرية
ربما كان لـ”عبد الفتاح السيسي” النصيب الأكبر من الألفاظ والتعبيرات الساخرة والمهينة بين حكام مصر السابقين، إذ بدأت حملات السخرية منه بعد تصدره مشهد عزل أول رئيس مدني منتخب في مصر “الدكتور محمد مرسي” في الثالث من يوليو 2013.
معارضو السيسي الذين انشغلوا بمواجهته في مظاهرات وفعاليات احتجاجية بعد الثالث من يوليو، أخذوا بالتوازي مع ذلك في ابتكار حيل ساخرة بغرض الانتقاص منه، وإحراجه وسط مؤيديه.
وتنوعت وتباينت أنواع تلك الاحتجاجات الساخرة، بين من تخصص في نشر مقاطع فيديو توثق مشاهد ومواقف وتصريحات محرجة له، وبين من تخصص في تركيب الصور المهينة عبر برنامج الفوتوشوب، وبين من تخصص لعمل برامج ساخرة تهاجمه ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
حيوان السيسي وشيتلاند
السخرية من شخص عبد الفتاح السيسي طالت في بادئ الأمر السخرية من لقب عائلته، حيث ربط معارضوه بين اسم السيسي، وبين حيوان “حصان السيسي الشهير” وهو الحصان المعروف بأنه قزم، ويعرف مصريا باسم “السيسي”.
الربط بين اسم “عبد الفتاح السيسي” وبين حصان السيسي، دفع حديقة الحيوان بالجيزة إلى تصرف غريب من نوعه، حيث قامت إدارة حديقة الحيوان بتغيير اسم الحظيرة الخاصة بالحصان إلى اسم “السياسي، بدلا من السيسي” بمعنى أنها أضافت حرف “الف لها”، وهو ما أثار انتباه رواد الحديقة الذين لاحظوا إضافة الحرف بخط اليد، وذلك وفقا لما نشره موقع البوابة نيوز القريب من السلطة.
لكن الأغرب على الإطلاق أن حديقة الحيوان قامت بعد ذلك بتغيير اسم حيوان “السيسي” وتسميته بحصان “شيتلاند”، وهو المصطلح الذي يطلق عليه في بعض دول العالم، وذلك في محاولة من حديقة الحيوان لتجنب الربط بين الاسمين.
هاشتاج “انتخبوا العر.. “
انتقل معارضو السيسي من المسيسين وغيرهم إلى حالة أخرى للسخرية من السيسي لكنها كانت تستهدف هذه المرة، كسر هيبة “السيسي” في نفوس عموم المواطنين، وانتشال حالة الخوف والرهبة التي أحاطتها الأجهزة الأمنية حول شخصه.
“انتخبوا العر..” كان ذلك هو الهاشتاج الذي أطلقه نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد ساعات قليلة من إعلان السيسي خوضه انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014، لينتشر الهاشتاج كانتشار النار في الهشيم، وتخطى أكثر من 20 مليون مشاركة في ثلاث ساعات، ثم احتل الهاشتاج الأول عربيا والثالث عالميا عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر.
الهاشتاج المهين للسيسي، ازداد انتشاره بين المصريين ووصل أرقاما قياسية تخطت الـ 100 مليون مشاركة وتفاعل في بعض الإحصاءات وزادت عن الـ 700 مليون مشاركة في إحصاءات أخرى.
لكن الأخطر من انتشار الهاشتاج، هو إلصاق اللفظ المهين للسيسي “العر…” عبر أوساط شبابية وشعبية وحتى دولية واسعة، ليصبح اللفظ ملاصقا للسيسي أينما حل، لدرجة أن أصدرت وزارة الداخلية بيانا وقتها قالت فيه إنها تتابع الهاشتاج وستتبع مطلقوه.
ومؤخرا ظهر الدكتور يوسف زيدان بتصريحات مثيرة للجدل، مع الإعلامي القريب من السلطة عمرو أديب، زعم فيها أن كلمة (ع ر ص) التي يهاجم بها البعض، ليست سبّة ولا شتيمة لكن أصلها يعود إلى كلمة (عرصات) وهي تعني الميادين والتقاطعات الكبيرة والشخص الذي يوصف بـ ( ع ر ص) يكون معناه أنه شخص اجتماعي وفقا لقوله.
مراقبون ونشطاء اعتبروا أن تصريحات زيدان، ربما تكون محاولة بائسة من النظام للتخفيف من وطأة تلك الكلمة ومعناها السيئ الذي التصق بالسيسي.
بلحة وأبو فلاتر
أوصاف وألقاب أخرى ساخرة، أطلقها مصريون على السيسي خلال 3 أعوام ونصف من حكمه، يحاول البعض فيها التعبير عن حالة السخط من سياساته في صورة السخرية من شخصه.
“أبو فلاتر“، هو مصطلح كثيرًا ما يطلقه مصريون على السيسي، حيث تم اقتباسه من تعبير السيسي على نفسه، حين فسر تأخره في نطق الكلمات، بأن الجمل عنده تمر على فلاتر هي “فلتر الصدق والحق والأمانة” الأمر الذي يسبب له عذابا شديدا حين يتحدث، وذلك وفقًا لقوله.
“بلحة” هو لقب ساخر أيضا أطلقه بعض المصريين على السيسي، وانتشر على ألسنة الجميع، لعدم خدشه للحياء العام الذي يسببه لفظ “العرص” ولقب “بلحة” يعني في المفهوم المصري، الرجل الأبله أو الأخرق وفق تعبير إحدى الصحف الإيطالية التي وصفت السيسي به، أثناء زيارته الأولى للأمم المتحدة.
لعبة بـ…. السيسي
بعد كل الأوصاف الساخرة التي أطلقت على السيسي سابقًا، انتشر في محلات لعب الأطفال بمصر، لعبة غريبة تتكون من كرتين صغيرتين بينهما حبل قصير، أطلق عليها التجار اسمًا ساخرًا من السيسي ويتناول أحد أعضائه الحساسة.
وتتكون اللعبة، التي أطلق عليها المصريون اسم “بـ*ان السيسي” (أحد أجزاء الأعضاء التناسلية)، من كرتين من البلاستيك معلقتين في حبلين صغيرين مربوطين في حلقة، وعندما يقوم الطفل بتحريك الحبلين تصطدم الكرتان بعضهما ببعض، لتحدثا صوت فرقعة تختلف شدتها حسب قوة تحريك الكرتين.
اللعبة أثارت سخرية واسعة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين رحب الكثير منهم باللعبة واشتروها خصيصًا لأبنائهم وأقاربهم، نظرا لما تعكسه من دلالة على معارضة السلطة، رفضها آخرون بسبب إحراجهم من ترديد الاسم الخارج الذي تحمله، فيما أبدى غيرهم رفضهم لها بسبب الإزعاج الكبير الذي تسببه عند اللعب بها.
انتشار اللعبة بشكل كبير دفع بعض المدارس إصدار تعليمات بعدم السماح بتلك اللعبة في المدارس بحجة أنها تسبب ازعاجا للطلاب، فيما تداولت بعض الأخبار أنباءً لم يتم التأكد منها حول قيام قوات الأمن في العتبة والموسكي بالقبض على بائعي تلك اللعبة بحجة أنها تسبب ازعاجًا للمواطنين.
تعكس غضبًا شعبيًا متزايدًا
وبالرغم من أن اللعبة الساخرة من السيسي ليست جديدة، إلا أن إعادة انتشارها بقوة في الأيام الأخيرة باسم ساخر من السيسي، يعكس غضبا شعبيا متصاعدا ضد رأس السلطة في مصر وفقا لمراقبين.
المحلل السياسي عمرو هاشم ربيع اعتبر أن تطور السخرية من رئيس الدولة بهذا الشكل، أمر يحمل في طياته غضبا ومعارضة شديدة، من قبل الطبقات الفقيرة وسكان المناطق العشوائية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الراهنة.
“ربيع” عاد وأكاد أيضا وفقا لـ “عربي 21” أن هذا الأمر ليس جديدا على المصريين، مشيرا إلى أن الأمر حدث منذ عقود بعيدة وفي عهد السادات ومبارك ومرسي.
وعن اللجوء إلى هذه الأفكار المثيرة، أكد ربيعة أن ابتكار اسم لألعاب إباحية أو ما شابه ذلك، هو نتيجة لقرارات السلطة الحالية التي لا تعجب قطاعا عريضا من الشعب، الذي يترجم معارضته للحاكم في شكل سخرية إباحية منه.
اضف تعليقا