إبان حملته الانتخابية، تعهد جو بايدين بجعل المملكة العربية السعودية “منبوذة” بسبب دور ولي العهد محمد بن سلمان في قتل وتقطيع الصحفي في واشنطن بوست والمعارض السعودي البارد جمال خاشقجي، كما أكد على عزمه على إعادة تقويم العلاقات الأمريكية السعودية.
خلال العام الأول من فترة رئاسته، حاول بايدن الالتزام بوعوده تجاه السعودية بسبب سجلها الحقوقي السيء، لكن الآن، ومع الظروف الجيوسياسية الجديدة، يبدو أن الرئيس الأمريكي يفكر في التراجع عن تصريحاته بشأن إيلاء ملف حقوق الإنسان أهمية كبرى.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن بايدن أرسل مدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز للقاء ولي العهد المتهور والمستبد في محاولة لإصلاح العلاقات، وبحسب مصادر مطلعة، فإن هذه الزيارة جاءت بعد ما وُرد في الأشهر الأخيرة بأن مستشاري بايدن كانوا يفكرون في زيارة رئاسية إلى المملكة العربية السعودية هذا الربيع.
في هذا السياق، يرى محللون أن بايدن، وخاصة في ظل التقارير التي تفيد بأن بايدن يفكر في القيام برحلة إلى إسرائيل وربما المنطقة العربية، يجب أن يقاوم أي محاولات للمصالحة والتسامح، وإذا كان هناك أي اعتذار، فعليه أن يدع السعوديين يتخذون الخطوة الأولى، وأن يتأكد من أن نتائجها كافية لضمان المصالحة.
من السهل أن نرى كيف يمكن الخوض في جدال مفاده أن الوقت قد حان لتجاوز مقتل خاشقجي، خاصة في ظل الظروف الذي يمر بها العالم بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي تسبب في تعطيل سوق النفط وخلق نقص خطير في إمدادات الطاقة، في وقت تكمن فيه القدرة الإنتاجية الاحتياطية الكبيرة الوحيدة المتاحة في الخليج.
علاوة على ذلك، يبحث السعوديون عن مخرج من الحرب الكارثية في اليمن، وقد أزالوا الشهر الماضي إحدى العقبات الرئيسية أمام التقدم نحو تسوية من خلال إجبار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على الاستقالة مقابل تشكيل مجلس رئاسي، فضلاً عن سعي السعوديين نحو التقرب من إسرائيل، والبحث عن طريقة لتوقيع اتفاقيات أبراهام مثل جيرانها -الإمارات والبحرين.
أخيرًا، في وقت تعثرت فيه المفاوضات النووية الإيرانية، فإن أفضل طريقة لزيادة الضغط على طهران -من وجهة نظر الأمريكيين- هي الترحيب بعودة السعودية ومحمد بن سلمان إلى الحظيرة مرة أخرى.
وفي حين يرى بعض المحللين أن الأمريكيين يلزمهم فقط إلقاء بعض الضمانات الأمنية من شأنها أن تهدئ المخاوف السعودية والإماراتية بشأن تهاون الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحوثيين المدعومين من إيران، وسيكتمل حلم المصالحة، فإن آخرون يرون أن التوترات الشديدة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تحدث بين عشية وضحاها، لذلك فإن المصالحة ليس بالأمر الهين الذي سيحدث بهذه السرعة، كما لن يتم التعامل معهم بطريقة سحرية من خلال النشوة الشديدة التي خلقتها إدارة دونالد ترامب من خلال تدليل محمد بن سلمان ودعمه رغم انتهاكات حقوق الإنسان وحرب اليمن ومقتل خاشقجي.
إذا كان السعوديون جادين بشأن المصالحة، فيجب أن يكونوا مستعدين للتعامل مع مخاوف الولايات المتحدة، والأكيد أنهم لا يفكرون في هذا.
فيما يتعلق بزيادة إنتاج النفط، وهو ما ضغطت عليهم الولايات المتحدة للقيام به، لم تستجيب السعودية حتى الآن لهذه المطالب، بالرغم من أنه يمكنهم زيادة الإنتاج، لكن يبدو أنهم غير مستعدين لكسر الاتفاق مع منظمة البلدان المصدرة للبترول المكونة من 13 دولة وتسعة أعضاء آخرين من خارج أوبك لزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل فقط يوميًا كل شهر.
الحقيقة أن السعوديين لا يريدون قطع العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى المدى الطويل ينظرون إلى الولايات المتحدة كمنافس منتج للنفط.
في مارس/آذار، ورد أن محمد بن سلمان رفض تلقي مكالمة من بايدن، في وقت وُرد فيه أن السعوديين يغازلون الصينيين: أحد المستهلكين الرئيسيين للنفط السعودي.
فيما يتعلق بقتل خاشقجي، يواجه بايدن قضية خطيرة تتعلق بالمصداقية الشخصية، من جهة تعهد بمعاقبة السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان، ومن جهة لم يحرك ساكناً ضد بن سلمان أو نظامه.
في فبراير/شباط، عندما سئل عما إذا كان بايدن متمسكًا بتصريحاته حول المملكة العربية السعودية كدولة منبوذة لا تتمتع قيادتها بقيمة اجتماعية تذكر، قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي إنه لا يزال متمسك بهذا الأمر.
لكن، إذا وافق بايدن على إنهاء مقاطعته الفعلية لمحمد بن سلمان دون أن يتحمل ولي العهد المسؤولية عن جريمة القتل الشنيعة، فإن التزام الرئيس الكامل بإعادة القيم وحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأمريكية سيصبح محض شعارات واهية.
في الوقت الذي تقاتل فيه إدارة بايدن للدفاع عن الديمقراطية في أوكرانيا، سيكون تصالحها مع زعيم بلد يقمع مواطنيه أمر في غاية التناقض، خاصة وأن تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية للمملكة العربية السعودية أشار إلى أن ” قضايا حقوق الإنسان المهمة تضمنت تقارير موثوقة عن: عمليات الإعدام لجرائم غير عنيفة؛ الاختفاء القسري؛ التعذيب وحالات المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للسجناء والمحتجزين من قبل عملاء الحكومة؛ ظروف السجن القاسية والمهددة للحياة؛ الاعتقال والاحتجاز التعسفي؛ السجناء والمعتقلون السياسيون؛ مضايقة وترهيب المعارضين السعوديين الذين يعيشون في الخارج “.
ليس هناك شك في أن المملكة العربية السعودية تحاول التقرب من إسرائيل، ومن المحتمل أنه إذا أصبح محمد بن سلمان ملكًا، فسيكون مستعدًا لاتخاذ خطوات أكثر جرأة من والده الملك سلمان الذي لا يزال متمسكاً بالقضية الفلسطينية، خاصة وأنه قال في مقابلة أجراها مؤخراً مع مجلة ذي أتلانتك الأمريكية، إنه يعتبر إسرائيل “حليفا محتملا”،
لطالما كانت العلاقة الأمريكية السعودية علاقة تبادلية، وهذه هي الطريقة التي يجب أن يتعامل بها بايدن مع أي مصالحة – ليس حرصاً على ضمان حماية مصداقية ومصالح أمريكا فحسب، بل مصداقيته أيضاً.
إذا أراد السعوديون الخروج من سجن العلاقات الباردة، فعليهم ضمان حل النقاط المتعلقة بالنفط وخاشقجي واليمن، وأي ضمانات أمنية قد يريدونها في المقابل يجب أن تكون معقولة ولا تقيد الولايات المتحدة بسياسات سلطوي قاسٍ ومتهور قد يرغب في توريط الولايات المتحدة في حرب مع عدوه الإيراني اللدود.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا