تزايدت وتيرة العثور على مقابر جماعية في ليبيا خلال الفترة الأخيرة، وتحديدًا خلال الشهر الماضي، بمدينة بنغازي (ِشرق ليبيا).
ويسيطر ما يسمى بـ “الجيش الوطني الليبي” تحت قيادة المشير خليفة حفتر المدعوم من برلمان طبرق، على أجزاء كبيرة من شرق ليبيا.
ودخلت القوات الموالية لبرلمان طبرق في مواجهات موسعة مع مجموعات مسلحة تقاتل إلى جوار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في بنغازي، قبل أن يتمكن حفتر من السيطرة عليها تمامًا في يوليو الماضي، بعد معارك عنيفة امتدت لفترة طويلة.
وبدأ الهلال الأحمر الليبي في التدخل لفتح المقابر الجماعية ومعرفة أسباب الوفاة ووقتها، بعد شكاوى الأهالي في عدة مناطق عن اكتشاف تلك المقابر.
مقابر جماعية
في مطلع شهر أكتوبر الماضي عثرت الأجهزة الأمنية في بنغازي على 4 مقابر جماعية، في منطقتي قنفودة وعمارات الـ 12 غرب المدينة.
وقال رئيس فرع جمعية الهلال الأحمر ببنغازي قيس الفاخري، إنّ فريق البحث عن الجثث والمفقودين انتقل إلى المكان، وتمّ إبلاغ اللجنة المختصة بفتح المقابر لاتخاذ الإجراءات اللازمة تمهيدًا لفتحها وسحب العينات للتعرف على هوية أصحاب الجثامين ودفنها في المقابر الرسمية.
وأشار إلى تعدد البلاغات بشأن المقابر الجماعية والجثث المكتشفة داخل منازل ومزارع وشوارع وشواطئ بعدد من المناطق التي كانت مسرحًا للعمليات العسكرية في المدينة، ومنها منارة سيدي أخريبيش.
وفي أواخر الشهر الماضي، تم العثور على مقبرة جماعية تحتوي على نحو 37 جثة في بلدة الأبيار بضواحي بنغازي، ولكن الغريب كانت الجثث مكبلة وعليها آثار إطلاق رصاص في الرأس، بحسب المعلومات الأولية.
المقبرة الجماعية وجدت في مكان خالٍ من السكان قرب منطقة الكسارات الخاضعة لنفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وسط ترجيحات بأن تكون الجثث تعود لعسكريين كانوا معتقلين في سجن تابع لقوات حفتر منذ عدة أشهر.
وقبل أيام من هذه الواقعة تمّ العثور على جثة الليبي عبد الفتاح المغربي، الذي اختطفته قوات حفتر وظهر في تسجيل مصور وهو يدلي باعترافات بشأن ارتكابه عمليات اغتيال وتفخيخ سيارات في مدينة أجدابيا.
إحدى المقابر الجماعية في “بنغازي”
جرائم حرب
هذه المقابر الجماعية التي يتم العثور عليها ترتبط بالأساس بالاقتتال الداخلي في ليبيا وتحديدًا مع بداية ظهور حفتر على سطح الأحداث وبات له نفوذ كبير في المنطقة الشرقية.
وتصنف جريمة القتل الجماعي والتعذيب باعتبارها “جرائم حرب”، ويبقى المتهم الأول فيها هو حفتر قائد ما يعرف بـ “الجيش الوطني الليبي”، خاصة وأن اكتشاف المقابر الجماعية تم في بنغازي.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” اتهمت حفتر ورجاله في “الجيش الوطني الليبي” بارتكاب جرائم حرب تشمل قتل وضرب المدنيين والإعدام الميداني والتمثيل بجثث مقاتلي المعارضة بمدينة بنغازي في 18 مارس الماضي والأيام القريبة من هذا التاريخ.
هذه الاتهامات جاءت بعد ما تردّد عن توقيف قوات حفتر مدنيين حاولوا الفرار من حي محاصر، وكان بعضهم برفقة مقاتلين من المعارضة، وما زال مكان ومصير بعض المدنيين مجهولًا.
وقال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، “على قيادة الجيش الوطني الليبي التعامل بشكل عاجل مع هذه الادعاءات المخيفة من خلال التحقيق مع المشتبه بارتكابها، ومنهم قيادات عسكرية عُلْيا ربما تتحمل مسؤولية شخصية”.
ولحفتر وقواته سجل كبير من الانتهاكات والجرائم التي ترتقي إلى جرائم حرب، خاصة مع صدور مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية بحقّ محمود الورفلي؛ لضلوعه في عمليات إعدام جماعية بمدينة بنغازي.
وجاءت المذكرة لاتهام الورفلي عن جرائم حرب ارتكبها عامي 2016 و2017 في بنغازي والمناطق المحيطة بها.
وقالت المذكرة إن الورفلي يبدو أنه مسؤول بشكل مباشر عن مقتل نحو 33 شخصًا.
وقامت القوات التابعة لحفتر بنبش القبور في بنغازي مارس الماضي، ما أثار ضجة دولية لهذه الممارسات، وسط انتقادات مصرية شديدة لحليفها ودعوته للتبرؤ من هذه الأفعال، لأنها تؤثر على مستقبله في ليبيا.
قوات “حفتر”
صمت دولي
ولكن الغريب في ظل هذه الجرائم هو الصمت الدولي حيال حفتر وقواته التي ترتكب جرائم حرب وانتهاكات شديدة بحق المدنيين وخصومه السياسيين.
ولكن يبدو أنّ هذا الصمت يتعلق بمحاولات حثيثة لاحتواء الأزمة في ليبيا وعدم تفاقمها، خاصة وأنّ حفتر يحظى بدعم من برلمان طبرق، ولديه نفوذ بشكل ما أو بآخر في شرق ليبيا.
وتحاول القوى الدولية الكبرى وقف أي تصعيد عسكري ووقف إطلاق النار في ليبيا بين الفرقاء، تمهيدًا لإنهاء خارطة الطريق الأممية التي قدمها المفوض الأممي غسان سلامة وحظيت بموافقة مجلس الأمن.
وسعى حفتر إلى امتصاص أي غضب دولي وقرر احتجاز الورفلي والتحقيق معه في الجرائم التي وجهتها له الجنائية الدولية ولكن مع رفض تسليمه، خاصة وأن أي اعترافات منه قد تؤدي إلى اتهام قائد ما يعرف بـ “الجيش الوطني” نفسه.
كما أنه أمر بالتحقيق في العثور على المقبرة الجماعية التي تم اكتشافها أخيرا، خوفًا من أي غضب دولي تجاهه، خاصة أن عدم التحقيق يضعه في موضع الاتهام.
“محمود الورفلي” و “حفتر”
مستقبل حفتر
حفتر بات مصدر إزعاج وقلق دولي خاصة مع تصرفاته لإفشال المبادرات الدولية والجهود التي يبذلها المبعوث الأممي غسان سلامة.
الموقف الأمريكي كان واضحًا لناحية التململ من حفتر، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنّ القوات التابعة لقائد عملية الكرامة خليفة حفتر فشلت في التصدي لما أسمته بالإرهاب والتفجيرات والاغتيالات والخطف في المنطقة الشرقية.
وأضافت في التقرير السنوي عن الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن “الجيش الليبي” كان ضعيفا ومنقسمًا، وأن ولاءات بعض وحداته تذهب إلى ما أطلقت عليه مجتمعات محلية أو قبلية.
كما أنّ فرنسا أكدت على أنّ حكومة الوفاق هى الجهة الوحيدة المعترف بها دوليًا، خلال طرح مبادرة لحل الأزمة الليبية وجمع حفتر ورئيس الحكومة فايز السراح في باريس.
وربما إذا استمر حفتر في دوره في إفشال المبادرات والجهود الدولية، قد يكون هناك موقف دولي حيال مستقبله في ليبيا، ربما يصل إلى إقصائه من المشهد.
اضف تعليقا